تأليف : د. ماجد احمد الزاملي

الجزء الأول

الارهاب باعتباره ظاهرة اجرامية اوسلوك منحرف عن قواعد السـلوك الاجتماعي السائدة في المجتمع ،وذلك تأسيسا على ان السلوك الاجرامي ليس مجرد واقعة يجرمها القانون فقط، ولكنه سلوك يصدر من انسان يعيش في بيئة معينة ووسط مجتمع معين ،ومن ثم فهو سلوك اجتماعي منحرف ،لذلك فان دراسة اسباب ودوافع الارهاب يعطي التفسير لهذه ا لظاهرة وبالتالي فان تفسيرهذه الظاهرة ينطبق عليه مايقال عن تفسير الظاهرةالاجرامية بصفة عامة حيث ان الجريمة ترجع الى بل تنبع عن مصادر عديدة متنوعة ومتشابكة ومعقدة. والإرهاب لايقتصر على دولة دون أخرى أوعلى منطقة معينة دون غيرها ،بل انه يضرب في كل مكان ،ويستخدم كافة الأسلحة الممكنة ،مستفيداً إلى حد كبير من التقدم العلمي في مجال التقنية والاتصالات. وظاهرة ألإرهاب ليست فكرة لها طبيعة قانونية فقط,وإنما هو واقع سياسي واجتماعي في كثير من الدول مستمدا مصدره من جوهرالمفاهيم السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه. ومن منظور العدالة الجنائية، تساعد سياسات وقوانين مكافحة الإرهاب التي تستند إلى حقوق الإنسان في تعزيز ملاحقة الأفراد المتورطين في أعمال إرهابية أمام القضاء وإدانتهم وفقاً للإجراءات المقررة قانوناً. كما تساعد في تحقيق تناسق النصوص القانونية وعدم تضاربها والتي تطبقها مختلف المحاكم الوطنية، مما ييسر التعاون الدولي. وبالمقابل، تبين أن التساهل في موضوع حقوق الإنسان يؤدي إلى تآكل سيادة القانون والى تقويض فعالية أي تدبيرلمكافحة الإرهاب. و المجتمع كما يهمه عقاب المتهم والقصاص منه حال ثبوت الجرم في حقه، يهمه أيضاً ألا يطول العقاب بريئاً. لذا فقد توجب حال تنظيم الإجراءات الجنائية – في دولة القانون مراعاة مصالح المجتمع في صونه من الإجرام والحد من تفاقمه ،وبين حقوق وحريات الأفراد. وحال بلوغ هذا التوازن يمكن القول بأن التنازع بين حق الدولة في العقاب وحق المتهم في الحرية الفردية أصبح تنازعاً ظاهرياً يعبر عن وجهين لعملة واحدة.                                                       

منع الجريمة لايتوقف على ما تقوم به الدولة من اجراءات لمعاقبة مرتكبها,انما ايضا بما يقدمه اليها المجتمع الدولي من دعم ومساندة وتنمية قدرتها الاقتصادية وتحسين اوضاعها السياسية وتحقيق الحريات الاساسية والديمقراطية وحماية حقوق الانسان وحرياته الاساسية الراسخة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان ووضع استراتيجيات اجتماعية لحماية الاقليات المعرضة لخطر الارهاب بسبب اصلها العرقي اومعتقداتها الدينية ومكافحة اتجاهات قيم التعصب وتنفيذ الدول لالتزاماتها في تطبيق الاتفاقيات الدولية لدعم سيادة القانون الدولي وزيادة فعاليتها بغية استقرار الحكومات والدول وعدم تنصلها من التزاماتها الدولية بالتذرع باية اعتبارات اوتقاليد. من جانب اخر ليس كل استخدام للقوة والعنف وما يؤدي اليه من اثارة الخوف والفزع والرعب هو ارهابا.مع تتطلب مواجهة الإرهاب التعامل مع التحديات التي تمليها دولة القانون، ومتطلبات الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان. وهي تحديات تنبعث من مبادئها مضافا إليها قيم العدالة. ولهذا احتلت جريمة الإرهاب جانبا مهما من مسؤوليات النظام القانوني. وقد ارتكزت هذه المسئولية في القدرة على التوازن بين متطلبات المبادئ الأساسية للقانون والديمقراطية وحقوق الإنسان وإعلاء قيم العدالة،ومتطلبات مكافحة الإرهاب في منع الجريمة أوالعقاب عليها. ولم تعد التحديات القانونية لمواجهة الإرهاب قطاعا منفصلا عن غيرها من التحديات، بالنظر إلى أن عالمية حقوق الإنسان وقيم الديمقراطية أصبحت جزءاً لايتجزأ من قيم المجتمع الدولي بحكم الشرعية الدستورية في دساتير مختلف الدول، مما جعلها إطاراً لايمكن تجاوزه لمواجهة الإرهاب بكافة وسائله أيا كان التكييف القانوني للإرهاب. وهو مايجعل التحديات القانونية في مواجهة الإرهاب ركنا أساسيا في المواجهة الشاملة للإرهاب على اختلاف أنواعها وأبعادها. مازال الإرهاب يزدهر في بيئات تستمر فيها ممارسة العنف والفساد برعاية الدولة ومن دون عقاب، خصوصاً في الأماكن التي لاتزال فيها التوترات الإثنية والدينية واللغوية قائمة والتي تتفاقم فيها المظالم بين الفئات الاجتماعية، وحيثما يؤدي عدم احترام سيادة القانون إلى خلق مناخٍ من الظلم. وتشمل العوامل التي يمكن أن تساهم في هذه الظروف الانتهاكات المرتبطة بالصراعات المستمرة منذ أمدٍ طويل دون حل؛ والتمييز الإثني والقومي والديني؛ والإقصاء السياسي والتهميش الاجتماعي الاقتصادي؛ جميعا تشكّل مناخا للجريمة والإفلات من العقاب. ويمكن لجميع هذه العوامل أن توفر أرضية للكراهية والتطرف أمام الأفراد الذين يمكن أن يواصلوا ارتكاب أعمال إرهاب عنيفة. وكما أكد الأمين العام خلال المناقشة المفتوحة التي أجراها مجلس الأمن بشأن التعاون الدولي والتطرف العنيف في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2014، فإن المشاكل تزداد تفاقماً عند ما تكون جهود مكافحة الإرهاب غير محددة الأهداف على نحوٍ كافٍ وعندما تشعر مجتمعات بأكملها أنها تقع ضحية انتهاكات لحقوق الإنسان تُرتكب باسم مكافحة الإرهاب. إننا نعتقد أن الإرهاب مفهوم قانوني ذو بعد سياسي، وأن انعدام الرغبة في الوصول إلى تعريف موحد يعكس حقيقة الوضع السياسي العالمي إضافة إلى المكاسب التي استطاعت الدول الصغيرة أن تحققها في ظل نظام تعدد الأقطاب كتعريف العدوان مثلا الذي أصبح منذ بداية تسعينيات القرن العشرين أمرا يصعب تحقيقه في ظل سياسة القطب الواحد، وتظهر الأزمة الأمريكية الأخيرة خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، مدى صحة هذا الاستنتاج، فالرغبة الواضحة لدى الولايات المتحدة الأمريكية هي فقط إنشاء تحالف دولي تقود به العالم لخدمة مصالحها ، كانت تخطط لها منذ زمن بعيد، مستفيدة من أعمال إرهابية لم يقم الدليل القاطع على ارتكابها من جهة معينة، لتشن حربا حقيقية ضد شعب سحقته حروب مستمرة منذ أكثر من عقدين من الزمن(ألأفغاني). لذلك يمكننا أن نؤكد مرة أخرى على أن إتهام النازيين للمقاتلين الفرنسيين إبان الاحتلال الألماني لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية بأنهم إرهابيون لم يغير يوما من أن هؤلاء كانوا ولازالوا بنظر الجميع مقاتلي حرية، وينسحب الوضع بصورة أكثر وضوحا، نظرا للتأمر الدولي على مناضلي الحرية داخل فلسطين، لبنان،العراق والصومال وغيرها من بلدان العالم، وكما إن إتهام البريطانيين لليهود يوما بأنهم إرهابيون لم تتردد بريطانيا عن إمدادهم عسكريا وبشريا بألآف اليهود الذين سمحت لهم بالهجرة إلى فلسطين، على الرغم من اقترافهم لكل صور الإرهاب، حيث لم يثنهم يوما هذا الإرهاب عن متابعة مسيرتهم، فذهبوا يعيثون في الأرض فسادا حتى أسسوا دولة كيانهم الغاصب في جزء من فلسطين، واحتلوا الباقي من أراضيها بالإضافة إلى أراضي عربية أخرى في مرتفعات الجولان السورية وصحراء سيناء المصرية، وباتوا يقترفون يوميا وفي كل الأراضي العربية كل أنواع الجرائم الدولية ومنها الإرهاب،وذلك دون حسيب أورقيب. وليس من المبالغة القول إن مصطلح الإرهاب أصبح يعني في أوساط الإدارات المتعاقبة في الولايات المتحدةالأمريكية، معاداة الولايات المتحدة، كما تحددها السلطة التنفيذية الأمريكية وحدها، وعلى الرغم من ذلك، فإن واضعي السياسة الأمريكية يرددون صدى هذا التفكير بقوة حينما يرفضون الفكرة القائلة بأن من يعتبر إرهابيا من وجهة نظر أحدهم، يعتبر بطلا أومناضلا في سبيل الحرية من وجهة نظر أخرى.(وأخيرا لأ بد أن نقول إن صعوبة الإتفاق الدولي على تعريف الإرهاب يقودنا إلى نتيجة مفادها أن عملية مكافحة الإرهاب تنبع بالضرورة من وحي التعريف بالإرهاب وبالتالي فإن المكافحة الدولية للإرهاب وفي غياب مفهوم جاد ترضى عنه شعوب العالم، تبقى نسبية، بل عديمة الجدوى، وفي مجتمع دولي تتضارب فيه المصالح بشكل كبير ويتم تباين كبير بين وضع شمال متطور يغزو الفضاء، وجنوب متخلف وفقير يصارع من أجل البقاء، ومادامت شعوب بريئة تقتل، وقرارات أمريكية تصدر باسم الأمم المتحدة، وأخرى ملحة تمنع، وانساق فكرية وتعليمية محلية تعدّل وتلغى، وأموال شخصية تجمّد لمجرد الإشتباه بها بذريعة مكافحة الإرهاب سوف تظل هذه الظاهرة حتى وجود عدل شامل وعام يحفظ لكل بلدان العالم دون استثناء أمنه او استقراره او رفاهيته اوعيشه حياة كريمة مستقرة.                    

  اما الجزء الثاني من الكتاب فقد صدر قبل شهرين ويتكون من ثلاة فصول اي نفس حجم الجزء الاول 

 لقد برز مع الديمقراطية أمر هام هو حقوق الإنسان الذي تجسّد تطبيقه بشكل حقيقي باحترام الحريات العامة، فحقوق الإنسان مثل الحق في التعبير والفكر والمعتقد والاختيار واحترام كرامته يدخل في صلب مفهوم الديمقراطية.وتطبيق الديمقراطية هو الذي أرسى بشكل أساسي في تلك الحقوق، وتحويلها إلى قوانين مؤسسية يتمتع بها جميع المواطنين في أي مجتمع ديمقراطي، من خلال تأكيدها وفي باب خاص في جميع الدساتير الديمقراطية التي تنظم المجتمع وتفصل سلطاته وتعطي كل فرد حقه وكيفية ممارسته وفق القانون، احتلت النصوص الداعمة لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية موقع الصدارة فى الإعلانات والمواثيق الدولية ذات الصلة، وأفردت الدساتير في الدول الديمقراطية نصوصا قاطعة لا تحتمل اللبس أو التأويل لتعريف هذه الحقوق والحريات على اختلاف تجلياتها الفردية والاجتماعية. بل إن بعضًا من هذه الدساتير أسبغ على هذه النصوص صفة السمو الموضوعي والشكلي معا بترقيتها إلى مستوى "المبادئ فوق الدستورية" أو الحقوق الأزلية غير القابلة للتصرف، والتي لا يجوز تعديلها في أي تشريع دستوري لاحق، أي أن الحرية هي احترام القوانين في الأنظمة الديمقراطية، وقد عززت الديمقراطية من دور الفرد في المجتمع الحديث، وأصبح الركيزة التي يقوم عليها وعليها يتم قياس تطوره وتقدمه  لم تشكل الديمقراطية بمرور الزمن تراثا أو تقليدا ينضم إلى ثقافتنا، بل بقيت مواقف ذهنية ترتبط بشخصية أو شخصيات معينة، ولم تصل إلى مرحلة وعي قائم بذاته يُمارس كعنصر ثقافي، وهذا يعود إلى عوامل التخلف السائدة في ثقافتنا "كإقصاء الآخر لمجرد معتقداته" وهذا يتم استيعابه والخروج منه من خلال الإيمان بالإنسان وحقوقه التي نصّت عليها المعاهدات والإعلانات والمواثيق الدولية، إن حالة التشوّه الفكري في مجتمعنا تتبيّن من خلال الخلل السائد في العلاقات الإنسانية، وهذا ما ينعكس سلبا على جميع العلاقات القائمة في المجتمع وعلى جميع الصعد، إن الفقر بالمفاهيم الإنسانية والديمقراطية في إيديولوجيات ثقافتنا ومثقفينا أسهم في القفز فوق الإنسان الفرد "المواطن"، فالخطابات السياسية المعاصرة "كمؤشر" لم تعطِ هذا الفرد أو توفّر له ما يستحق من كرامة ورعاية واحترام.