التصريحات والتقارير وما يتسرب من الغرف المغلقة .. جميعه يعكس حالة صراع مرير وتكالب وتنافس على شغل مواقع معينة في الدولة، ومواقع اخرى من التي تشغر، فيما يتشبث من جاءوا بطرق ملتوية محاصصاتية،  بالكراسي التي استحوذوا عليها.

  ولا شك ان خللا كبيرا يصاحب اسناد  الوظيفة العامة في بلادنا،  حيث تغيب المعايير الواضحة والصريحة والثابتة التي تنطبق على الجميع، وهي رغم الحديث عن الإصلاح واهمية ان يشمل الجهاز الإداري والوظيفي بمجمله، تخضع  للمحاصصة وللمحسوبية والمنسوبية، ولارضاء المريدين، وللوساطات والرشى والاغداق على ذوي القربى. بل ان هناك حديثا واسعا عن بيع المناصب والوظائف، المدنية والعسكرية، بما فيها العالية في مختلف مؤسسات الدولة.

من جانب اخر يندر ان يوجد في دولة كم هائل من المناصب القيادية الرئيسة التي تدار بالوكالة، كما هو الحال في بلادنا اليوم. حيث تقدر نسبتها بأكثر من 80 في المائة، رغم الوعود المتكررة بانهاء هذه الحالة، التي  تتحكم فيها أساسا الأقلية الحاكمة المتنفذة، وتتقاسمها.    

ورغم  المطالبات المتكررة  بتفعيل مجلس الخدمة العامة، بعد ان اقرّ قانونه واقرت تشكيلته ، فانه لم يباشر عمله الفعلي في  تنظيم عملية اعداد الضوابط والمعايير للوظيفة العامة، ومراقبة تنفيذها بحيادية وشفافية، بما يتيح للمواطنين التقديم الى الوظيفة على وفق الكفاءة والتأهيل، وبما يوفر الفرص المتكافئة امام العراقيين جميعا، ليتنافسوا بحرية وشفافية، ومن دون تمييز لأي سبب او ذريعة.

ان تحقيق هذا يمكن ان يفسح في المجال لتحقيق  جانب من العدالة الاجتماعية المفقودة، ولتفعيل مبدأ المواطنة، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، بدل هذه الفوضى التي تعم ميدان التعيينات حاليا، وعلى مختلف المستويات، والتعامل معها وفقا لحسابات المكرمة والربح والخسارة  !

ان استمرار الفوضى العارمة الراهنة في اسناد الوظيفة العامة، والتنكر للمعايير والضوابط السليمة في التعيين والادارة، لا بد ان يفضي الى المزيد من الترهل في مؤسسات الدولة، والى تضخم الموازنات التشغيلية، والى شل عمل المؤسسات وعدم تمكنها من اداء واجبها، وتفاقم البيروقراطية والفساد .

ان الوظائف العامة ملك للمواطنين وليست لهذه الجهة او تلك، مهما امتلكت من نفوذ وسطوة سياسية او عسكرية او مالية  او مليشاوية، ولقد حان الوقت لوقف التخريب العمد الجاري فيها .

ولا بد من الحذر كل الحذر  من ان تتحول  بلادنا الى دولة فاشلة، على ايدي من لا هم لهم سوى مصالحهم الضيقة والانانية، مهما جرت التعمية والتورية على ذلك.