-- تميزت حقبة المعسكرين بتنامي وتطور حركة التحرر الوطني العالمية حيث شهدت تلك الحقبة كثرة من الانجازات الفكرية والسياسية أبرزها تنامي وتطور منظومة الدول الاشتراكية الساندة لحركة التحرر الوطنية الهادفة الى استقلال الدول التابعة وتطور نهوجها الاقتصادية المناهضة للرأسمالية والمتجسدة بقوة تحررية ساندة لكفاح الدول الاشتراكية في العلاقات الدولية.

-- النجاحات الاقتصادية الاجتماعية التي ميزت حقبة المعسكرين لم تخل من السلبيات الكثيرة منها سيادة النظم الاستبدادية في الدول الوطنية المناهضة لتطور الحركات اليسارية --الديمقراطية وما ترتب على ذلك من إعاقة تطور كفاحها الوطني الديمقراطي.

-- استبدادية النهوج السياسية لدول حركة التحرر الوطنية تواصلت وركود اقتصادي في البلدان الاشتراكية وسيادة البيروقراطية السياسية في سلطة الحزب والدولة بسبب استمرار قيادتها بالهيمنة على المراكز الرئيسية في الدولة والمجتمع الامر الذي أثر على ديناميكية تطور بنائها السياسي وتطور تشكيلتها الاشتراكية.

-- سيادة النظم الشمولية في البنى السياسية للدول الوطنية والركود الاقتصادي في الدول الاشتراكية أدتا الى تدخل الدول الامبريالية الكبرى في الشؤن الداخلية للدول الوطنية عبر تسعير العداء للقوى الوطنية والديمقراطية في الدول الوطنية.

-- احتدام سباق التسلح بين النظامين الاشتراكي – الرأسمالي وما نتج عن ذلك من إعاقة نمو الدول الاشتراكية وتعثرها في تلبية الحاجات الضرورية للمواطن الاشتراكي والعمل على شده تشكيلاتها الاجتماعية الى مناهضة الخارج الامبريالي المتخم بالصراعات الدولية والنزاعات الاجتماعية.

--أفضت مساعدة الدول الاشتراكية للبلدان الوطنية بغض النظر عن طبيعة نظمها السياسية الى اضعاف وسائل الكفاح الديمقراطي الهادف الى تغيير الأنظمة الاستبدادية واستبدالها بأنظمة ديمقراطية في الدول الوطنية.

-- الركود السياسي الاقتصادي وسيادة البيروقراطية في النظم السياسية في الدول الاشتراكية وسيادة النظم الديكتاتورية في الدول الوطنية   افضيا الى تفكك وحدة المعسكر الاشتراكي وحركة التحرر الوطنية وما نتج عن ذلك من تحولات سياسية اقتصادية رأسمالية شددت تبعية الدول الوطنية للخارج الإمبريالي.

- أدى غياب النموذج الاشتراكي الذي شكل مصدرا أساسيا   لتطور الكفاح الوطني- الديمقراطي الى سيادة علاقات الإنتاج الرأسمالية في التنمية الوطنية.

استندا الى تلك الموضوعات الفكرية -السياسية نتوقف بعجالة عند مفاصل البحث ومنهجيته المتمثلة في ثلاثة محاور أساسية --.

أولا - الدول الوطنية وسماتها الاساسية في فترة المعسكرين.

ثانياً- الدول الوطنية وتطورها في الرأسمالية المعولمة.

ثالثاً -- الكفاح الوطني الديمقراطي وتطور الدولة الوطنية.

على أساس تلك العدة المنهجية نأمل التوصل الى نتائج بحثية تخدم مسارنا الديمقراطي.

أولا – الدولة الوطنية في حقبة المعسكرين

اعتماداً على الوهج الفكري لنظم الاشتراكية الفعلية اندلعت في العالم الثالث الكثير من   الثورات الوطنية المناهضة للهيمنة الرأسمالية. وانخرطت الكتل الشعبية في حراك وطني -ديمقراطي متعدد المشارب وما تمخض عن ذلك الحراك الشعبي من سيادة نظم سياسية وطنية بقيادات عسكرية – آمريه وبهذا المسار لابد من التوقف عند بعض الملاحظات التي أجدها ساندة للبحث تتمثل ب- --

1 – بسبب ضبطها الصارم وبنائها المتعدد الطوابق لعبت المؤسسة العسكرية دور المفجر والقائد الموجه للثورات الوطنية بدلاً من الأحزاب السياسية.

2– تبوأ العساكر لقيادة الثورات الوطنية وانفرادهم بحكم البلاد أفضى الى اشاعة الاحكام العرفية انطلاقا من نزعتهم العسكرية المتسمة بالأمرية والتسلط.

3-غياب البرامج الوطنية -الديمقراطية لدى الأحزاب القومية الفاعلة في الجيوش الوطنية واعتمادها على شعارات قومية مثالية أفضى الى اغترابها عن المصالح السياسية الوطنية.

-- اندلاع النزاعات السياسية بين الأحزاب القومية واليسارية وما نتج عن ذلك من تشديد النهوج الديكتاتورية لدى كوادر المؤسسة العسكرية المتحكمة.

 4--التوصيف المشار اليه أنتج سلبيات خطيرة على مسار تطور الثورات الوطنية تمثلت في ترسيخ النهوج الفردية في حكم البلاد ووقوف الكتل العسكرية الحاكمة فوق النزاعات الاجتماعية.

تلخيص يمكننا صياغة الرؤية الفكرية التالية   -  

تعامل القيادات العسكرية الحاكمة مع الدول الاشتراكية ومساعي الأحزاب القومية الانفراد بالسلطة السياسية أديا الى ضبابية الرؤية الفكرية-السياسية امام القوى الوطنية والديمقراطية في رسم استراتيجية واضحة تتضمن تطوير سلطة الدولة الوطنية الى سلطة شرعية ديمقراطية.

ان الدوافع الحقيقية الكامنة وراء هذا العجز في إدارة الصراعات الوطنية يرجع الى كثرة من الأسباب حسب ما أرى أهمها –

أ– هلامية البنى الطبقية في التشكيلات الوطنية واعتماد موضوعة مساندة الثورة الوطنية بطواقمها العسكرية بغض النظر عن روحها التسلطية ونهوجها الديكتاتورية.

ب – مساندة الدول الاشتراكية للنظم الوطنية العسكرية رغم مناهضتها للديمقراطية لغرض تشكيل سياج دولي مناهض للإمبريالية.

ج – مساندة المحيط الإقليمي للقوى اليمينية القومية الهادفة الى اسقاط النظم العسكرية   التقدمية وتحقيق (وحدة) الامة العربية بالضد من المصالح الوطنية.

د – خشية القوى الديمقراطية من تدخلات الخارج الامبريالي في النزاعات الوطنية الداخلية.  

ان هذه الموضوعات وغيرها افضت الى تأكل الروح التعاونية بين القوى الوطنية وأضعفت التضامن الاممي مع القوى الديمقراطية الهادفة الى التغيير وما نتج عن ذلك من تراجعات سياسية وانقلابات عسكرية مساندة من قبل الدوائر الامبريالية المناهضة للنزعة الوطنية الديمقراطية.

ثانيا – الرأسمالية المعولمة والدولة الوطنية.

-- اعتماد الدول الاشتراكية السابقة خيار التطور الرأسمالي أفقد الدولة الوطنية حليفا دوليا استراتيجيا رغم تبني نظمها السياسية موضوعة الوطنية – الديمقراطية الذي أثرت بدورها على الدولة الوطنية الباحثة عن مساند فكرية وسياسية لتوجهاتها الاقتصادية -السياسية المناهضة للهيمنة الإمبريالية.

على أساس تلك الوقائع في العلاقات الدولية دخلت الدولة الوطنية طورا جديدا تمثل بركيزتين –

الركيزة الأولى-- تستند على أهمية التطور الوطني المستقل المبني على صيانة المصالح الوطنية.

الركيزة الثانية -- مناهضة السياسية الامبريالية المتسمة بالتبعية والتهميش والالحاق.

ان كفاح الدول الوطنية استند على سياسية الرأسمالية المعولمة في العلاقات الدولية المتسمة بالتبعية والالحاق هادفة بذلك الى--

-- تفتيت الدول الفدرالية الى دول وجمهوريات مستقلة لغرض السيطرة عليها وذلك بعكس المرحلة الكولونيالية التي ساهمت في بناء الدول الوطنية وتأطيرها بسيادة وطنية شكلية.

