التوافق السياسي في النهج العراقي بات يشكل غلافاً مُموهاً للمحاصصة واسلوباً التفافياً على الديمقراطية وتبريراً قسرياً لمصادرة حق المواطنة.  كما انه يؤشر الى حالة من عدم القبول بالانفكاك عن مواقع السلطة والنفوذ لدى كافة الاطراف المتنفذة التي تلجأ الى هذا الاسلوب. وبخاصة عندما تُحاصر من قبل قوى التغيير والاصلاح، وتصاعد حراكها الجماهيري في الشارع، الامر الذي يؤدي لا محال الى الفشل في ادارة الحكم، وربما لا يمتد عمر ذلك التوافق طويلاً، بسبب احتدام تصارع المصالح الخاصة، التي ليست لها صلة بحاجات الناس.

شهدنا في الآونة الاخيرة حصول التوافق في تشكيل الحكومة العراقية. ولكن سرعان ما اختل هذا التوافق، عندما اخذ رئيس الوزراء المتوافق عليه، يميل الى طرف دون الاخر، وقد تجلى ذلك في الاصرار على التمسك بترشيح وزير لا يوجد توافق عليه، كما ان الرئيس قد قبل بموازنة متباينة مع برنامجه الحكومي، الذي هو الاخر عليه بعض الاشكالات، مما يطرح تساؤلاً عن امكانية مواجهة التحديات، تحت ظلال هشاشة التوافق الحالي، الذي يشي بالتعثر، اذا لم يجر التمسك بالاصلاح، ابتداءً بمحاسبة الفاسدين وتسكينهم السجون، وارساء اركان مؤسسات الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية.

ومن" ثمار" التوافق ايضاً ترسيخ المرابطة في حاضرة المحاصصة وشاهدنا على ذلك هي معالجة ترشيح وزير الداخلية الذي ليس عليه توافق، وبجرة قلم انهي ذلك الاستعصاء الذي دام عدة اشهر، حيث انجب " التوافق" محاصصة من طراز جديد عن طريق تكوين وزارة في وزن واهمية وزارة الداخلية، لا بل واعطي للوزير ذاته، منصباً اضافياً " كنائب لرئيس الوزراء لشؤون الامن !! ". واذا عنى ذلك امراً ما، فيعني ان المحاصصة غدت محاصصة ونصف !!، وذلك ما يؤكد دون اي لبس بان التوافق سلاح ذو حدين، فمن ناحية يلغي القواعد الديمقراطية ومن صوب اخر يبرئ عرابي المحاصصة ويلبسهم رداء التوافق.

 وما يتوجب ذكره هنا تلك التعينات اللافتة للانتباه في مختلف الوزارات

دون اي مسوغ قانوني ، وتبدو متسرعة واستباقية  واذ ما تبلور تساؤل حولها يأتي الجواب، :هذا استحقاق انتخابي. بمعنى انها حصة وتتم بالتوافق. اما العقدة الاكبر فهي تكمن في تقاسم الحصص في تسع وعشرين هيئة مستقلة، وكذلك اربعة الاف الدرجات وظيفية خاصة، كما هو حال المناصب العليا حيث يتم التكليف لها بالوكالة. ولا تخفى حقيقة ذلك فانها حصص متوافق عليها، وبهذا فان التوافق استخدم لانعاش المحاصصة بصور مستورة.

وليس معلوماً كيف سيكون ذلك الجهد من قبل قوى الاصلاح والذي تجلى فعله  في الشارع وفي عملية الانتخابات ايضاً حيث كسبت قوى الاصلاح اصواتاً اكثر من سواها؟؟ بفعل تصديها للاطماع النهمة في سبيل ابقاء المحاصصة التي بمعناه الجلي محاربة الاصلاح والتغيير تحت ظلال التوافق السلبي، اذا جاز هذا التعبير. ان حقيقة التوافق كأسلوب للتسوية بين اطراف مختلفة على امر مشترك من حيث المبدأ، الا انه ينطوي على قسطاطين احدهما سلبي عندما يصبح ضحية التفاف احد الاطراف عليه، كما انه يكون ايجابياً في حالة نصاعة المصداقية وحسنها في نوايا كافة اطرافه، فماذا نتلمس من التوافق الحاصل في العملية السياسية في العراق؟؟ سؤال نتركه للناس تجيب عليه.

عرض مقالات: