لقد أضحت سمات سياسة المحاصصة الطائفية واﻷثنية التي إنتهجتها الأحزاب الإسلامية بعد أسقاط الدكتاتورية وتنصيبهم على مواقع القرار ، مرادفة لتوليهم الحكم ، إذ بدون هذا النهج المقيت لا يليق حكمهم ، خاصة بعد أن زرعت محسوبيها وثبتت وتائدهم في كافة مفاصل الدولة ودوائرها الأمنية و الإدارية ، بحيث يصعب على من يريد التغيير والإصلاح إلا  عبرتطهير تلك الأجهزة منهم ، ولهذا تتخوف من أن تأتي حكومة تكنوقراط وطنية مستقلة ، وتكشف المستور طيلة ما ينيف عن خمسة عشر عاما ، سيما وإنها طيلة تلك الفترة لم تستجب لمطاليب الجماهير الشعبية العادلة  بتمزيق مقومات النهج المقيت ، وإنما أحكمت سيطرتها وخاصة على الأجهزة الأمنية والدوائر التي تحتك بالمال العام ، فهي تُصر حاليا على أن تقع تلك الدوائر تحت سيطرتها لتواصل توجيهها بما يخدم أجنداتها المتناقضة طائفيا ، لذا يعملوا على تعسير ولادة الحكومات إلى أن يُستجاب لإرادتهم ،  سيما وإنهم قد حققوا في الإنتخابات الأخيرة قفزة نوعية بصعود ميليشيات موالية لهم ولحلفائهم تُستعمل كفزاعة لعرقلة اي إصلاح وتغيير في التركيبة البنوية للحكم . فتمسكهم بنهج الطائفية وبأشكال متجددة يتيح لهم فرصة نجاة الفاسدين وابقاء ملفاتهم كامنة لمدة أربع سنوات أخرى، على أمل أن تنساها الجماهير الفقيرة ، ويواصل المتحاصصون ترتيب أوراقهم لحرف بوصلة العملية السياسية عن سكتها الحقيقية، ويصبح الطريق ممهدا لمواصلة النهب والفساد وعرقلة مآرب الجماهير الشعبية وقواها الوطنية بتحقيق العدالة الإجتماعية عبر الإصلاح والتغيير. 

لقد وجدوا في الإستحقاق الإنتخابي ورقة رابحة لدخول العملية السياسية من الشباك ، فعسروا   ولادة حكومة تكنوقراط مستقلة . كشماعة لتعليق وساخة النهج المقيت أمام الجماهير الفقيرة التي حرموها من فرحة تحقيق حلم إستحقاقها الوطني الذي لاح في الأفق، وخلق ظروف غير مواتية لممارسة العملية الإنتخابية ديمقراطيا ، عبر التزييف والبيع والشراء للمناصب الوزارية ، داخل قبة البرلمان من أجل عدم الإتيان بحكومة إصلاحية تجري التغيير المرتقب وتلاحق الفاسدين ، لتبقى مقاليد الحكم بأيدي من لا يريد نبش ملفات الفساد ومحاربته وغلق طرق سرقة المال العام عبر السحت الحرام وتحقيق برامج التنمية المستدامة للشعب.  

فخلال ما يقارب من خمسة عشر عاما، كانت ورقة الإستحقاق الإنتخابي هي الرابحة ، في إيقاف عجلة التنمية والإصلاح ، ومواصلة  تفاقم هدر أموال البلاد على طاقمها  الحكومي المنبثق من الكتل أصحاب اﻷستحقاق اﻷنتخابي فإستشرس الفساد والمحسوبية ، ناهيك عن تعاليهم على الشعب ، بتسكينهم بقصور وبيوت العهد الدكتاتوري.

 لقد طفح الكيل ، ولم تعد أمام الجماهير إمكانية مواصلة التحمل ، بينما بقي اصحاب من يدعي الإستحقاق الإنتخابي ومحسوبيهم من المتحاصصين غير مبالين بما ستؤول اليه اﻷمور ، نتيجة عقم مواقفهم ، وركضهم وراء تأمين المصالح الحزبية والطائفية ، خائضين معركة التجاذبات والتراشق الكلامي ، الذي أوصلهم حتى الى كيل الأتهامات لبعضهم البعض ، مؤكدين للشعب بهكذا سلوك عن تخليهم من أي التزام تعهدوا به أمام الشعب والوطن بالعمل مع القوى الوطنية على إجراءات اﻷصلاح والتغيير ، ومؤكدين على حقيقة مواصلة صراعهم المستميت على موقع القرار السياسي أمنيا ، وبشكل منفلت من أية ضوابط وقواعد وطنية واخلاقية سياسية ،عديلوا عما نادوا به في حملاتهم الإنتخابية  

 لقد استبدلوا قوانين التطور اﻷجتماعي وخرقوا قواعد العدالة الإجتماعية بإجراءات وممارسات  خلقت مستلزمات  التفرد بالقرار حتى على صعيد المحافظات ، وبالتالي عملت على كل ما من شأنه ابراز نزعة التحكم الفردي لدى المسؤول ، خاصة إذا ما تمكن بحصر قوى تضمن له الدعم في فرض الحظوة على الآخرين ، مما خلق تناقضات لم تقتصر على نوع واحد ، وإنما على عدة تناقضات في آن واحد ، دون ان يُحَدد التناقض اﻷساسي (تبني نهج المحاصصة) الذي لعب دورا سلبيا في تطور العملية السياسية ، هذا التناقض الذي شخصته القوى ذات الإستحقاق الوطني ، الذي وقفت وراءه الجماهير المهمشة ، وأشار اليه العديد من الكتاب والصحفيين والمحللين السياسيين ، مؤكدين أن هذا التناقض تتم ادارته عبر المواقع الحساسة التي عشعش بها رجال عهد سيطرة الإسلام السياسي بمذهبيه مستخدما جيش من النفعيين واﻷنتهازيين والمزورين ، وبتدخل  دول الجوار يُتمسك به حاليا بحجة الإستحقاق الإنتخابي المشكوك بنزاهته ، كي يواصلوا عدم الألتزام باﻷستحقاق الوطني ، وتضييع فرصة استقطاب الكوادر العلمية العراقية المستقلة في عملية التغيير والإصلاح التي طالبت بها الجماهير وتبناها سائرون وحلفاؤه ، الذي لم يناد بإستحقاقه الإنتخابي.  وأمام هذه اﻷوضاع يبقى إدعاء ذوي اﻷستحقاق الإنتخابي مستميتاً، باعتباره الوسيلة الوحيدة تتيح لهم وضع اليد على المؤسسات الامنية لتحمي الفاسدين ولتبقي ملفاتهم مغلقة.

عرض مقالات: