تشكل القيم المتعلقة بالحرية واحترام حقوق الإنسان ومبدأ تنظيم انتخابات دورية نزيهة بالاقتراع العام عناصر ضرورية للديمقراطية. والديمقراطية توفر بدورها تلك البيئة الطبيعية اللازمة لحماية حقوق الإنسان وإعمالها على نحو يتسم بالكفاءة. وهذه القيم واردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما أنها مذكورة بالتفصيل في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يكرس مجموعة من حقوق الإنسان والحريات المدنية من شأنها أن تساند الديمقراطيات الهادفة. والحقوق المكرسة في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي صكوك حقوق الإنسان اللاحقة التي تغطي حقوق الجماعات (من قبيل السكان الأصليين والأقليات والأشخاص ذوي الإعاقة) ضرورية بدورها أيضاً بالنسبة للديمقراطية، فهي تكفل توزيع الثروة على نحو عادل وتوخي المساواة والإنصاف فيما يتعلق بالوصول إلى الحقوق المدنية والسياسية.                           

والدفاع عن الحريات الفردية يجد مرجعيته وسنده في تراث الفكر الإنساني، وفي قيم الإسلام، وفي المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، و منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي جاء في مادته الأولى: «يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء» والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي نص في الفقرة الأولى من مادته التاسعة على أن: «لكل فرد حق في الحرية و في الأمان على شخصه . و لا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا . و لا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون و طبقا للإجراء المقرر فيه. إن الديمقراطيات الغربية كنظام للحكم والتي تأخذ بها كثير من الدول في العصر الحديث، وخاصة من دول أوربا والتي نادت بمبادئها الثورة الفرنسية، وتتميز بنزعة فردية تقوم على أساس احترام حريات الأفراد، وذلك لأن الثورة الفرنسية تأثرت بالمذهب الفردي الحر الذي ظهر قبل الثورة، ويقصد به ذلك المذهب الذي يقرر لكل فرد حقوقا تسبق وجود الدولة، ومن ثم فإن حماية تلك الحقوق هي هدف الدولة وهذا نتيجة تدخلها والسلطة المطلقة للطبقة الحاكمة وذلك عبر مختلف العصور، سواء في العصور الوسطى، حيث انفرد بممارستها الحكام الإقطاعيون، وعصر النهضة التي انفرد بها الحكام والأباطرة ثم استمرت بعد ذلك حتى قيام الثورة الفرنسية، وكان من نتائج تلك السلطة المطلقة، أن أهدرت حقوق وحريات الأفراد.  

الحريات الفردية لا تعتبر تهديدا للاستقرار الاجتماعي أو استفزازا للمشاعر الدينية للأغلبية الصامتة المقهورة. ذلك أنه من التخلف الفكري ومن الجهل بالدين أن يعتبر البعض الدعوة إلى حرية الضمير و المعتقد، كما دعت إليها كل الشرائع السماوية حيت لا إكراه في الدين، تهديدا لقيم المجتمع و حربا على العقيدة في حين أنه لا يجد حرجا في التعايش مع الاستبداد و الفقر و الجهل و المرض و الأمية و هي آفات مدمرة للإنسان و المجتمعات. ان عملية الضبط الاجتماعي وتنظيم الحريات والمصالح عبر وجود قواعد واحكام هو ما أطلق عليه اسم القانون ، ويرادف مصطلحات أخرى أيضا التي تطابق في معانيها كلمة القانون وتبحث عن غاية واحدة وهي التنظيم الاجتماعي. لذلك يعد (القانون من أهم وسائل الضبط الاجتماعي بل هو الوسيلة الأساسية التي يعتمد عليها المجتمع المنظم في ضبط سلوك أفراده). فالقانون يقوم بدور أساسي في حفظ لحمة المجتمع والحفاظ على استقراره وتماسكه عن طريق توفير العدالة والأمن والحرية، عبر الالتزام بالنظام والقواعد التي تأمر بها السلطة العليا.              

الفرد يجب أن يتمتع بحريته، والجماعة يجب أن تطمئن إلى قيام هذه الحرية وإلى قيام العدالة الاجتماعية في الوقت نفسه. أن الحرية الفردية لم تصبح عقيدة مقررة من تلقاء نفسها، أو منذ أن عرفها تاريخ الإنسانية، بل تقررت بعد قرون من النضال حدثت أثناءها ثورات كثيرة كانت كل واحدة منها تنتهي إلى كسب جديد للحرية الفردية. في المواثيق الدولية تقسيماً موحداً للحريات العامة، وذلك بتقسيمها على حقوق وحريات مدنية وسياسية، وحقوق وحريات اقتصادية واجتماعية وثقافية، ووضع كل قسم من هذه الاقسام في العهدين الدوليين عام 1966، فقد تضمن العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية الحق في الحياة، والحرية، والسلامة الشخصية، والحق في المعاملة الإنسانية للمتهمين والمحكومين، والحق في التنقل، وحرمة الحياة الخاصة، وحرية الفكر والضمير والديانة، والحق في الاجتماعات السلمية، والحق في إنشاء الجماعات والنقابات أو الانضمام إليها، وحقوق أخرى. أما العهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فقد تضمن الحق في العمل، وحق التمتع بشروط اعمال صالحة، وحق تشكيل النقابات والانضمام إليها، والحق في الإضراب، والحق في الضمان الاجتماعي، وحماية الأسرة، والحق في مستوى معيشي مناسب، والحق في الصحة البدنية والعقلية، والحق في الثقافة والتعليم، وحرية البحث العلمي، وحماية الإنتاج العلمي. الحرية بمفهومها الواسع الفردي والمجتمعي هي المصدر الذي يطلق العنان للفرد كفرد او للفرد ضمن المجتمع للإبداع الانساني الخلاق لإنتاج قيم حضارية واجتماعية وانسانية اكثر تطورا ورقيا من تلك التي تسود المجتمع وتنظم كافة علاقاته وتتحكم به والتي هي بالتأكيد حصيلة تراكمية لإبداعات الافراد عبر المراحل التاريخية السابقة لتتواصل من خلالها مع ما ينتج من القيم الجديدة في المستقبل، وإن عملية قمع وكبح الحريات او تقييدها بأي شكل من الاشكال ولأي سبب من الاسباب تعني قمع وكبح وعرقلة وتقييد تطور وتقدم المجتمعات والرقي وبالتالي توقف مسيرة التطور الاجتماعي، لذلك ولكي يستمر تطور المجتمعات بدون أدنى توقف لابد من أن يكون هناك إطلاق للحريات الفردية والمجتمعية بأوسع مدياتها لكي يستمر الأبداع الخلاق للإنسان.                                                            

أما القانون فهو الضابط الذي ينظم عمل فعل الأبداع الإنساني وإبقائه على مساره الصحيح، أي بمعنى آخر إبقاء الحريات الفردية والمجتمعية ضمن حدود يكون فعلها في الأبداع إيجابيا و بالتالي منعها من أن تتحول الى اداة هدّامة تهدم ذاتها وفعلها الإنساني وأن تتحول الى فعل وعمل معرقل للتقدم والتطور وتعود بالحضارة الى الوراء.. ولكن ليس مهماً بهذا القدر او ذاك لأن نتحدث عن الحرية واهميتها في حياة الفرد والمجتمع كحافز لإنتاج القيم الحضارية المتطورة لأجل دفع المجتمع وحضارته الى الامام. و ليس الضروري ان نبحث وأن نجتهد من اجل صياغة نصوص ومواد قانونية لأجل السيطرة على سلوكيات الافراد في المجتمع وتنظيمها وبالتالي على السلوك العام للمجتمع نفسه من اجل الارتقاء به الى مستوى حضاري يعكس الحالة المثالية للتحضر للمجتمع الإنساني... إن ما يجعل الحرية مثمرة وايجابية ومنتجة للقيم الحضارية الراقية ومصدرا ملهما للإبداع الخلاق للإنسان، وما يجعل القانون والشرائع المختلفة ضوابط ايجابية مفيدة ذات جدوى للاحتفاظ بسلوكيات الفرد والمجتمع في سياقاتها الصحيحة وعلى مساراتها الطبيعية باتجاه الوصول الى مجتمع متحضر منتج للقيم الحضارية المتطورة والسلوكيات الانسانية المستقيمة والرفيعة والاخلاقية التي لا تبعث على الخوف والرعب والتعصب والعنصرية والحقد والكراهية والاقتتال والحروب، لابد من ان يكون لعنصر الثقافة بكل اشكالها والوانها دور كبير ورئيسي لتهذيب سلوك من يمارس الحرية ومن يطبق القانون لإنتاج المجتمع الانساني المتحضر. لأن الفرد غير الواعي قد يحول الحرية الى مجرد سلوكيات عبثية غير منضبطة تسبب ضررا للمجتمع وبالتالي قد يتطبع سلوك المجتمع بسلوك مثل هكذا افراد ومن ثم ينتج مجتمع خال من التحضر والتمدن، لأنه هناك علاقة تبادلية بين سلوك الفرد وسلوك المجتمع اي ان احدهما ينتج الاخر جزئيا او كليا، وكما هو الحال عندما يكون الفرد مثقفاً ويمارس حريته فأنه يؤثر ايجابا في المجتمع وينتج قيما وسلوكيات متحضرة يتطبع بها سلوك المجتمع وبالنتيجة انتاج مجتمع مثقف متحضر. الأمة التي ترعى الفكر وحريته فإنها تصل الى درجة من الرقي، إن حرية الفكر تعني انتشار الوعي، وتعني فتح آفاق المعرفة، المجتمعات المغلقة مصيرها التخلف، لان الذين يرون سيادة معرفتهم وفهمهم ويغلقون على الناس اسلوب التفكير فتثور في وجوههم.