عندما رأت “كفاح الشعب” النور يوم الحادي والثلاثين من تموز عام 1935، وراحت صحافة حزبنا الشيوعي تتحول، منذئذ، وعبر تجسيد السمة الطبقية والوطنية، الى مصدر لهذا النور، كان ذلك ايذانا بولادة صحافة جديدة تختلف، في جوهرها وفي أساليبها، عن السائد في المجتمع.

وكان صدور “كفاح الشعب” مأثرة فريدة من نوعها. ومن بليغ الدلالة أن وزير الداخلية رشيد عالي الكيلاني، عندما عاد الى بغداد بعد اشرافه على قمع انتفاضة سوق الشيوخ عام 1935، وجد على مكتبه نسخة من العدد الأول من صحيفة الحزب الشيوعي، فأطلق مقولته ذات المغزى العميق: “إن هذه الورقة أشد خطرا من ثورة سوق الشيوخ، فاذا ما ثبتت أفكارها يستحيل علينا قلعها”. وقد كان الكيلاني على حق!

لقد ظلت صحافة حزبنا تعكس، على الدوام، آلام الشعب، ومعاناة كادحيه، وتطلعات بناته وأبنائه، وأضحت، وهي تتحدى صعابا قلّ نظيرها، صوتا يصدح عاليا للدفاع عن حاجات المحرومين، والمطالبة بالديقراطية والعدالة الاجتماعية، والانتصار لقضية المرأة وحقوقها، والى أداة لتعميق الوعي، وتأجيج الروح الثورية، واشاعة الثقافة التنويرية.

وتحولت صحافة حزبنا، على امتداد عقود من تاريخها المفعم بالخِبَر والعطاءات، الى مدرسة تخرج منها أجيال من الصحفيين الشيوعيين والديمقراطيين، ممن صار كثير منهم أسماء لامعة في الصحافة والثقافة الوطنية العراقية.

وظل الشيوعيون أوفياء في صحافتهم لتلك الوصية اللينينية المضيئة من أن الجريدة، أداة التحريض السياسي والتنوير الفكري، هي “ليست فقط داعية جماعيا، ومحرضا جماعيا، وانما هي، في الوقت نفسه، منظم جماعي”. فقد طبقوا، على الدوام، وعلى نحو مبدع وملموس، هذه المقولة المرشدة.

وتجلى هذا النهج الماركسي المتسم بحيوية الصلة مع الجماهير والسير في طليعتها، في سائر صحف الحزب ومطبوعاته، وبينها: الشرارة، القاعدة، ئازادي (الحرية)، العصبة، الأساس، اتحاد الشعب، الفكر الجديد، مجلة “الثقافة الجديدة”، مناضل الحزب (الداخلية)، صحافة السجون، صحافة الأنصار، رسالة العراق، وصحف ومجلات منطقية ومحلية. فقد كانت كل هذه، وسواها، الناطق باسم قضية الشعب العادلة.

وكان من الطبيعي أن يناصب الخصوم الطبقيون حزبنا وصحافته، التي يخشون صوتها المدوي، العداء. ولم يكن غريبا على حزب الشيوعيين العراقيين أن يقدم، في قوافل شهدائه، كوكبة من ألمع الصحفيين الذين تظل أمثولتهم ملهمة وذكراهم عاطرة.

واليوم، ونحن نحتفي بعيد صحافة حزبنا الخامس والثمانين، نستذكر شهداء الصحافة الشيوعية: حسين محمد الشبيبي، عبد الرحيم شريف، عدنان البراك، شمران الياسري، سامي العتابي، اسماعيل خليل، قاسم محمد حمزة، خليل المعاضيدي، حميد ناصر الجيلاوي، ثائرة بطرس، هادي صالح، كامل شياع ... والعشرات سواهم. ونعبر، في الوقت ذاته، عن اعتزازنا بالرواد الأوائل الذين مهدوا السبيل للأجيال اللاحقة من ورثة “كفاح الشعب”، الأمناء على نهجها وقيمها.

اليوم، يواصل الصحفيون والاعلاميون الشيوعيون، المتمسكون بالقيم السامية، والقابضون على جمر المعاناة، والخائضون غمار التحدي، والفاضحون مرامي من يشنون حملات ظالمة بائسة ضد أصحاب الأيادي البيضاء، يواصلون، وسط تعمق الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الطاحنة، وتعاظم معاناة الملايين وسخطهم، تلك المسيرة الملهمة، ويتمثلون دروسها الغنية، ويمضون، وهو يحملون مشاعل الحقيقة، بعزم لا يلين، في طريق الكفاح من أجل الدولة المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.