عندما مرت مرحلة ما يسمى بالربيع العربي على بعض الدول العربية، ظن المعظم انها مرحلة سرعان ما ستنتهي ويعود الحال الى ذات الحال، خاصة عندما ظهرت ملامح وجود اياد خفية غربية هي من اذنت بهذا النتاج المختلف الشكل المتشابه المضمون، سبعينات القرن الماضي كان التغيير انقلابا عسكريا والالفية الاولى كانت الثورة عنوان.

هي بالفعل قد كانت مرحلة مؤقتة على دول ولم تكن كذلك على اخرى، فمصر وتونس نرى كلآ منهما قد استطاعت ان تنأى بنفسها عن الصراعات واستمرار الاضطرابات الداخلية وبذلك استعادت زمام المبادرة والسيطرة، وعاد الوضع الى ما كان عليه سابقا مع اختلاف الشخوص في الهرم لا أكثر مع بقاء الفكر والالية في الحكم ذاتها.

هذا ما يجعلنا ندعم فكرة عدم وجود ثورة بالمعنى الفعلي كون الثورة من ضمن لوازمها ان تقضي على كل القائمين على السلطة من هرمها حتى القاع وتحدث تغييرا شاملا كاملا وهذا ما لم يحدث مطلقا، حيث نرى تونس قد انجبت رئيسا هرما من مخلفات حكومات بن علي وعاد السوء في الوضع الاقتصادي الى الأسوأ، رغم ان ما دفع الشعب حينها للثورة هو الوضع المتردي اقتصاديا.

ليست مصر أفضل حالا من شقيقتها الافريقية، حيث يظهر لنا ان الحياة ساءت ايضا وجاء للسلطة وعلى ذات الشاكلة رئيسا من بطانة الدولة العميقة التي تقود مصر والتي لن تسقط ابدا! ان هذين النموذجين من البلدان التي خاضت غمار الربيع العربي، لم يكن أيا منهما جزءا من المحاور بل كان بعيدا عنها، هذا ما يؤكد لنا ان الاستقرار فيهما انما حدث بسبب عدم وجود تدخل خارجي كبير سواء على المستوى الاقليمي او الدولي.

في حين نجد ان اليمن وسوريا كلآ منهما قد كان جزءا او بالأحرى خاضعا لمبدأ المحاور، بذلك لم يكن للاستقرار فيهما من وجود، فاليمن ورغم انتقال السلطة من صالح الى هادي، استمر ربيعها المزيف حتى يومنا هذا ولعله ينذر بالاستمرار لمدة اطول، دامت هناك قوى اقليمية هي من تتحكم بقوى الداخل وتسيرها بما يتفق ومصالحها واهدافها وكل ذلك يحدث على حساب الشعب الاعزل الذي يعاني مرار الجوع والفقر والتشرد والمرض!

اما اهم ملف معقد ومتشابك في هذا الربيع الذي يتسم بالخلود! هو الملف السوري الذي ومنذ سنوات عدة لم تستطع الدول اجمعها العدوة والصديقة على ايجاد صيغة حل وتوافق!، ان وجود النظام السوري جزء من محور ما يسمى بالمقاومة هو ما جعل امد الازمة يطول ويتمدد.

حتى الان الحرب التي تدور في إطار هذا البلد هي حرب صفرية وغير صفرية، فالطرف المساند للنظام يريدها صفرية ويسعى بكل ما اوتي من قوة للقضاء على كافة اشكال وانواع المعارضة وهذا امر صعب المنال ان لم يكن مستحيلا، كون من يقف خلفها دول كثيرة لها قدرات مالية وعسكرية هائلة.

بينما الطرف المضاد يريدها حرب غير صفرية ويسعى لإيجاد التوازن في ظل هذا التعارض المعقد بين قوى المعارضة المختلفة والتي تحمل افكار ورؤى وايديولوجيات متباينة، وهذا التوجه المجهول من قبل قوى المعارضة يجعل اللاعب الامريكي يتراجع عن صفرية الحرب التي كان يحمل لواءها في القضاء على الاسد وأصبح راضخا للأمر الواقع والذي يقبل فيه بأسد وديع كأنه الحمل من اجل الطفلة المدللة اسرائيل.

بذلك نرى ان من يساند النظام يريد انهاء المعارضة لكنه ليس بقادر على ذلك، ومن يعارض النظام ومن معه، يريد اسقاط النظام لكنه يخشى البديل، ان عدم القدرة من طرف والتخوف والتردد من الطرف الاخر هو من يجعل الازمة تراوح مكانها.

لعلنا نستطيع ايضاح ذلك من خلال ما قام به ترام، فالكل كان يظن ان الحرب على الابواب والقضاء على النظام أوشك، الكل تأهب ساعة الصفر وانتظر التحشيدات التي قامت بها كلآ من بريطانيا وفرنسا وامريكا ولكنها لم تتمخض الا عن ضربات خجولة لا تغني ولا تسمن، جل غايتها كانت هي إظهار مدى قدرة هذه الدول على بعث الخوف في نفوس الخصم، وارسال رسالة مباشرة وصريحة للروس والايرانيين مفادها ان الغرب قادر على الرد بالمكان والزمان الذي يشاء.

اللاعب الابرز في جل هذا المشهد هي امريكا ومن خلفها الدول الحلفاء، ان ابلغ رسالة وصلت للعالم اجمع، هي ان نظام احادي القطبية لم يسقط بعد والدب الروسي لا زال ديسما في مرحلة الحضانة!!

عرض مقالات: