هناك أمزجة ورغبات عند بعض عراقي الخارج ممن لم يهضم مجرى ما تؤول له الأوضاع داخل الوطن ، بعد تنصيب المحتل الأحزاب الإسلامية بشقي مذهبيهما وعلى أساس طائفي - قومي على مقاليد الحكم في العراق  بعد إحتلاله عام 2003 ، فمارست تلك الأحزاب سياسة إتصفت بالتكتيك   زرعت عبرها عناصرها ومحسوبيها في كافة مرافق الدولة الإدارية والأمنية ، وبسياسة إستراتيجية  إستطاعت عرقلة مسيرة العملية السياسية الوطنية وإصلاح ما ورث من الحكومات الرجعية والدكتاتورية عبر ما زعته ، لا بل واصلت إستراتيجيتها تطبيق قوانين تتماهى واجنداتها الطائفية المعادية لمصالح الشعب والوطن ، بالإضافة إلى تحقيق ما يملى عليها عبر رؤساء كتلهم السياسية  ومن قبل دول مجاورة وبعيدة

لقد إستطاعت حكومات متبني النهج الطائفي ،تجيير ما تحقق للشعب جراء قبر النظام الصدامي لصالح أحزابها ومحسوبيهم ، ولم تقم بما يفيد الشعب والوطن ليومنا هذا غير التصريحات الرنانة والوعود التي لم يشاهدها الشارع على أرض الواقع . فالفساد ينتشر في كافة المؤسسات وبحماية متبني نهج المحاصصة الطائفية والإثنية وميليشياتهم السائبة التي وضعت نفسها فوق القانون.

لكنها (الأحزاب الطائفية ) بعد فشلها في تحقيق السلم الإجتماعي بين مكونات شعبنا على مستوى الداخل ، لجأت لعراقي الخارج ، باحثين عن سبل شق وحدتهم عبر سفاراتها ، وذلك بالتغلغل بين صفوف الجاليات العراقية عن طريق أزلامها ، أو بمساعدة شخص يحدد لهذا الغرض أسوة بما كان يفعله النظام الصدامي المقبور بمنظمات الهجرة والمهجرين . ففي 21 نيسان من هذا العام أصدرت وزارة الهجرة والمهجرين أمرا وزاريا بتعيين 16 سفيرا ليكون سفير محبة وسلام كرؤساء للجاليات العراقية في أنحاء العالم لكن الكتاب لم يشر أي دولة صاحبة الحظ السيء بشمولها ، مما أتاح فرصة لجوء سفارات أخرى  على تأسيس جالية توازي لما كان متواجداً تتمتع بإمكانيات مادية مع علاقة إشرافية عليها ، عن طريق أحد موظفيها وخاصة في بلدان تتواجد فيها جاليات عراقية ضعيفة . كانت  جالياتنا ترحب باي تعاون وتنسيق بينها وبين السفارات على اساس خدمة مصالح العراقيين في الخارج وكثيرا ما طالبت الجاليات بتفعيل نشاط تلك السفارات بين أوساط العراقيين ، وليس الإقتصار على المناسبات الدينية وإقامة فطور للصائمين الذي يؤمه أغلبية عظمى من غير الصائمين.

لقد فوجيء عراقيو الخارج بهذا القرار ، وجاء في وقت والحكومة لم تكتمل كابينها الوزارية ، وهنا يحق لعراقي الخارج أن يتساءلوا عن الدور الذي سيلعبه سفير المحبة والسلام مع الجاليات التي سيشرف عليها ، والمعروف عن سفاراتنا أنها فشلت باقامة الإنتخابات البرلمانية لثلاث دورات ، وضيعت أصوات الخارج ، مما ابعد بعض السفارات عن ما يبرر النهوض بمهام تواجدها في بعض البلدان ، وكما يبدو إن تواجدها وجد ليشغل ابناء ومحسوبي قادة الأحزاب الطائفية طاقم كوادرها ، كما إن أغلب نشاطاتهم ولقاءتهم تتم في فنادق فارهة لا يؤمها أعضاء الجالية الذين هم أدرى من غيرهم بشعاب تلك البلدان ، بالإضافة لكونهم يجيدون التحدث بلغة  البلد ، وهم يحتكون بأبناء البلد أثناء عملهم في مؤسسات الدولة ، ولهم تجربة في ذلك موروثة من عراقيين سبقوهم وكانت أدوارهم مؤثرة في الأوساط الأجنبية عند مقارعة نظام صدام الذي سهر على التمييز بين عراقي الخارج منذ تسلط البعث الفاشي على رقاب الشعب والوطن ، فعملت سفاراته ما في وسعها عرقلة جهود الجاليات العراقية الرامية عرض مآسي شعبنا ووطننا  في الحقبة البعثية الفاشية ولم يعد يدخل تلك السفارات سوى  بعض المرتزقة ومن بلدان عربية  

أما وزارة الهجرة والمهجرين يبدو تحدوها الرغبة بالسير على منوال البعثات الدبلوماسية للحقبة الصدامية ومواصلة تهميش ذوي الكفاءات والعاملين في دوائر تلك الدول ، وتتعمد إهمال نشاطاتهم دون الإستفادة من خبرتهم ورعاية أدوارهم في ذلك البلد الذي أصبح لا يستطيع الإستغناء عنهم ، بينما شعبنا والوطن بأمس الحاجة إليهم في عملية تنميته وتطوره ، إذ لم تقدم لهم ما يشجعهم على العودة لأوطانهم ، بالإضافة للمعاملة الخشنة والسيئة لحاملي الشهادات وذوي الكفاءات الذين عادوا  لخدمة شعبهم ، من قبل مندوبي نهج المحاصصة في دوائر الدولة ، إلا من تلون ولبس لباس تدينهم ومن سعى  وراء مصالحة ، فإنه إحتل أماكن لا تناسبها خبرته العملية والعلمية.

 إن صدور هكذا أمر سيعمق عدم النهوض بمهامها بل سيُحصر نفوذها في تشتيت عراقي الخارج وإبعادهم عن النهوض بمهام ملقاة على عاتقهم في نشر ما يتعرض له الوطن من سلب لخيراته من قبل دول الجوار والأحزاب المتبنية النهج الطائفي . فواقع الحال يشير إلى بروز تيارين يتنافسان على قيادة الجاليات تيار من يدعي التدين والتقوى ظاهريا متقوقع في المراكز الدينية ، وتيار سياسي مدعوم بعامل بعثي قومي لبس لباس الوطنية وبدأ التقرب من المنظمات النشطة لعراقيي الخارج التي صُيغ نشاطها ليومنا هذا بالوطني العام، لذا يقع على عاتق عراقي الخارج التصدي لتلك الجهود التي يراد بها إحتكار نشاط الجاليات العراقية وحصرها لتصب في خدمة الأحزاب الحاكمة.

 

عرض مقالات: