بدأت منذ الآن تداعيات القرارات الحكومية غير المدروسة جيدا والمستعجلة، بخفض سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار. فقد سجلت الاسواق ارتفاعاً سريعاً وحادا في الاسعار، شمل مواد اساسية وتراوحت نسبه بين 20 و40 في المائة.

ومن المؤكد في ظل الظروف الراهنة، حيث حالة الانكماش الاقتصادي وشحة الموارد المالية وانعدام فرص العمل وانخفاض القدرة الشرائية للمداخيل الفعلية وحالة التضخم وعدم استقرار الاسعار، ان تكون للقرارات آثار بالغة الضرر على الاحوال المعيشية لعموم المواطنين. ويُرجح ان يتفاقم هذا عند اقرار موازنة 2021 بصيغتها المقدمة من الحكومة الى مجلس النواب، والتي تتضمن زيادات في الضرائب والرسوم على موادٍ وسلع وخدمات اساسية، الى جانب خفض شامل لمخصصات فئات موظفي الدولة كافة، ما يتسبب في خفض فعلي كبير لرواتبهم.

ويجب القول ان اتخاذ مجموعة الخطوات هذه، وعلى نحو متزامن، وفِي ظل ازمة مالية واقتصادية، لن يؤدي فقط الى تدهور المداخيل الحقيقية للمواطنين، وانما سيترك آثاره على مجمل النشاط الاقتصادي، ويطلق العنان لمضاربات تعظّم خفض سعر الصرف وتفاقم التضخم، وانها لا توزع أعباء مواجهة الازمة المالية والاقتصادية بعدالة كما تصرح الحكومة، وانما تلقي العبء الأكبر على عاتق الفقراء والكادحين ومحدودي الدخل والعمالة غير المنظمة، ما يضاعف من نسب الفقر المتفاقمة أصلا.

لقد سبقت لنا المطالبة مع غيرنا، بضرورة الاقدام على خطوات اصلاحية فعلية لاقتصاد البلاد ومعالجة  العجز الفعلي في الموازنة، وان البديل  يتحقق عبر حزمة اجراءات تتضمن تخفيض الرواتب العليا وامتيازات ذوي الدرجات الخاصة، وتنمية وحماية المنتج المحلي ، وتنويع مصادر الدخل الوطني، ومحاربة الفساد بصورة جدية، واستعادة الاموال المسروقة، وفرض ضريبة تصاعدية، ومراقبة مآل الدولار الذي يباع عبر “نافذة مزاد العملة” وغيرها من الاجراءات، وان تترافق مع حزمة تدابير اخرى داعمة لذوي الدخل المحدود والفئات الهشة في المجتمع. لكن اجراءات الحكومة جاءت بشكل لا يميز بين الفئات المختلفة، ووضعت الجميع في سلة واحدة، سواء من خلال فرض الضرائب غير المباشرة او التخفيض الشامل للمخصصات.

يضاف الى ذلك ان مشروع موازنة 2021 لا يتضمن اية تخصيصات، تعكس اهتماماً حكومياً بتنشيط القطاع المنتج، الصناعي والزراعي.

وكنا نأمل ان نجد مثل هذه الجرأة في المعالجات الصادمة، في مواجهة الفساد، وفي السيطرة على موارد الكمارك والمنافذ الحدودية، ووقف التهريب بأنواعه، واصلاح المنظومة الضريبية وغير ذلك.

ان ما يجري سيترك آثاره السلبية على المواطنين وحياتهم ومعيشتهم، وسيثير القلق الشديد في صفوفهم، ويراكم المزيد من السخط والتذمر اللذين يمكن ان يتفجرا باشكال مختلفة.

وبديهي ان وضع المواطنين امام خيارات صعبة كهذه، لن يترك لهم الا الدفاع عن لقمة عيشهم وحقوقهم ومصالحهم المشروعة، عبر اشكال الحراك الاحتجاجي السلمي الدستوري.

فهذه الاجراءات وبالصيغ المعلنة لا يمكن السكوت عليها ويجب ان لا تمر!

20 - 12 – 2020