-- تفتيت الدول الوطنية الموحدة وتوزيعها على أقاليم طائفية تشدها نوازع قتالية.

 -- بناء نظم سياسية جديدة تتجاوب واحتكاراتها الدولية عبر تشديد عملية الالحاق مدفوعة بروح المنافسة الرأسمالية.

-- تشكل الدول الديكتاتورية النموذج المعتمد من قبل الرأسمالية في طورها المعولم وما يحمله من نزعات إرهابية ضد القوى الوطنية الديمقراطية.

مواجهة عمليات التفتيت والالحاق وتكريس النظم الاستبدادية تكمن في الكفاح الوطني -الديمقراطي الهادف الى تطور الدولة الوطنية وصيانة مصالح طبقات تشكيلتها الاجتماعية.

ثالثاً-- الكفاح الديمقراطي وتطور الدولة الوطنية

اثارت قضية التحالفات الوطنية الديمقراطية في الدول الوطنية العديد من التساؤلات منها ما هي طبيعة الأهداف السياسية والاجتماعية للتحالفات الوطنية؟ وما هي علاقاتها بالسلطات السياسية الحاكمة؟ بمعنى آخر هل هي تحالفات حاكمة أم تحالفات معارضة لسلطة البلاد السياسية؟ ومنها هل هي تحالفات ثورية تتبنى إسقاط النظام السياسي القائم بالقوة العسكرية؟  أم أن هدفها الوصول الى السلطة السياسية عبر شرعية انتخابية؟ هل تستند التحالفات الوطنية على برامج وطنية – طبقية أم برامج وطنية – سياسية؟.

الطور الجديد من العولمة الرأسمالية يشترط على فصائل اليسار الاشتراكي بناء التحالفات الوطنية والطبقية الهادفة الى تطور التشكيلة الاجتماعية للدولة الوطنية والتي اراها تتمثل بشكلين أساسيين --

- أولا - تحالفات سياسية

ترتكز التحالفات السياسية على ضرورة صيانة الدولة الوطنية من التبعية والتهميش عبر التأكيد على --

أ – بناء تحالفات وطنية على أساس توازن المصالح السياسية بين الأحزاب السياسية بهدف-

ضمان عملها الشرعي المستند على القوانين الوطنية وبهذا المسار تشكل الدولة الديمقراطية ضمانة وطنية لصيانة تشكيلة البلاد الاجتماعية من التفتيت والضياع والحروب الاهلية.

ب – التركيز على بناء نظم سياسية تنطلق من الشرعية الديمقراطية للحكم. كونها الضمان الدستوري العامل على صيانة الدولة وتشكيلتها الاجتماعية من التهميش والتفتيت.

ثانياً -- تحالفات طبقية

تهدف التحالفات الطبقية الى تحقيق   برامج اجتماعية للطبقات المتحالفة وهنا يتوجب التأكيد على دور الحزب الاشتراكي في تجميع وتحشيد القوى الديمقراطية الراغبة في تأسيس نظم اجتماعي ضامنة للعدالة الطبقية   بمعنى اخر قيادة الحزب الاشتراكي للقوى الطبقية الراغبة ببناء دولة العدالة الاجتماعية المرتكزة على --

1 -- بناء شبكة الضمانات الاجتماعية التي ترعى مصالح الطبقات الاجتماعية في تشكيلة العراق الاجتماعية.

2 -اعتماد الشرعية الديمقراطية أسلوبا لتداول السلطة السياسية بعيداً عن الروح الانقلابية الاقصائية.

3 – مكافحة الطبقات الاجتماعية المتحالفة مع الرساميل الأجنبية وحرمانها من المشاركة الوطنية في إدارة البلاد السياسية.

ان العولمة الرأسمالية وروحها التنافسية السلمية والعسكرية تتطلب من القوى الاشتراكية اختيار أساليبها الكفاحية الهادفة الى تجميع القوى الوطنية -الديمقراطية بهدف صيانة الدولة الوطنية وتشكيلتها الاجتماعية من التهميش والتخريب والعمل المشترك على أساس السلام الأهلي والتضامن الطبقي.

 

عرض مقالات: