على عكس تصريحات رئيس الوزراء والمستشارين والناطقين الرسميين، وتأكيداتهم احترام حق التظاهر والاحتجاج، والسعي الى تلبية مطالب المحتجين والمنتفضين، تقدم الوقائع على الأرض، حتى الآن، ما لا يسند ذلك.

فبعد الوعود القاطعة الجازمة بنفض الغبار عن ملف قتلة المنتفضين وتقديمهم الى القضاء، نشهد استمرار ممارسات القمع ضد فئات ومجاميع وشرائح متعددة ومختلفة ترفع مطالب خاصة، ومنهم  خريجو العلوم السياسية، وخريجو كليات العلوم، والمتعاقدون والمحاضرون وأجراء التربية، وحملة شهادات الماجستير والدكتوراه، والمتعاقدون مع وزارة الكهرباء، والموظفون المطالبون بصرف رواتبهم، وخريجو الكليات الطبية، والمحتجون على سوء الخدمات، وغيرهم .

كذلك قمع الجماهير الواسعة المحتجة على  استمرار كارثة الكهرباء، التي تتفاقم مع  تصاعد حرارة الصيف وتجاوزها نصف درجة الغليان، هذه الجماهير التي خرجت في

تظاهرات شملت محافظات ومدن واحياء ومناطق عدة في بلادنا، وأثارت وتثير تساؤلات مشروعة بشأن أزمة الكهرباء المتواصلة رغم انفاق مليارات الدولارات لمعالجتها.

وتضيف هذه الازمة أعباء ثقيلة على عاتق المواطنين، وسط تردي الأوضاع الاقتصادية والمالية  والمعيشية وارتفاع معدلات البطالة والفقر، وتفشي جائحة كورونا وازدياد  معدلات الإصابة والوفيات.

من جانب آخر لم تتوقف عمليات الاغتيال والغدر والاختطاف، مثلما  حصل للشهيد هشام الهاشمي، الذي لم تعلن الحكومة شيئا عن جريمة اغتاله والقائمين بها رغم مرور أسابيع عدة على اقترافها.  وقد اضيف الآن الى المسلسل المقلق هذا اختطاف الناشطة الألمانية هيلا ميفيس، على مرأى ومسمع القوات الأمنية  وفِي شارع مكتظ ومؤمّن من شوارع بغداد .

 وفي اثناء ذلك يبقى الناشر مازن لطيف والكاتب والإعلامي توفيق التميمي، والمحامي علي جاسب حطاب، والناشط  واعي المنصوري، وغيرهم ممن تعرضوا الى الاختطاف والتغييب القسري، مجهولي المصير!

ان استمرار الاعتداءات على المحتجين والمتظاهرين وحالات الاختطاف والتغييب القسري والاغتيال السياسي، لا يمكن وصفه الا بكونه محاولة بائسة لتكميم الافواه، ومصادرة الحق الدستوري في التظاهر والاحتجاج والتعبير عن الرأي، وهو على الضد مما  تعلنه الحكومة الحالية ومما تضمنه منهاجها.

وتتوجب الإشارة الى ان بقاء الامور على هذا الحال يزيد من حالة الاحتقان والقلق، ويثير عند المواطنين تساؤلات جدية بشأن قدرة الدولة والحكومة على توفير أجواء الامن والاستقرار، وحماية أرواح المواطنين وضمان تمتعهم بحقوقهم الدستورية.

ان هذا الملف الشائك لا بد ان يتصدر أولويات الحكومة، التي يفترض ان يكون لها موقف حازم واضح، يوقف فورا انتهاكات حقوق المواطنين، ويضبط تصرفات وسلوك  الأجهزة العسكرية والأمنية ومختلف التشكيلات المسلحة، التي ينتظر منها المباشرة قولا وفعلا  بانهاء  ملف التمرد على الدولة ومؤسساتها، وكشف الجهات التي تقف وراء جرائم اغتيال وخطف المواطنين والمحتجين والناشطين،  وتقديم الجناة الى القضاء.

ان حقوق المنتفضين خاصة الشهداء منهم لا تسقط بالتقادم، وعلى الحكومة ان تفي بوعودها في كشف القتلة والجهات الداعمة والمساندة لهم، وان تعلن أسماء الشهداء كما وعدت، واعتبارهم شهداء وفقا للقانون، ومنح ذويهم مستحقاتهم اسوة بغيرهم،  وفقا للسياقات القانونية.

كذلك لا تسقط ولا تتوقف المطالبات بالكشف عن قتلة شهداء الفكر والكلمة الحرة والموقف: قاسم عبد الأمير عجام، كامل شياع، هادي المهدي، احمد عبد الصمد، علاء المشذوب،  وغيرهم من الشهداء البررة.

ان حياة المواطن العراقي هي الأغلى والأعز، ولا يمكن المساومة عليها في أي حال،  الامر الذي يشكل تحديا للحكومة.  ونحن ننتظر مع المواطنين الإجراءات الفعلية، وإقران القول بالفعل. فإن تحقق ذلك فانه يبعث رسالة تطمين،  ويؤشر أملا في  ان يرى الانسان العراقي أخيرا شعاع ضوء في نهاية النفق.