تتواصل حالة الاستعصاء واستفحال الأزمة العامة، وعجز القوى المتنفذة عن إيجاد الحلول والمخارج لها. وتتكاثر كل يوم المشاكل مستعصية الحل في إطار منظومة الحكم الفاشلة، القائمة على منهج المحاصصة الطائفية – الاثنية والبناء المكوناتي.

وقد دفعت الأوضاع المتردية في بلادنا وانسداد آفاق تحسنها على يد منظومة المحاصصة والفساد الماسكة بالحكم، مجاميع كبيرة من أبناء شعبنا، خصوصا من الشباب المهمش الباحث عن أبسط مقومات العيش الكريم، إلى ساحات الفعل الاجتماعي والسياسي، ورفض هذه الحالة بأشكال ووسائل متعددة، والتحرك في اتجاه التغيير، وهو ما دلل على تحول ملحوظ في المزاج الشعبي والجماهيري وعلى الانتشار الواضح لعناوين ومؤشرات الحياة المدنية.

ورغم ما قدمت انتفاضة تشرين من معطيات جديدة وما كشفت من عورات النهج المعتمد في إدارة شؤون الدولة، فان هذا لم يدفع القوى المتنفذة الحاكمة إلى اجراء مراجعة  شاملة. فلَم تقدم على إجراء جدي وجوهري لتغيير المنهج والسلوك، وانما قامت بمحاولات للتكيف لا أكثر.

وأعلن عدد من السياسيين على حين غرة، انهم من دعاة الإصلاح. ولكن أي إصلاح، وما مداه؟ هذا ما لم تجرِ الإجابة عليه، ولن تحصل !

ولا شك في ان الأمور لم تعد كما كانت قبل الأول من تشرين 2019، فقد تدفقت مياه جديدة وحملت معها الكثير من المعطيات والمتغيرات. وساهمت الانتفاضة والحراك الشعبي والتظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات الواسعة متعددة العناوين في تشديد الضغط لإدراج عملية التغيير على جدول عمل الحياة السياسية.

فالمنظومة السياسية الحاكمة بمكوناتها المختلفة التي تحاصصت الدولة ومؤسساتها وتقاسمت النفوذ والمغانم وزرعت في مفاصلها عناصر الدولة العميقة وشبكات الفساد، تمادت من دون أي رادع في الاستحواذ على المال العام وتبديد موارد البلاد وثرواتها وإفساد مؤسسات الدولة وتضخيم أعداد منتسبيها وفق معايير الولاء السياسي والانتماء الهوياتي، بعيدا عن معايير المواطنة والعدالة والنزاهة والكفاءة وقواعد الإدارة الرشيدة، وعرّضت البلاد الى تدخلات خارجية سافرة. وفي النهاية أوصلت البلاد إلى شفير الهاوية، إن لم تكن تتدحرج فيها بالفعل، وليس هناك أفق حقيقي لوقف التداعي والانهيار مع استمرار هذه المنظومة في الحكم، وهي التي حصرت السلطة والمال والسلاح والاعلام بيد القلة، على حساب غالبية شعبنا التي تشتد معاناتها ومحنها وتتردى ظروفها المعيشة.

لذا غدا التغيير مطلبا جماهيريا واسعا، وضرورة يفرضها تطور الأوضاع في بلادنا، والحاجة إلى ضمان تطوره اللاحق والحفاظ عليه ككيان وطني موحد. وهو تغيير في المنهج وأساليب الأداء ونمط التفكير، ويعني تبني مشروع وطني ديمقراطي يستجيب لحاجات الوطن والمواطن، ويتصدى للتحديات التي تواجه بلدنا والمنطقة. كما يفتح الآفاق نحو بناء وحدة وطنية حقيقية، ويحفظ سيادتها ويجنبها التدخلات الخارجية وثلم القرار الوطني العراقي المستقل.

ومن الواضح أن التغيير المطلوب لن يتحقق إلا بتغيير موازين القوى السياسية لصالح أصحاب هذا المشروع ومناصريه وداعميه، وأن الوصول إلى ذلك يحتاج إلى حشد طيف واسع من القوى الداعمة، السياسية والمجتمعية، لخطوات إصلاحية جذرية، فيما تبقى البوصلة تؤشر الهدف وهو الوصول إلى تغيير شامل.

إزاء ذلك فان المطلوب بإلحاح من الشيوعيين والديمقراطيين وأنصار الدولة المدنية الديمقراطية العصرية، دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية، ومن سائر أنصار الديمقراطية، ومن تنسيقيات الحراك المدني والشعبي والانتفاضة المجيدة، العمل على جمع وتوحيد الصف، والمزيد من المبادرات والحراك في اتجاه تغيير موازين القوى لمصلحة الغالبية الساحقة من الشعب.

إن الحزب الشيوعي العراقي يسعى بمثابرة عبر مساهمته الفاعلة في الحراك الشعبي والجماهيري متعدد الأشكال، وعبر علاقاته مع مختلف الأوساط الاجتماعية والسياسية، إلى دفع عملية التغيير قدما حتى الخلاص من منظومة المحاصصة والفساد والطائفية السياسية، وتحقيق الوحدة الوطنية وتدشين بناء دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • من التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في حزيران ٢٠٢٠