و تشير تجارب دول عديدة الى ان الفساد هو الطابور الخامس لإشعال الحروب من اجل تحقيق اعلى الأرباح الأنانية، و خاصة في حالة اللادولة .  .  بعد ان عشعش الفساد في البلاد و صار هو الحاكم الفعلي الذي عَبًر المحاصصة الطائفية و العرقية لتحقيق الأرباح القذرة دون ابسط مراعاة لحقوق الشعب و الوطن، بترابط و دعم قوى و طغم فساد اقليمية و عالمية (1).  

 الأمر الذي تسبب بانسحاب العديد من الممولين و المستثمرين الكبار لإعادة بناء و تعمير البلاد، و افقد البلاد مصداقيتها امام دول العالم القادرة و الراغبة في مساعدتها في محنتها، خوفاً لما يمكن ان يحدث لمشاريعهم من الفساد الذي يموّل الإرهاب و انواع الميليشيات الإرهابية على اختلاف راياتها، في بلاد لها دستور و برلمان و مؤسسات دستورية غير فاعلة، بل صارت حتى مناقشات البرلمان و توزيع الحصص تتم على اساس المنافع الفردية و باشتباكات بالايدي علناً .

و يرى قسم من المطّلعين و باسف، بأن حكم الميليشيات التابع لدولة جارة على اساس الدولة العميقة .  . فرز وضعاً قد لا يمكن فيه الآن لأية جهة داخلية ان تلعب دوراً لإصلاح الاوضاع دون قوة مسلّحة او تأييد منها، بعد ان لم تتوصّل انواع الاحتجاجات و المصادمات المطالبة بتوفير الخدمات  العامة، ومعالجة البطالة ونسب الفقر، الى حلول. الاحتجاجات التي عمّت البلاد من اقصاها الى اقصاها و قوبلت بالرصاص و تساقطت فيها اعداد الشهداء و الجرحى و المختطفين منذ عام 2011  و التي وصلت الى اقتحام المنطقة الخضراء و البرلمان و مقرات الأحزاب الحاكمة .  . 

و يرون بإجراء السيد عبد المهدي بدمج الحشد الشعبي بالجيش بداية يتمنون لها النجاح، فيما ترى اقسام ليست قليلة فيه، بكونه لايزال اجراء اعادة تنظيم و ليس لحل الميليشيات و لحصر السلاح بيد الدولة (2)، حيث بقي الحشد كياناً مستقلاً خاصاً، مع الاحترام لبطولات وحداته في قتالها لداعش الاجرامية، و يذكّرون بأن الحشد تأسس اساساً تلبية لفتوى المرجع الشيعي الأعلى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي، الذي دعى الى الالتحاق بالقوات النظامية الحكومية للدفاع عن البلاد من خطر دولة داعش الارهابية الاجرامية، و ليس لتأسيس فصائل مسلحة لاحدود لمرجعياتها و اجتهاداتها.

من ناحية اخرى فإن حكم الميليشيات، اوصل الأمر الى تساؤل كثيرين عن كيف تفسّر الحكومة القائمة اسراعها لإكمال تشكيلها، اثر التهديد الضروري للسيد الصدر بالدعوة لإجتياح الجماهير للخضراء و البرلمان ان لم يتم اكتمال التشكيل من اجل الصالح العام .  . في زمن ازدياد ابتعاد الحكومة عن الجماهير و تبدّل منطق الصراع الاجتماعي ـ السياسي و ادواته و لغاته، رغم ثبات جوهره  .  .

و من ناحية ثانية، يرى سياسيون و وجوه اجتماعية، بأن الاوضاع المؤلمة الجارية في البلاد، ادخلت حتى الواعين من الناس في متاهات و تعليلات مؤسفة وحيدة الجانب، تصل الى ان الشعب هو المسؤول عمّا يجري لأنه هو الذي انتخبهم رغم مشاركة اقل من 50 % ممن يحق لهم الانتخاب(3) في الانتخابات التشريعية الأخيرة، و رغم ملاحظات اخرى.

غير  منتبهين او غافلين عمّا عملته الدكتاتورية الدموية لعقود و عمّا تعمله القوى الحاكمة الفعلية طيلة ستة عشر عاماً لتبرير و تغطية سرقاتها الفلكية و ادامة كراسيها .  . في تجهيل الشعب و سوقه بانواع الحيل الايمانية و الطائفية، و بعنف الميليشيات و الإغراءات و كمّ الافواه و ملاحقة الصحفيين و الإعلاميين النزيهين، و عدم الاهتمام بخيرة مفكري و علماء البلاد الذين ساقتهم الدكتاتورية المنهارة الى الخارج .  .  حتى صار الشباب يسعى لترك البلاد و الهروب منها .

و ترى اوسع الاوساط بأن المحاربة الجادة لحيتان الفساد بوتيرة اعلى و اسرع ممايجري الآن و بقوة الدستور و القانون و بصرامة عملية، اضافة الى تأييد المرجعية العليا، هي الطريق الاساسي في ظروف البلاد، في المساعي الخيّرة للوقوف امام الضغوط المتنوعة لزج البلاد في الحرب التي يجري الإعداد لها، بل و في المساهمة الفاعلة لمنع اندلاعها، فكما عَبَرَ الفساد المحاصصة فان مكافحته الجادة هي التي تحقق عبور المحاصصة و بالتالي الغائها، و تحقق السير الحثيث لتقوية الدولة على اساس المواطنة.

و للسير على ذات الطريق المؤمِّن للثقة بالحكومة، لابدّ من كسب الجماهير التي بدون تأييدها و استعدادها للعطاء، لايمكن مواجهة شبح الحرب، و لنا في الانتصارات التي تحققت و حطّمت دولة داعش الاجرامية مثالاً ساطعاً، و لكسبها لابدّ من البدء الفعلي بحل ابرز و اخطر مشاكلها و آلامها الحياتية، بقرارات ديوانية سريعة و فوق العادة، تصون حياة الجماهير و تُشعرها باهتمام الحكومة بحياتها و مصيرها و لكسب ثقتها بالخطط التي يتم وضعها و البدء بها. و الاّ  و بعيداً عن تعقيدات السياسة و الآيديولوجيا  .  . كيف نهضت دولة الكويت مجدداً بعد ان دمّرتها حرب الدكتاتورية ؟ و كيف تتحدى دولة ايران ماتواجهه اليوم رغم حرب الثماني سنوات المدمّرة على يد ذات الدكتاتورية ؟ في بلاد من اثرى بلدان العالم تعيش تجربة (ديمقراطية) مضى عليها ستة عشر عاماً . 

و الاّ فان داعش ستظهر من جديد بوجه قد يكون بجيل اسلاموي طائفي عروبوي ارهابي،  كما توقع ابرز المراقبين و السياسيين العراقيين و اشاروا الى اهمية النجاح السياسي الاجتماعي الاقتصادي و خاصة في المناطق المحررة من داعش منذ الاعلان عن سقوط دولتها في الموصل التي لم يجر التحقيق حتى الان في اسباب سقوطها (الموصل) بيد عصابات داعش .  .

و لم يُقدّم المسؤولون عنه و عن مذبحة سبايكر ـ اللتين شكّلتا اكبر الخسارات بالارواح و النفوس و الاموال في هذا العهد، الى القضاء حتى الآن وبقى المسؤولين عنهما في مواقعهم .  . من جهة، و ستتواصل الإحتجاجات الشعبية المطالبة بالماء و الكهرباء و حل مشاكل البطالة و الصحة و التي من المؤسف الى انها قد تتصاعد بأعلى مما مرّ و يصعب السيطرة على مضاعفاتها، لأن الاحوال صارت احوال حياة او موت !! من جهة اخرى .  . بتقدير عديد من الخبراء و العارفين المستقلين. (انتهى)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. كمثال، راجع مقابلة قناة التغيير مع السيد انتفاض قنبر في الشهر الماضي، عن تقرير اميركي فضح قضية فساد اميركية ـ عراقية و نُشر علناً اواخر 2018 .
  2. مستشهدين باجراء رئيس الوزراء السابق السيد العبادي الذي لم يغيّر شيئاً.
  3. وفق الإعلان الرسمي لمفوضية الانتخابات ذاتها.
عرض مقالات: