أظهر وصول  دونالد ترامب إلى البيت الأبيض الضعف الذي يعاني منه  النظام الأمريكي، وفنّد الفكرة القائلة: إن الرئيس الأمريكي تختاره كبرى اللوبيات والشركات الاقتصادية والإعلام الكبير؛ فترامب لم يمثل مصالح الشركات الأمريكية الكبرى بتوجهاته الاقتصادية، وقد وقف في وجهه غالبية الإعلام الأمريكي الكبير. بنفس الوقت لا هو ولا معاونيه يشكلون مجموعة عباقرة أو أشخاص استثنائيون ممن يمكن أن يغيروا وجه التاريخ، فهم لم يظهروا يوما رؤية استراتيجية متميزة أمريكيا، ولا قراءة عميقة للعلاقات والصراع الدولي وبنية النظام العالمي الجديد، الذي بذلت لتأسيسه الولايات المتحدة الكثير منذ تسعينات القرن الماضي بعد سقوط السوفييت؛ وأيضا سياسيا لم يكن ترامب رجل صداقات سياسية يستقطب دعم السياسيين. الظاهرة الترامبية هي التعبير الأقوى عن حركة ردة أصولية متطرفة تجتاح العالم الغربي والعالمين العربي والإسلامي، وهي حركة تاريخية قد تؤدي لنتائج أخطر من المتوقع. ولن يستطع السياسيون والإعلام والنخب التقليدية مواجهتها دون التحرر من منهجيات العمل المستمرة منذ القرن الماضي.  كاتبوا الدستور الامريكي لهم آليات حفظ التوازن في المؤسسات، وهناك نوع من ضبط الإيقاع بين المؤسسات الثلاث، لكن مع ظهور "ترامب" خرجت  أمريكا من هذا الاستثناء وأصبحت تدار على طريقة الدول النامية، وتنامى القضاء على الروح النقدية، وبالتالي لو سمحت المؤسسات- لتحول "ترامب" إلى الإمبراطور الذي لم تراه أمريكا منذ تأسيسها.و تقوم الاستراتيجية الترامبية، على تسويق "ترامب" كرجل استعراضي، يشعر الأمريكيون  بأنه يريد التغيير، ويحسن خلق الانطباع بأنه رجل الحسم، ويتميز بالارتجالية والكذب .   في تأثير "الترامبية" على العلاقات الدولية المعاصرة، فأن هناك الآن اتجاهان يتفاعلان في واشنطن: نزعة أمريكية تتماشى مع عقيدة ترامب، وهناك اتجاه يتمسك بالنزعة العالمية (حتى داخل المؤسسات السياسية وزارة الدفاع والخارجية) وأصحابها هم الذين استطاعوا خلال عام إيجاد التوازن والحد من طموح "ترامب"، ولذلك ففي حضور هذا الأخير إلى مؤتمر دافوس صرح: "وإن كانت أمريكا تبحث عن مصالحها فهي ليست وحدها" مما يدل على أنه أصبح ينفتح على العالمية.  وعلاقة ترامب بمنطقتنا العربية فأن "ترامب" استطاع أن يسوّق خطاب مكافحة الإرهاب بأعلى سعر لدول الخليج العربي وفي مقدمتهم العربية السعودية ، وبالتالي أصبح يتعامل "ترامب" مع المنطقة العربية بمنطق "الصفقات" و تحويل منطقة الخليج إلى بقرة حلوب. وذلك يتماشى مع وعوده في السياسة الداخلية، حيث وعد الأمريكيين بإيجاد خمس وعشرين  مليون وظيفة، ولذلك يسعى إلى توفير الأموال لإنعاش سوق العمل . "ترامب" يفتخر بأنه لا يفهم كثيرا في السياسة ولكنه يفهم في الصفقات، وإذا كانت السياسة  سابقا يقودها السياسي ويسير خلفه  الاقتصادي فإن ترامب يريد الاقتصادي هو الذي يقود والآخرون يجلسون ويسكتون.                 

 تأثير وتأثر الظاهرة الترامبية بالشرق الأوسط والمنطقة العربية والإسلامية بحاجة لبحث مستقل، لكن باختصار يمكن القول إن ترامب تفاعل مع هذه المنطقة وفق منهجيين: الأول هو الاستثمار في الزعامات القائمة لدول المنطقة وإدارة خلافاتها عن بعد، كما هي حال خلافات معسكر السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر مع معسكر تركيا وقطر، أو كصدام معسكر الخليج العربي مع إيران. المنهج الثاني، هو زيادة قوة التيار الإسلامي المتعصب سنيا أو شيعيا، من خلال زيادة حدة اللهجة العدائية ضد الإسلام والمسلمين من قبل إدارة ترامب، فمن المعلوم أن ردة الفعل الشعبية على السياسات الأمريكية تميل دائما لدعم من تكرهه وتعاديه أمريكا وإسرائيل، باعتبارهما مصدر “الشر” المتآمر على هذه المنطقة منذ قرون.

 فالقضية الفلسطينية تمر في مرحلة حرجة لم تمر بها على مدى السبعين عام الماضية ، وهي الآن بين مطرقة مشروع التطرف لدى الادارة الامريكية وسياسات الامر الواقع الاسرائيلية التي تتقدم على الارض بشكل تدريجي، خاصة, في قضيتي الاستيطان والقدس. هذه الحال لم تأت دفعة واحدة بل هي نتيجة مفاوضات عمرها ربع قرن من مفاوضات عبثية ورهانات فلسطينية وعربية فاشلة، بينما حكومة نتن ياهو تنفذ يومياً خططها الاستراتيجية والمرحلية بنهب الأرض وهدم المنازل وتهجير اهلها، وصولاً إلى ما يسمى بعرف اليمين واليمين الاسرائيلي المتطرف «إسرائيل الكبرى» من المتوسط حتى نهر الأردن. هذا كله بسبب سياسة الأوهام عند الذين ذهبوا إلى أوسلو الذين واصلوا السياسة ذاتها، رغم نتائجها المرئية والملموسة لدى الجميع. ناهيك عن تداعيات الانقسام في الصف الفلسطيني، الذي أدى إلى تفكيك وحدة الشعب والأرض، وفكك الوحدة الوطنية. الشروط الامريكية تعني افساح الطريق امام الحكومة اليمينية والعنصرية الاسرائيلية، من اجل التفرغ لإستكمال مخططات الدولة الإحتلالية الفاشية في منهجيتها المتعددة الألوان، منهجية الدولة العنصرية، والتفرغ لبرنامجها في إبتلاع الأرض الفلسطينية، طالما أن الإستيطان في رأي الإدارة الأمريكية الراهنة لا يمنع من مواصلة المفاوضات مع الفلسطينيين، وتعزز دورها الإقصائي العنصري، في جوهر طبيعتها ونشأتها، وهي «تشرعن» الإستيلاء على أراضي ملكية خاصة لفلسطينيين، وإبقاء الإستيطان ركيزة «التشريع» الإحتلالي، وفي جوهر طبيعته وأهدافه، و«إسرائيل» ذاتها إنبثقت ونشأت نتيجة ولادة مشوهة، قامت بها بالمجازر والحديد والدم والنار. صفقة القرن الترامبية، وإقامة «ناتو عربي» ضد عدو وهمي اسمه ايران، حلف عموده الفقري «إسرائيلي» هذه الصفقة هي إمتداد لمسلسل الدراما بالمواصفات والشروط الأمريكية- الإسرائيلية، لا دولة فلسطينية . وهي حقا فرصة أمام الكيان الغاصب , الذي  يلعب لعبة الإعلام وتزوير الواقع والتاريخ بطرق مختلفة، بما فيها زج خبراء في الحرب النفسية، لإستعادة هيبة «الجيش الذي لا يقهر»، وقدرات «الموساد» الذكية، لكن الواقع يفضح هذا الضجيج الذي ولَّى، و«إسرائيل» لن تخدم أي مخططات لأي بلد عربي، بقدر ما تبحث عن تفتيت محيطها العربي، وينقسم النظام العربي، في حروب داخلية وأهلية وطائفية ومذهبية واقليمية في المشرق العربي والشرق الأوسط, فليحذر الجميع مما هو آت.