ــ يشترط تحول اسلوب الانتاج الرأسمالي من مرحلته الاحتكارية  الى مرحلته المعولمة  تدقيق مضامين الفكر السياسي الناظم لتطور التشكيلة الرأسمالية العالمية ،  حيث أثبتت التجربة التاريخية المنصرمة ان الفكر السياسي الناظم لمسار الرأسمالية يتبدل تبعا لتغير مراحل تطورها الامر الذي يتطلب تدقيق السمات الاساسية للطور الجديد من التوسع الرأسمالي والتي اجدها في الموضوعات التالية ــ

اولا ـ الطور الجديد من التوسع الرأسمالي يعني سيادة علاقات الانتاج الرأسمالية في النظم الاقتصادية لأنساق التشكيلة الرأسمالية العالمية الثلاث ـ الدول الكسموبولوتية ، الدول الرأسمالية  المتطورة  في  الطابق  الثاني من التشكيلة الرأسمالية العالمية  ، وأخيرا  دول العالم  الثالث الموصوفة  بالدول الوطنية .

ثانيا ـ تباين انساق التشكيلة الرأسمالية العالمية تجد انعكاساتها في تباين ايديولوجية النظم السياسية السائدة في طوابق التشكيلة الرأسمالية والتي  تجد تعبيرها في ــ

 ( أ ) الايديولوجية الكسموبولتية المتحكمة في الطوابق العليا من التشكيلة الرأسمالية العالمية  .

 (ب) الأيديولوجية القومية ذات التوجهات اليمينية السائدة في النسق الثاني من التشكيلة الرأسمالية العالمية .

 (ج) فكر الوطنية ـ الديمقراطية الناظم لمسار تطور الدول الوطنية في النسق الثالث  .

ان مراحل تطور الفكر السياسي الناظم  لمستويات نمو التشكيلة الرأسمالية يتماشى وتطور الرأسمالية  التاريخي عبر مراحل مساراتها  المتعاقبة  ـ   


ــ مرحلة المنافسة الرأسمالية

اتسمت المرحلة المسماة برأسمالية المنافسة  في دفاع البرجوازية الحاكمة عن مصالح بلادها  الوطنية جارة معها الطبقات الناشئة الأخرى للدفاع عن مصالحها الطبقية  المتمثلة بسيادة اسلوب الانتاج الرأسمالي  و استغلال العمل المأجور عبر تحجيم الطموح السياسي  للطبقة العاملة  ومنعها من  الانتقال الى مناهضة اسلوب الانتاج الرأسمالي ، وبهذا السياق استطاعت الرأسمالية الناهضة  ان تجر الامة بطبقاتها الاجتماعية الفاعلة الى اهدافها الاستراتيجية المتمثلة باستغلال العمل المأجور والتوسع الرأسمالي  في الاسواق الوطنية .

ــ المرحلة الاحتكارية

ادى توسع الانتاج الرأسمالي الى انتقال الرأسمالية  لمرحلة جديدة من انتشارها المتسم بسعة تطويرها  لشركات  احتكارية كبرى لاقت قبولا وطنيا ودوليا وبهذا المنحى تمكنت الرأسمالية الوطنية  انطلاقا من مفهومها للوطنية الى مساندة قوى يمينية مناهضة لفكر اليسار الاشتراكي معتمدة بذلك على قوة اجهزة الدولة الرأسمالية في مكافحة الأفكار  الاشتراكية وأحزابه اليسارية .

ــ شهدت المرحلة الاحتكارية حروبا عالمية وقيام انظمة حكم ديكتاتورية هادفة الى منع اليسار الاشتراكي من استلام السلطة السياسية  معتمرة مفاهيم ـ قومية ــ وطنية فارغة  من الديمقراطية السياسية .

ــ أدى تدخل الدولة الرأسمالية  باحتضان ورعاية  الحركات القومية اليمينية  الى انتشار الحركات الأنصارية  المناهضة للنظم  الاستبدادية وما حمله ذلك من اشتداد التدخلات العسكرية الخارجية بهدف ترسيخ  النظم الديكتاتورية  والإطاحة بالنظم السياسية الوطنية المناهضة لتدخلات الدول الكبرى في النزاعات الداخلية.

ــ اشتداد الكفاح البطولي للقوى الوطنية  والقومية الديمقراطية ادى الى ظهور حركات شعبية مناهضة للاحتكارات الدولية ومناوئة  للهيمنة الاستعمارية والنظم الاستبدادية .

ـ اتسمت المرحلة الجديدة من التطور الرأسمالي  بانهيار الدول الاشتراكية واعتمادها النمط الرأسمالي  نهجا للتطور فضلا عن ولوج الدول الرأسمالية الكبرى مرحلة العولمة الرأسمالية .

ــ تلازم انتقال الرأسمالية  الى مرحلتها المعولمة وانتشار أفكار سياسية جديدة مصحوبة بزيادة نشاط اليمين المتطرف المناهض  للعولمة الكسموبولوتية والهجرة الدولية متزامنة مع انتشار فكر الوطنية ـ الديمقراطية .

ان انتشار فكر اليمين المتطرف  وفعاليته في التشكيلات الرأسمالية المتطورة جاء ردا ً على  أحداث دولية ـ وطنية  كبرى يتصدرها ــ

1 ـ  انهيار خيار التطور الاشتراكي وما جره من تحولات في البنى الاجتماعية والاقتصادية  للدول المنهارة بعد اعتمادها اسلوب الانتاج الرأسمالي .

2 ـ  انتشار فكر اليمين المتطرف ردا على   تراجع مفهوم  الوطنية في الفكر السياسي للدول الرأسمالية الكبرى واعتمادها الفكر الكسموبولوتي الذي اشر الى دخولها  مرحلة العولمة الرأسمالية .

3 ــ توسع القاعدة الشعبية المناهضة للنظم الاستبدادية وانتشار الوطنية الديمقراطية المناهضة للعولمة الرأسمالية وميولها في التبعية والتهميش .  

ــ مرحلة العولمة الرأسمالية

 ــ تتميز العولمة الرأسمالية بتبدلات كثيرة على صعيد الفكر السياسي والعلاقات الدولية يمكن تأشير أهمها عبر الموضوعات الفكرية والسياسية  التالية ـ  

الموضوعة الاولى ـ تخلي الرأسمال المعولم عن (وطنيته ) بسبب روحه الكسموبولوتية ونزوعه نحو السيادة الدولية . الامر الذي ادى  الى تنامي قوة اليمين المتطرف المناهض لجر البلدان الرأسمالية الى التبعية والالحاق .

الموضوعة الثانية ــ أفضى  تصاعد فكر اليمين المتطرف في الدول الرأسمالية ومناهضته  لنهوج الرأسمال الامريكي  المتمثلة بالتدخلات العسكرية والعقوبات الاقتصادية , الى إحياء الفكر القومي في بلدان النسق الثاني من التشكيلة الرأسمالية العالمية الهادف الى مناهضة الهيمنة الدولية للرأسمال المعولم  .

الموضوعة الثالثة  ــ انتشار الوطنية الديمقراطية في التشكيلات الاجتماعية للدول الوطنية  بديلا عن اليمين المتطرف ونسخته العربية المتسمة بالطائفية السياسية .

ان التغيرات الدولية ـ الوطنية  المترافقة وانتقال العالم الرأسمالي  من مرحلته الاحتكارية الى طوره المعولم يشترط التوقف عند سمات الفكر اليميني السائد في البلدان الرأسمالية  وتأشير خصائص  التيار الوطني الديمقراطي في الدول الوطنية والتي يمكن توصيفهما بالمحددات  التالية ــ

المحدد الاول ـــ أفضت كسموبوليتية  الرأسمال المعولم الى احياء الفكر القومي والوطني في الفكر السياسي للدول الرأسمالية الكبرى والدول الوطنية في التشكيلة الرأسمالية العالمية.

المحدد الثاني  ـ أنتجت حركة راس المال العالمية المتسمة بالتبعية والتهميش الى انتشار الوطنية ـ الديمقراطية كأيدلوجية ناظمة للحركات الشعبية في  التشكيلات الرأسمالية في الدول الوطنية .

المحدد الثالث  ــ تناغم  ايديولوجية اليمين القومية  المناهضة لفكر الرأسمالية المعولم  و فكر الحركات الوطنية الديمقراطية الرافضة للنظم السياسية الاستبدادية  .

المحدد الرابع   ـ يترابط فكر اليمين المتطرف وصيانة الدولة الرأسمالية الاحتكارية  مع فكر الوطنية الديمقراطية الهادف الى تعزيز الدولة الوطنية وجعلها اداة مناهضة للهيمنة الاستعمارية .

المحدد الخامس ـ تسعى دول الرأسمالية الاحتكارية الى مناهضة الحركات الوطنية ـ الديمقراطية  ومكافحة التحالفات الوطنية الهادفة الى تمتين تشكيلاتها الاجتماعية ومكافحة عوامل التهميش والتبعية.

المحدد السادس ــ تسعى الرأسمالية المعولمة الى إعاقة البناء الديمقراطي للدول الوطنية  عبر احتضانها  الانظمة الديكتاتورية ورعايتها الطائفية السياسية على التشكيلات الاجتماعية الوطنية.

الكفاح الأممي  المناهض للعولمة الرأسمالية

تشابك العلاقات الدولية / الوطنية  في العولمة الرأسمالية  يشترط اصطفافات  دولية ـ وطنية ساندة لنهوج  الدول الوطنية وحركاتها الديمقراطية المناهضة  للتبعية والتهميش وما يتطلبه ذلك من ــ

1 ـ ترسيخ النزعات الوطنية في الفكر السياسي الناظم لتطور الرأسمالية الوطنية في الدول الاشتراكية السابقة  والدول  الوطنية المستقلة بهدف تعزيز مواقعها في السياسة الدولية وصيانة تشكيلاتها الاجتماعية من التبعية والتهميش.

2 ــ صيانة الدول الوطنية من التبعية وجعلها اداة سياسية  قادرة على ضبط مسار نزاعاتها الطبقية  فضلا عن تعزيز مواقعها في العلاقات الدولية .

3 ـ إبعاد الدول الوطنية  عن الهيمنة الخارجية  عبر بناء انظمة سياسية ديمقراطية  تعتمد رعاية مصالح  طبقاتها الاجتماعية .

4 ــ تفعيل التضامن الدولي المبني على صيانة  السيادة الوطنية ومناهضة نهوج اليمين االهادفة الى توطيد مصالح الاحتكارات الدولية  والانعزالية في العلاقات الدولية.

ان الافكار والآراء الواردة في التحليل المكثف اراها قادرة على صيانة الدولة الوطنية وتشكيلتها الاجتماعية  على مكافحة ميول التبعية والتخريب .

انطلاقا من بنية المقال التحليلية ورؤاه الفكرية نتوقف عند الاستنتاجات الناتجة عنه  ــ

اولا ـ يشترط الطور الجديد من العولمة الرأسمالية بأنساقه الثلاث الرأسمالية الكسموبولوتية والدول الرأسمالية الكبرى والدول الوطنية دراسة التغيرات الدولية الناتجة عن الرأسمالية المعولمة وتأثيرها على الكفاح الوطني ـ الديمقراطي.

ثانيا ـ يسعى اليسار الاشتراكي والقوى الديمقراطية  في المرحلة الراهنة من التوسع الرأسمالي الى ابتداع أساليب كفاحية قادرة على  بناء دول وطنية ـ ديمقراطية مناهضة  لسياسة التبعية والإفقار .

ثالثاً ــ تشترط بنية العالم  الرأسمالي الدولية  بطوابقها الثلاث بناء جبهات وطنية ـ دولية لكبح  الكسموبولتية  الرأسمالية الهادفة الى التدخلات العسكرية وإثارة الحروب  الأهلية / الاقليمية .

رابعاً ــ يتطلب الطور الجديد العالمي  من التطور الرأسمالي صياغة  تحالفات وطنية تسعى لبناء دول ديمقراطية قادرة على مقاومة الابعاد والتهميش .  

ان الدالات المثارة قابلة للتغيير والتبدل تبعا  لنمو وتطور التشكيلات الاجتماعية الوطنية وطبيعة التدخلات الدولية الكابحة لوحدة القوى الوطنية ـ الدولية .

 

 

عرض مقالات: