يتواصل الجدل ويحتدم بشأن الاقتراض الداخلي، ويجري تصوير الأمر باعتبا ره صراع قوى بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، في حين ان كتل مجلس النواب، سيما المتنفذة منها، هي من منح الحكومة الثقة، ومن يؤثر بوضوح في قرارها مثلما في قرار مجلس النواب ذاته.
والغريب في الامر ان الحكومة لم تستقر على رقم محدد في القانون المقترح، خصوصا والمطلوب هو تخصيص القرض لتغطية رواتب الموظفين والمتقاعدين وتخصيصات الرعاية الاجتماعية.
فهل تراها لا تعرف المبلغ حقا؟ وماذا يعني هذا التخبط والعشوائية؟! وهل فعلا ان الحكومة ووزارتي التخطيط والمالية لا تتوفر على المعطيات لتحدد بالضبط والدقة المبلغ المطلوب؟ ام أن المراد تمرير مبالغ أخرى تحت عنوان “الرواتب”، وهو ما قيل عنه بالفعل كلام كثير.
وما دام القانون يسمى “قانون سد العجز المالي” أفلا يجدر بمجلس النواب ان يتساءل: لماذا وصلنا الى هذا العجز؟ ما الاسباب؟ ومن المسؤول؟ فلا يمكن قطعا اختزال ما حصل بمجرد الحديث عن التراكمات والاخطاء السابقة. والحكومة وطاقمها يعرفان جيدا حجم المشاكل وما اضيف اليها من صعوبات وتعقيدات، وان اكثر من ستة اشهر من عمر الحكومة كفيل بتقديم رؤى تضع البلاد على طريق التعافي ان توفرت الإرادة والجدية. لكن هذا لا يحدث، وبدلا منه نلاحظ انغماسا وخفة متناهية في طلب القروض، التي قد يكون مجموع الداخلية والخارجية منها بلغ الآن١٥٠ مليار دولار.
وقد ينتهي الأمر بتفاهمات وتسويات مثلما حصل مع قانون انتخابات مجلس النواب، ويقرّ قانون سد العجز المالي الذي قيل انه سيغطي الرواتب للاشهر الباقية من هذه السنة. وهنا تبرز التساؤلات الكبيرة: فهل على الدولة فقط تأمين رواتب الموظفين والمتقاعدين؟ والى متى يستمر الاقتراض، فيما تتدهور القطاعات الإنتاجية وتفتح أبواب البلد للاستيراد العشوائي والتهريب؟
من جانب آخر ينحصر جلّ الحديث الآن في تأمين الرواتب للعاملين في الدولة، ولا نكاد نسمع عن ملايين المواطنين الآخرين عديمي الدخل الثابت، والذين يعانون الجوع والفقر ولا تقدم ايّ حلول للتخفيف من معاناتهم .
تشكل ازمة بلادنا المالية والاقتصادية جزءا من الازمة البنيوية المركبة العامة، التي يتطلب علاجها ما هو اشمل واوسع من إجراءات آنية لاطفاء الحرائق هنا وهناك، وما يتعلق بالمنهج والأداء والأشخاص.
فهل تتوفر الإرادة السياسية للسير على هذا الطريق؟ الممارسة العملية لا تجيب بالإيجاب، ويبقى المواطن هو المعوّل عليه لانتزاع الحقوق وفرض الارادة.
ومن دون ذلك سيتمادى المتنفذون، وهم لا يشبعون ولسان حالهم يقول: هل من مزيد ؟!