مرت أمس الذكرى الـ 19 للخلاص من أعتى نظام دكتاتوري حكم بلادنا، ومثّلت طبيعته وممارساته محور وأساس المحنة العميقة والأزمة العامة التي عانى منها شعبنا، وشكلت عاملا رئيسيا في الازمات التي طالت جميع أطياف شعبنا وقواه واحزابه السياسية، ومنها حزبنا الشيوعي العراقي.

ولابد من تكرار حقيقة ان حزبنا لم يكن مقتنعا يوما بان طريق الحرب والغزو الخارجي هو الاسلوب الانجع للخلاص من الدكتاتورية، نظرا الى ما للحرب من تداعيات ونتائج وخيمة على أوضاع البلد وحياة الشعب، وعلى إمكانية بناء حياة ديمقراطية حقيقية. لذلك وقفنا ضد الحرب ورفضناها، وتلخص موقفنا وتجسد في شعارنا المعروف: “ لا للحرب.. لا للدكتاتورية “.

ولقد تضافرت طريقة اسقاط النظام الدكتاتوري مع تداعيات الاحتلال وانهيار الدولة والمؤسسات الأمنية والعسكرية، والتغييرات العميقة في مواقف وعلاقات القوى السياسية والمجتمعية، والتركة الثقيلة للدكتاتورية، لتشكل بمجموعها حالة فريدة واستثنائية في أوضاع بلادنا، ولتفجر تناقضات وصراعات متنوعة متكاملة، سياسية وقومية وطائفية واجتماعية، تراكمت عناصرها على مدى عقود سابقة، واتسعت بوجود القوات الأجنبية المحتلة، وقوى الإرهاب، وامتداداتها وحواضنها في الداخل، وبتأثير التدخلات الخارجية، الإقليمية والدولية.

وليس بمعزل عن ذلك تمر بلادنا اليوم بمرحلة بالغة التعقيد والصعوبة، وتتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل الصراع المحتدم المتواصل حول المستقبل وشكل الدولة والنظام السياسي- الاقتصادي والاجتماعي، تبقى الأوضاع مفتوحة على احتمالات شتى.

وجراء تعنت القوى المتنفذة وصراعها على النفوذ والسلطة والقرار، وللهيمنة على مواقع الدولة، وبسبب تمسك معظمها بالمنهج الفاشل والمدمر - منهج المحاصصة والطائفية السياسية، الى جانب استشراء الفساد والسلاح المنفلت واستمرار تعقيدات الوضع الأمني وعدم استقراره، والتدهور المريع في الخدمات العامة، وارتفاع الأسعار ونسب الفقر والبطالة، وعجز تلك القوى عن إيجاد حلول وعن استكمال الاستحقاقات الدستورية بانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة الجديدة، فان تطور الأوضاع وحسم الأمور لصالح غالبية العراقيين المكتوين بنار تداعيات الازمة العامة، يظل مرهونا الى حد كبير بمدى قدرة الجماهير الواسعة على فرض ارادتها، وتشديد الضغط الشعبي والجماهيري، وفرض السير على طريق التغيير ومراكمة عناصر الخلاص من منظومة المحاصصة والفساد والسلاح المنفلت.

ان أوضاع بلدنا، وما يمر به العالم والمنطقة اليوم من أزمات وحروب، ومنها الحرب الروسية – الاوكراينية وتداعياتها على شعوب ودول عديدة، تتطلب المزيد من التنسيق والتعاون بين قوى التغيير، والتوجه الجاد نحو تنظيم صفوف المعارضة الشعبية، وتعظيم الحراك وزخمه، بما يفتح من فضاءات لتحقيق الاستحقاقات والتداول السلمي للسلطة، وتشكيل حكومة اغلبية ذات برنامج بسقوف زمنية للتنفيذ  واستبعاد الخيارات السيئة، والسير على طريق الاعمار والبناء وإقامة دول المواطنة والقانون، الدولة المدنية والديمقراطية كاملة السيادة، وتحقيق العدالة الاجتماعية.

في هذه الأوضاع، وإذ نستعيد احداث السنوات العجاف التي مرت على بلدنا، نؤكد ان الإمكانات التي انفتحت امام بلدنا بعد سقوط النظام الدكتاتوري، لم تتحول بعد الى واقع يستجيب لإرادة الشعب، وهذا ما يوجب الإصرار على المواصلة وتحويل حالة السخط والتذمر الشعبيين الى فعل منظم، لفرض السير على طريق التغيير الشامل.

عرض مقالات: