في بلد لا يسود فيه العدل الاجتماعي، ولا تتوفر فيه فرص عمل تتاح امام الجميع، ولا يسير على مبدأ تكافؤ الفرص، لا بدّ ان ينتج الجريمة بأنواعها المختلفة وادواتها الاكثر بشاعة، هذه المعادلة البسيطة تنطوي على كثير من الواقعية، فما من احد يشك بأنّ العنف الذي تسلل الى حياتنا اليومية وراح يزهق ارواح الابرياء ما هو الاّ نتيجة منطقية من نتائج سياسة مصادرة ارادة الناس واحتكار الثروة وتجويع البشر، كما انّ الماراثون المبني على الغش في سبيل  الاستحواذ على السلطة والمال يؤدي بالضرورة الى الفوضى وفقدان ثقة الكل بالكل.

لم تكن السياسة الاّ اسلوبا لإدارة حياة الناس وتنظيم المجتمع بمضامين اخلاقية واجتماعية واقتصادية، هكذا فهمها منظروها الاغريق القدامى وعلى رأسهم شهيد الفكر والرأي الفيلسوف سقراط وتلميذاه افلاطون وارسطو وسار العالم على هديهم. امّا في العراق، فالسياسة حيّرت المراقبين والمحللين والعلماء بعد ان تحولت الى ما يشبه القضاء والقدر مثلها مثل الزلزال او اعصار هارفي الذي يقلع الاشجار والبيوت. فهي بلا لون ولا اتجاه ولا مرجعيات، ولم نعد نعرف حلوها من مرّها ولا يمينها من يسارها وجعلت المواطن كمن يسير في الظلام.

مالذي ربحناه من اللصوص المحترفين غير (( كلام التلاوة ))، لقد سرقوا كلّ شيء بما فيها احلام جيل كامل في تحقيق مستقبله وتطلعاته، فالشاب العراقي الذي انهى دراسته بعد سنوات من التعب والجهد والمصاريف، يقف اليوم حائرا ويستولي عليه الشعور بالحرمان وصار العوز يملأ يقظته والضياع يملأ احلامه وبدلا من ان يجلس في حديقة يقرأ جريدة او كتابا، اصبح يجلس على الرصيف ليقرأ وجوه العابرين!.

 ومع ذلك، ورغم اننا نعرف انّ الامراض الخطيرة راحت تنخر في جسد البلاد ابتدءا من السياسة والاقتصاد ومرورا بالصحة والتعليم وليس انتهاءا بالثقافة والرياضة والحياة العامة، لكنّها لم تصل الى اقصى درجات الخبث بحيث يصعب استأصالها ومعالجتها، ونحن هنا لا نعول على النوايا الحسنة ولا على كلمات الغزل التي يسوقها لنا من يقف على هرم المسؤولية، وانما نعول فقط على ارادة ابناء شعبنا في القدرة على تصحيح المسار السياسي وتغيير اتجاه بوصلته لكي يصب في مصلحة الجميع. نعول على الشارع، والشارع ((............ اصدق انباء من الصحف)) بعد اذن الشاعر ابي تمام!!. فالشعب هو صاحب المصلحة الحقيقية في التغيير وهو الذي عليه ان يثبت للذين يحاولون اصدار شهادة وفاة بحقه بأنه حيٌ وقادرٌ على ان يكشف كذبة حفار القبور!، وما علينا الاّ ان نحذر وننبه القادمين الجدد الى ادارة الحكم، بأنّ الغابة عندما تشتعل، يصعب ايقاف الحريق!.

عرض مقالات: