اصبح الشعب العراقي بمختلف اطيافه القومية والدينية والمذهبية والاجتماعية، فيما هو يسعى لتأمين اسباب عيشه الاساسية، رهينة للصراعات والتجاذبات بين اطراف منظومة المحاصصة الحاكمة. وفي الوقت نفسه يجري تحميله أعباء ونتائج فساد وفشل سياسات حكومات المحاصصة وتوافق الاحزاب والكتل، التي تدعي تمثيل “المكونات”.

فعلى مدى عقد ونصف العقد من السنين، عجزت الاحزاب والقوى الماسكة بزمام الحكم في البلاد عن ايجاد الحلول والمشتركات اللازمة لسن قوانين دستورية اساسية، لاستكمال بناء الدولة الاتحادية، كقانون النفط والغاز وقانون المجلس الاتحادي وغيرهما، وتعامل الجميع  مع الدستور بصورة انتقائية لخدمة مشاريعهم ومصالحهم الخاصة والفئوية، بعيدا عن المصلحة الوطنية العامة.

وفي الوقت الذي تشتد فيه معاناة شعبنا بسائر اطيافه، من آثار الازمات المركبة، السياسية والاقتصادية والمالية والصحية، كما تعكسها المعدلات المرتفعة للبطالة والفقر والامية، والاستقطاب المتنامي على صعيد الدخل والثروة، والتي تمثل الاسباب الجوهرية لانتفاضة تشرين الباسلة وللحراك السياسي والاجتماعي المتواصل منذ ما يزيد على سنة، تحاول  قوى متنفذة حرف طبيعة الصراع في اتجاه تأجيج العصبيات القومية والطائفية.

ولم يقدم اقرار قانون الاقتراض المالي حلولا مطمئنة لمآلات الاوضاع المستقبلية على الصعيدين السياسي والاقتصادي. فالحكومة من جهتها، وبدلا من ان تقدم مشروع موازنة تغطي الاشهر المتبقية من السنة، تقدمت بمشروع اقتراض مالي مثير للجدل، بسبب الارقام المضخمة للانفاق والعجز من دون مبررات مقنعة، وربطت صرف رواتب الموظفين بموافقة مجلس النواب، في سابقة لا تبعث على الفخر لاصحابها. كذلك خلا مشروع الحكومة من اي تصور ملموس لكيفية تنفيذ الحكومة التزاماتها في السنة القادمة، وتجنب الارتفاع المقلق في مستويات الدين الحكومي واعباء خدمته.

اما التعديلات التي ادخلها مجلس النواب، فانها وقد خفضت مبلغ الاقتراض بنسبة ٧٠ بالمائة، اضافت شرطا ربط صرف مستحقات الاقليم بتسليمه كمية النفط المتفق عليها إلى الحكومة الاتحادية، والذي يعني بالملموس ارتهان رواتب موظفي اقليم كردستان بالتجاذبات السياسية بين حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية. وهذا يشكل امتدادا  لما  اقدمت عليه  الحكومة الاتحادية، عندما ربطت صرف الرواتب باقرار قانون الاقتراض المالي.

 ان من مسؤولية الحكومتين، الإيفاء  بالتزاماتهما  الاساسية ازاء الموظفين، وصرف رواتبهم في مواعيدها. ومن غير المقبول قانونيا وحقوقيا، ان يتم التلاعب بهذه المواعيد وانتهاك  الحقوق الاساسية للموظفين .

ولقد بات معلوما ان هيكلية الموازنات العامة للحكومة الاتحادية وللاقليم، غير قابلة للاستدامة بسبب الاثار التراكمية للفساد، والتوسع المفتعل في اعداد العاملين في الدولة لاغراض زبائنية من قبل الاحزاب والكتل المتنفذة، وبسبب التضخم  في رواتب ومخصصات اصحاب الدرجات الخاصة، فضلا عن آلاف “الفضائيين” في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والامنية في المركز وفي الاقليم.

لقد بات ملحا اتخاذ اجراءات عملية وحازمة لمراجعة سلم الرواتب والاجور ونظام المخصصات، ووضع حد لظاهرة الفضائيين، وضرب منظومات الفساد.

كما ان على الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم التوصل الى حلول نهائية للمشاكل العالقة، لا سيما بالنسبة للموازنة والنفط، على اساس فهم مشترك لبنود الدستور.

وهذا يتطلب مواصلة الحوارات الجادة والصادقة المفضية الى حلول متوافقة مع الدستور، يعلن الطرفان التزامهما بتطبيقها، والكشف بشفافية عن الأرقام الفعلية للإنتاج والتصدير، وللالتزامات المالية للإقليم في المجال النفطي، وضمان انتظام دفع رواتب العاملين والموظفين في الحكومة الاتحادية والاقليم، بعيدا عن التجاذبات السياسية واية اشتراطات أخرى.