أعلن مؤخراً أن مجلس الوزراء قرر في جلسته في 8 كانون الثاني 2019 إعادة هيكلة الشركات العامة المملوكة للدولة وتشكيل لجنة برئاسة رئيس مجلس الوزراء تتولى متابعة ذلك.
ما من شك في ضرورة تحقيق التنوع المطلوب بهدف زيادة مساهمة الصناعة الوطنية فى تحقيق التنمية المستدامة للاقتصاد العراقي، ومواجهة التحديات والصعوبات التي فرضت عليه والخطط والبرامج غير العلمية وغير الواقعية التي وضعت منذ عام 2005 تحت مسميات مختلفة أوصلت صناعتنا واقتصادنا الوطني إلى ما هو عليه من تردٍ وضعف وإهمال ليفقد قدرته ويصبح غير متوافق مع تطورات الصناعة والاقتصاد العالمي.
كما هو معلوم أن هناك 176 شركة مملوكة للدولة، ترتبط بثلاث عشرة وزارة، ينظم عملها قانون الشركات العامة لعام 1997 وهي شركات ذات طبيعة غير متجانسة، فبعضها شركات إنتاجية وأخرى للمقاولات أو التجارة، ويبلغ مجموع منتسبيها زهاء 600 ــ 700 الف. وهي تمثل بمجموع منتسبيها وخبراتهم المتنوعة مختلف التخصصات المهنية والعلمية، وبأصولها المادية وودائعها في المصارف، كتلة اقتصادية كبيرة، تضم موارد بشرية ومادية مهمة معطلة الآن كلياً أو جزئيا، في حين يمكن أن تقدم مساهمة جدية في تنشيط الاقتصاد الوطني ومكافحة البطالة، إذا ما تمت إعادة تأهيلها وتحديثها، وتمكينها من استعادة عافيتها وقدراتها الإنتاجية.
وفي هذا السياق تثير خطة إعادة هيكلة هذه الشركات التي جرى إقرارها في مجلس الوزراء، قلقاً مشروعاً في أوساط العاملين فيها، ونرى أن ذلك يمكن ان يكون تمهيدا لخصخصة هذه الشركات.
ونرى أن الموقف السليم لا يكمن في خصخصة هذا القطاع من عدمه، بل في مدى تحقيق عملية إصلاح اقتصادية ــ اجتماعية ــ ثقافية شاملة تشمل جميع القطاعات الإنتاجية والخدمية وتطول كافة الفئات والشرائح الاجتماعية، وتجاوز الجدل حول دور كل من القطاعين العام والخاص، وأيهما خير مطلق والآخر شر مطلق، وبلورة منهجية واضحة، تتيح تحسين أداء الاقتصاد الوطني، بقطاعاته المختلفة، انطلاقاً من حقيقة أن لكل قطاع دوره المرسوم، فالتنمية المطلوبة في هذه المرحلة تعني من بين ما تعنيه الاستفادة الصحيحة من كافة القطاعات وتحقيق التكامل فيما بينها استناداً إلى رؤية إستراتيجية تقوم على التعددية الاقتصادية خلال هذه المرحلة الانتقالية الاستثنائية. استنادا الى معيار الكفاءة الاقتصادية، ومعيار الوظائف الاجتماعية التي تؤديها الدولة والقطاع الخاص في الحقل الاقتصادي، مع تدعيم الرقابة المجتمعية على هذين القطاعين، واعتماد مبدأ الشفافية في تسييرهما، وتنشيط دور الفاعلين الاجتماعيين المختلفين، بما ينسجم مع الترابط الجدلي بين التنمية والديمقراطية.
إننا في الحركة النقابية العمالية العراقية نؤكد على أن أكثر ما يثير الهواجس والمخاوف لدى العاملين في هذه القطاعات قضايا عديدة منها :
1 ــ إن التخوف من التسريح القسري والمشرع ( الإحالة الى التقاعد المبكر أو منح إجازة طويلة مثلاً أو تقليص حجم العمالة وتقييد التعيينات الجديدة) ومعالجة ذلك بـ المحافظة على الكوادر والمهارات العلمية والتقنية ورعايتها وتشجيعها مما يتطلب العمل على اجتذاب الكوادر في داخل الوطن والتي غادرت العراق والاستفادة القصوى منها في عملية التنمية.
2 ــ عدم كفاءة أنظمة الضمانات الاجتماعية وضعف تطبيق قوانين العمل والضمان الاجتماعي بسبب ضعف أجهزة تفتيش العمل مما يؤدي إلى شروط عمل غير لائقة تفرض على العمال. حيث يتطلب إقامة منظومة شاملة للضمان الاجتماعي كفوءة ضد البطالة والعوز والأضرار الناجمة عن العمل وخلق أرضية حماية اجتماعية فاعلة يساهم فيها القطاع الخاص بمشاركة حكومية.
3 ــ انخفاض الأجور نتيجة سياسة العرض والطلب على القوى العاملة ترافقه زيادة في متطلبات المعيشة نتيجة التحول إلى اقتصاد السوق (رفع الدعم، وسياسات ضريبية جديدة، خصخصة القطاعات الخدمية).
4 ــ هامشية التمكين الاقتصادي للمرأة والتمييز تجاه النساء، حيث يتعرضن الى مغادرة سوق العمل عند الأزمات.
5 ــ نسبة البطالة العادية والمقنّعة عالية جداً وعدم إعادة تأهيل العمالة التي تسربت من المنشات الإنتاجية خلال الفترة الزمنية الماضية أفضت إلى ضعف رأس المال البشري وعدم قدرته على تشغيل الطاقات الإنتاجية التي تحتاج إلى مهارات عالية وخبرات فنية قبل البدء في عملية التشغيل وتحويلها إلى القطاع الخاص.
6 ــ قبل إجراء عملية الخصخصة يتطلب إصدار القوانين واللوائح التنظيمية المناسبة لمعالجة مشكلة العمالة الفائضة وتسريح العمال او إحالتهم إلى التقاعد، إذ أن ذلك يعد من المشاكل الاقتصادية الخطيرة التي تضاف إلى المشكلة الأساسية أي مشكلة البطالة التي تجاوزت نسبة 30 في المائة في ظل الأوضاع الأمنية والاقتصادية وغيرها وتسريح الأعداد الكبيرة من مؤسسات الدولة المختلفة.
7 ــ من مخاطر الخطوات التي اتخذت في عملية "الإصلاح" الحكومية في هذه الشركات نقل الأمراض السياسية وتنفيذها عبر تطبيق المحاصصة والطائفية دون الاعتبار لمعايير الكفاءة والمهنية والعلمية مما افقد الثقة في هذه العملية والتخوف الأكثر من تطبيق نظام الكانتونات الطائفية والسياسية والمناطقية فيها.
8 ــ العمل على تطبيق التشريعات الوطنية التي تساهم في دعم الاقتصاد الوطني والصناعة الوطنية مثل قانون التعرفة الكمركية، قانون حماية المنتج الوطني، قانون حماية المستهلك. ومنع الاستيراد العشوائي للبضائع والسلع المختلفة.
بالرغم من ملاحظات الاقتصاديين والمعنيين في مختلف المجالات العديدة على ما يجري في الحقل الاقتصادي في بلادنا، يتوجب على محاولات الإصلاح الاقتصادي فيه أن تسير بخطى مدروسة أكثر وبحرص شديد أكبر عنوانه الحفاظ على حقوق العاملين ومكتسباتهم والسعي من أجل مواكبة التبدلات الاقتصادية العالمية في مسيرة التطوير والتحديث.إذ منذ عام 2005 طرح مشروع الإصلاح الاقتصادي والهيكلي وشكلت لجان متعددة لهذا الشأن وتقدم عدد من الباحثين والمستشارين الاقتصاديين بمشاريعهم الإصلاحية وبد أ الانفتاح الاقتصادي بعد ان أصبح للمؤسسات المالية الدولية دور واضح وتم اتخاذ مجموعة من القوانين والتشريعات التي من شأنها أن تعزز هذا الانفتاح مما أثار ويثير الكثير من التساؤلات حول تحديد هوية الاقتصاد العراقي.
إن السياسة الاقتصادية التي لا تأخذ بعين الاعتبار البعد الاجتماعي في عملية التنمية هي عامل عرقلة للنمو أكثر منه عامل تحفيز له، لهذا اذا ما اعتمد اقتصاد السوق كمخرج للبلد من ازمتها الاقتصادية، فان المعول عليه في هذه الحالة هو اقتصاد السوق ذو البعد الاجتماعي، أي الاقتصاد الذي يربط بين النمو والرقي الاجتماعي والديمقراطية بمفهومها الواسع: الحق في العمل، والدخل، وفي التعليم، والتدريب، والصحة، والسكن، والماء، والطاقة، والمساواة بين الرجل والمرأة، والحق في العيش في بيئة سليمة، والاستفادة من الثروات الوطنية من دون تبديد.
والتقدير فإن اقتصاد السوق الاجتماعي هو قادر على إعادة دفع عجلة الاقتصاد عبر تحفيز الطلب الاستثماري والاستهلاكي، وعلى إنشاء فرص عمل وتحقيق إعادة توزيع أفضل وأكثر عدالة للثروة بشكل يؤدي لتقليص الفوارق الاجتماعية ومظاهر الفقر والتهميش.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الاتحاد العام لنقابات عمال العراق