أصدرت وزارة المالية الجمعة الفائتة بيانا قالت فيه إنها “تدرك تماماً أن هناك عدداً من التدابير الداعمة التي يتعين اتخاذها لزيادة الآثار الإيجابية لتعديل سعر الصرف”. وبينت أنها “لم تستطع القيام بذلك علناً بسبب حساسية الموضوع“! مشيرة إلى أنها “ستضع برنامج سياستها المفصل، المصمم لزيادة الفوائد من تعديل سعر الصرف”.

وخلص البيان إلى “أن إجراءات السياسة الرئيسية لحماية الفقراء والضعفاء، قد تم إدراجها في الموازنة وجرت مناقشتها في بيان الوزير بخصوص الموازنة”.

ان من يقرأ هذا البيان يستنتج سريعا ان وزارتنا الموقرة بعيدة تماما عن التداعيات التي أحدثها اقتراحها بتعديل سعر الصرف على هذا النحو المفاجئ والصادم، وإدراجه في مشروع موازنة ٢٠٢١. والغريب قولها انها لم تقدم على بعض الإجراءات الوقائية المطلوبة تحسبا لـ “حساسية الموضوع”، ولا نعلم عن أية حساسية تتحدث، وقد الحقت نصائحها ضررا بالغا بالمواطن والاقتصاد معا.

والاغرب هو استمرار الحكومة، وبضمنها وزارة المالية، في الحديث عن “حماية الفقراء والضعفاء” في الموازنة، التي تضمنت العديد من الإجراءات المتلازمة التي هي اقرب الى عقوبة جماعية للغالبية الساحقة من المواطنين.

ففي خطوة واحدة تم تقليل سعر صرف الدينار، التي تسببت في صدمة كبيرة ترجمت الى ارتفاع كبير في الأسعار، شمل حتى المواد والسلع المنتجة محليا على قلتها، ذلك ان اكثر من ٩٠ في المائة من المواد والسلع الخدمية مستوردة.

وقد ادى خفض سعر صرف الدينار الى خفض القيمة الفعلية للمداخيل والرواتب بما يترواح بين 25 و 30 في المائة، في وقت جرى فيه توسيع الاستقطاعات من الرواتب من دون زيادة مساحة الإعفاءات، ما الحق ضررا بالغا باصحاب الرواتب المحدودة وحتى من يحسبون على الفئات الوسطى.

والامر الآخر المثير هو فرض المزيد من الضرائب المباشرة على المواطنين، بل ان مشروع موازنة ٢٠٢١ العتيد يخوّل الوزارات والمحافظات فرض رسوم جديدة، وحسب ما ترتأيه، على الخدمات التي تقدمها للمواطنين، على سوئها ورداءتها.

فعن اية حماية للفقراء والضعفاء تتحدث وزارتنا الموقرة؟ اذا كانت تقصد اعفاء ذوي رواتب الـ ٥٠٠ الف شهريا فما دون، فنقول ان هؤلاء شملوا بكل الإجراءات الحكومية المذكورة أعلاه، فضلا عن ان رواتبهم من الضعف بحيث لا تغني ولا تسد رمقا، وتستنزفها الإيجارات بالنسبة لمن لا يملكون سكنا، الى جانب الكهرباء وارتفاع الأسعار خاصة اسعار الادوية التي لا تقوم الدولة بتوفيرها.

 وهنا نضع امام وزارتي المالية والصحة حقيقة ان ٧٠ في المائة من المواطنين يراجعون المؤسسات الصحية والصيدليات في القطاع الخاص، والسبب معروف جيدا للوزارتين.

من جانب آخر قُلصت تخصيصات البطاقة التموينية من ترليون ونصف ترليون دينار في موازنة ٢٠١٩ الى ٧٩٥ مليارا في موازنة ٢٠٢١، في وقت تقول فيه وزارة التخطيط ان نسب الفقر ارتفعت الى ٣٤ في المائة، وتذكر احصائيات أخرى انها تجاوزت ٤٠ في المائة.

واذا كان يجري التعكز على مبالغ معينة اضيفت الى تخصيصات رواتب الرعاية الاجتماعية، فهي أساسا مبالغ بائسة ولا تتجاوز ١٠٠ الف شهريا و١٧٥ الفا للعائلة مع طفلين، في حين تقول وزارة العمل ان الحد الأدنى للاجور يفترض الا يقل عن ٤٥٠ الف دينار شهريا!

وهنا نهمس في اذن الحكومة ووزارة المالية ونقول: ان كل المبلغ الاضافي الذي توفره اجراءاتكم لن يزيد على ١٧,٨ ترليون دينار (١٢ مليار دولار)، مقابل ما تسببه من اضرار جمة. وهذا المبلغ يمكن تأمينه بيسر وسلاسة لو ضبطت إيرادات المنافذ الحدودية، وجرى الغاء او حتى بعض الخفض في مخصصات المنافع الاجتماعية للرئاسات الثلاث! أو لو تم رفع السعر التخميني لبرميل النفط في حسابات الموازنة من 42 دولارا في الاصل الى 46 دولارا، بعد الارتفاعات الاخيرة في سعر النفط الخام عالميا، والذي يعني اضافة 4 مليارات دولار الى الايرادات، أي ما يعادل 5،8 ترليون دينار.

فهل بعد هذا يا ترى ستواصلون الحديث عن “ حماية الفقراء والضعفاء “ في موازنة الشؤم والبؤس؟!

عرض مقالات: