كلما يقترب موعد الإحتفال بمناسبة وطنية يتساءل ألبعض لماذا لا تتضامن الأحزاب التي كانت تُشارك في الحراك الوطني ويُحتفل بالمناسبة الوطنية سوية ؟!!... هنا ينبري الكثيرون ، يتحسرون على الأيام الخوالي حين كنا واحدا ، ومن ثم تأتي الإتهامات او التنديد والنصائح ، وأحيانا التساؤلات ، منها مثلا هل التضامن مع حراك القوى الوطنية للشعوب قد فتر في الآونة الأخيرة ؟!!، ألا ينبغي أن نبحث عن صيغة جديدة ملائمة لنتضامن بعضنا مع بعض على اساس وطني عام ؟ ام نترك الأمر ليسوده العنف الطائفي والعشائري في بلادنا ، وتبقى القوى الوطنية منفردة تتصدى لهما . حتى من يدعى العدالة الإجتماعية ، ابتعد عن التضامن وإياها ، وصعب عليه إستنكارها معتمدا اللامبالاة على حساب الثقافة الوطنية . وهنا يثار سؤال آخر هل فقد التضامن جاذبيته ؟!!، ونسى الناس خصوصياته !! وحلت محله إلإغراءات الطائفية والعشائرية التي تسود حاليا سماء العراق ، ويعتبرها البعض مرجعيات لحل الأزمات التي يمر بها الفرد والوطن  

للتضامن خصوصيات لا زالت عالقة وحية في فكر الأحزاب الوطنية ، لكون نضالها تواصل بالإرتباط مع تحقيق حقوق الإنسان والعدالة الإجتماعية ، ويُضيرها غياب الحياة الحرة الكريمة والسلم الإجتماعي عن أغلبية عموم الناس ، والتي هي اليوم بأمس الحاجة لتضامن الأخرين مع محنتها الحالية ، من أجل إيقاف سرقة رزقها وثروات بلادها . حدث هذا بعد أن غُيب الفكر الثقافي والأخلاقي للتضامن الذي كان يتصف به شعبنا ، فحاليا مثلا تخوض قواه الوطنية مع المكونات العرقية له من المسيحيين والصابئة المندائيين والأيزديين ، محاججة مع من في مواقع القرار في تشريع قانون المحكمة الإتحادية العليا الذي لو تمت المصادقة عليه ، فلسوف يهدد النسيج الإجتماعي ، ويصادر الحقوق الدينية والإنسانية لتلك المكونات ، علاوة على أنه سيبعدهم عن المشاركة بمسؤولية تنمية وتطور البلد ، وهم الذين  رفعوا مشاعل التحضر والثقافة وحتى تطوير لغة من تواجدوا بين ظهرانيه   

على الرغم من ضمان الدستور لمصالح المكونات العرقية (التي لا تدين بالإسلام ) تجري مقاومة النشاط الطائفي والعشائري للتدخل في شؤونهم الداخلية ، من أجل أن تبقى خالية الوفاض من كل شيء يُشجعهم ويدفعهم بقوة التمسك بأرض أجدادهم ، فبعض المسؤولين في الحكومة واحزابها الطائفية لم يُشاهد لهم موقف تضامني وإياهم . حتى في المناسبات يُكتفى بدعوتهم للبقاء في أرض أجدادهم ، بإعتبارهم السكان الأصليون للعراق دون محاسبة من يتحرش بهم ، فلم نسمع مرجعيات الأحزاب الحاكمة ومن كلا المذهبين غير تشجيع خفي لإعتماد الطائفية والعشائرية والدعوة لتطبيق أجنداتهما ، وكأن هناك مخططا يراد به تصفية تواجدهم من أرض أجدادهم ، علما ان مطالبهم لا تخرج عن كونها سلمية تُشَيع المحبة والسلام والفرح والقيم النبيلة بين كل الناس ، ولم يذكر التاريخ البعيد والقريب أنهم وراء خلق النزاعات القومية والدينية والعنصرية والطائفية

فاليهودية والمسيحية والصابئة المندائية والأيزيدية هي ليست مجرد رسالات سماوية وإيمان مرتبط  بالمكان واللغة والعرق فحسب ، وإنما أينما وجد ناسهم وجدت مراكزهم الدينية . لهذا كان تواجدهم منتعشا في كافة الاصعدة الرسمية والشعبية في أرض الرافدين ، بينما حاليا تتعرض بشكل سافر مرتكزاتهم وأثارهم (حتى مقابرهم) إلى الإنتهاك على يد المعادين للتعايش السلمي ، فاليهود مثلا أول من طُردوا من البلاد في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينات رغم إنتشارهم في كل أرض  العراق ، ففي إحدى مدن الفرات الأوسط يوجد قبر النيي حسقيل . أما في مدينة القوش كانوا يشكلو أغلبية السكان قبل ميلاد سيدنا المسيح ، حيث إحتوت قبر النبي ناحوم الذي جاء ذكره في الكتاب المقدس ، وهو عبارة عن كنيس يهودي تغطي جدرانه الكتابات العبرية وقد كتبت على لوح صخري( سيكون هذا مسكنك إلى الابد) ، ومع هذا إختفى إثرهم الحضاري من العراق ،حتى أنه هُربت بقايا آثارهم إلى إسرائيل فتحول سيبهم  إلى تحذير لمن لا يعتنق الديانة الإسلامية ولسان حالهم يقول هم الأولون ونحن اللاحقون.

وبالفعل حصل هذا على يد الدولة الإسلامية التي شكلتها داعش بعد إحتلالها لثلث أرض الرافدين لكنها  لم تستطع دخول مدينة القوش التي يعتبرها من تبقى من المسيحيين في البلاد مفخرة العراق ، لبطولة أبنائها الذين دافعوا عنها في كل العهود ، فحالوا دون تدنيس داعش لتراثها النضالي العريق

و مع هذا تحول المسيحيون على يد الأحزاب الطائفية إلى أداة سياسية يُفتخر بتواجدهم امام الأمم ، بينما يُغض الطرف عن ما يمارس ضدهم من تعسف وإرهاب . حتى أن أمريكا وحلفاءها ومن جاءت  بهم لقيادة العملية السياسية ، كانوا وراء تواجد مفاهيم طائفية وعشائرية (ماكان يعرفها المجتمع العراقي) حتى أنه جرى تناسي التضامن مع بقية الشعوب ، وهم حاليا مطالبون بالتضامن العملي مع مكونات شعبنا العرقية ، وأن لا يتناسوا الشعب الفلسطيني والسوداني والجزائري والوقوف معهم من أجل الكف عن التدخل الخارجي والإخواني بشؤونهم الداخلية.

واه حسرتاه حتى التضامن غاب عن بلادي 

 

عرض مقالات: