تلقت جماهير شعبنا بمزيج من الترقب والقلق نتائج الانتخابات التي أعلنت يوم أمس، السادس عشر من تشرين الأول 2021، والتي كشفت عن طائفة من الحقائق ذات الدلالات الهامة.
وجاء تدني نسبة المشاركة، التي اعتبرتها جهات ومؤسسات دولية يركن اليها الأدنى منذ عام 2005، وهي في كل الاحوال أدنى من النسبة الرسمية المعلنة، جاء ليؤكد صحة التوقعات بشأن عمق الهوة الفاصلة بين الشعب ومنظومة الحكم، وانعدام ثقة الناس بقدرة هذه المنظومة على رسم وتطبيق نهج سياسي، يستطيع تغيير الواقع المأساوي القائم.
في حين أثار صدور تصريحات من بعض القوى المعترضة على النتائج، ارتباطا بانفلات السلاح، قلقا من احتمالات اللجوء الى ما هو خارج عن الأطر القانونية.
ومن جانب آخر، وعلى الرغم من بعض الاجراءات الايجابية التي اتخذتها مفوضية الانتخابات، مترافقة مع دور القوات الأمنية في تأمين أجواء انتخابية أكثر أمنا، بما سد بعض منافذ التزوير، فان حقائق ووقائع كشفت عن خروقات في العملية الانتخابية وثغرات جدية في عمل المفوضية.
وكان أبرز ما أفرزته الانتخابات بنتائجها المعلنة، أنها سحبت التأييد من بعض القوى المتنفذة، ومنحت حصة للمستقلين والتشرينيين، وان هذا جاء مصداقا لحقيقة أن الانتفاضة ما زالت فاعلة ومؤثرة في المشهد السياسي.
كما انه عكس بوضوح الرسالة البليغة التي وجهها الملايين من أبناء الشعب الى القوى المتنفذة الحاكمة، من خلال المقاطعة التي بقيت واسعة، رغم كل ما بُذل من جهود وضغوط ومناشدات من طرف قوى مختلفة داخلية ودولية. ومما له دلالة عميقة أن القوى المقاطعة شملت فئات اجتماعية مختلفة، أي أنها كانت عابرة للحدود الطائفية والاثنية.
وكان حزبنا الشيوعي وهو يتخذ قرار المقاطعة، يربط بين العملية الانتخابية ومتطلبات التغيير السلمي الديمقراطي، لتسليط المزيد من الضغط الشعبي في اتجاه تقويم العملية الانتخابية. وخلال ذلك أوضح بجلاء، أن المال السياسي والسلاح المنفلت وعدم كشف قتلة المتظاهرين، فضلا عن الملاحظات الجدية العديدة على العملية الانتخابية، أن هذا كله من شأنه أن يعيد انتاج المنظومة الحاكمة لنفسها.
وفي خضم الأوضاع القائمة المتحركة والتفاعلات والتدخلات الخارجية المحتملة، يتوجب تأكيد حقيقة أن تغليب التفاهمات والتوافقات في سياق منهج المحاصصة ذاته، لابد أن يؤدي الى تخادمات متقابلة لن تعني سوى تكريس الأزمة العامة المستعصية، وتعظيم حالة السخط الشعبي جراء ذلك.
ومن نافل القول إن الأمر ينبغي أن لا يتوقف عند حدود تشكيل حكومة، بل لابد من الاجابة على الأسئلة الملحة حول ماهية هذه الحكومة، وتركيبتها، ومشروعها، وبرنامجها، وقدرتها على اتخاذ خطوات عملية في اتجاه التغيير. علما ان تشكيل هذه الحكومة ينبغي أن ينطلق من مبدأ الأغلبية السياسية، وان يجسد حقيقة الرسالة البليغة التي وجهها ملايين العراقيين الى القوى المتنفذة الحاكمة.
وقد بيّن سير عملية الانتخابات أن الحاجة مازالت قائمة وملحة لإصلاح المنظومة الانتخابية، بما يجعلها أكثر استقرارا ومهنية وكفاءة، وأقدر على حفظ أصوات الناخبين وخياراتهم.
من ناحية أخرى فان وجود كتلة في البرلمان متمسكة بخيار التغيير، وساعية الى تحقيق أهداف الانتفاضة، يمثل اختراقا مؤثرا يأتي كثمرة لانتفاضة تشرين الباسلة وللضغط الشعبي المتعاظم الذي تمثل المقاطعة أحد أبرز تجلياته، فضلا عن دور المرشحين الفائزين وجهودهم التي أكسبتهم ثقة الناس. ومن المؤكد أن تأثير كتلة كهذه يكون أكبر إذا ما نسقت عملها مع الحراك الاحتجاجي خارج البرلمان، وهو ما يتعين على دعاة التغيير القيام به، وتوحيد جهودهم على أرضية المطالب الشعبية لإحداث التغيير المنشود.
لقد بات اليوم جليا أنه ما من اصلاح وتغيير من دون إنهاء نهج المحاصصة الطائفية والاثنية، ومحاربة الفساد، وتلبية حاجات الناس الأساسية، ومن دون الكشف عن قتلة المتظاهرين ومن يقف وراءهم وإنزال القصاص العادل بهم، الى جانب انهاء السلاح المنفلت وضمان السيادة الوطنية. فهذا وحده هو السبيل الى تحقيق التغيير الشامل، واقامة البديل المتمثل بدولة المواطنة والقانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية.
اللجنة المركزية
للحزب الشيوعي العراقي
17/10/ 2021