متابعة “طريق الشعب”
أكد سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، رائد فهمي، ان العراق يواجه اليوم نوعين من الأزمات الشديدة ظرفية وبنيوية، مشيراً الى ان حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي جاءت اثر حراك سياسي واجتماعي احتجاجي واسع مطالبة بالتغيير والاصلاح والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد وتعزيز القرار الوطني العراقي المستقل. وبين فهمي في حوار مع جريدة «النهار» الكويتية نشر بتاريخ (16 تموز 2020)، ان الموقف من الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة ينطلق من مدى توافق مساره وانسجامه ونتائجه مع مبدأ رفض الوجود العسكري الأجنبي وبناء قواعد لقوات اجنبية في بلادنا.. وفيما يلي تفاصيل الحوار:

 كيف تقرأ الوضع السياسي العراقي اليوم؟

رائد فهمي: العراق يواجه اليوم نوعين من الأزمات الشديدة، ظرفية ناشئة انتشار وباء كورونا وآثاره الصحية والاجتماعية والاقتصادية التي تشكل تحديات كبيرة للمنظومة الصحية العراقية المتهالكة اصلا، اضافة الى سوء الادارة والفساد الذي شاب ادارته، اضف الى ذلك الصعوبات الاقتصادية المترتبة على الاجراءات الوقائية التي اتخذتها الدولة، كالحظر الجزئي والكلي ومنع التجوال وفرض اغلاق الكثير من المرافق والنشاطات الاقتصادية الخدمية كالمراكز التجارية والمطاعم والفنادق ما فاقم من مشكلة البطالة وخلق مصاعب معاشية جمة لفئات وشرائح اجتماعية واسعة في القطاعات غير المنظمة التي توقف مصدر رزقها اليومي.
وقد تزامنت الأزمة الصحية مع الانهيار في اسعار النفط العالمية وتقلص كميات النفط الخام التي يصدرها العراق ما ادى الى انخفاض ايرادات الموازنة العامة بنسبة سبعين في المئة تقريبا، من دون توافر مصادر بديلة ذات شأن تعوض الهبوط الحاد في العائد النفطي. ونتيجة لهذه التطورات باتت الدولة تواجه صعوبة جدية في دفع الرواتب والأجور والمعاشات التقاعدية وتمويل شبكة الحماية الاجتماعية والبطاقة التموينية وغيرها من الالتزامات الأساسية. وتثير هذه، مع عدم وجود صورة واضحة عن الحلول والمخارج لهذه الأزمة، القلق البالغ لدى غالبية شعبنا وتزيد من حالة التذمر الشعبي.
والى جانب هذه الأزمات الظرفية، يواجه العراق ازمات بنيوية على الصعيدين السياسي والاقتصادي، فعلى الصعيد السياسي تجري عملية اعادة بناء الدولة العراقية بعد عام 2003 على اساس المحاصصة الطائفية والأثنية التي يتم بوجبها تقاسم مواقع الدولة ومنافعها بين الكتل السياسية الممثلة للمكونات الطائفية والقومية العراقية. وقد اثبتت تجربة السنوات الماضية فشل هذا البناء كما يدلل على ذلك سوء اداء مؤسسات الدولة وانتشار الفساد في مفاصلها والتردي في الخدمات العامة وفي البنى التحتية.
وعلى الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، تكرس الطابع الريعي للاقتصاد العراقي وتضاءلت مساهمة قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات الانتاجية في توليد الناتج القومي الاجمالي وتحول العراق الى سوق استهلاكي يغذيه استيراد السلع والخدمات من دول الجوار والعالم بمبالغ تزيد على الخمسين مليار دولار سنويا.
ان حكومة مصطفى الكاظمي جاءت بعد حراك سياسي واجتماعي احتجاجي واسع وانتفاضة شعبية باسلة قدمت المئات من الشهداء والضحايا مطالبة بالتغيير والاصلاح والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد وتعزيز القرار الوطني العراقي المستقل. والحكومة مطالبة بالاستجابة للمطالبات الشعبية ووضع البلاد على سكة الاصلاحات العميقة وتغيير منظومة حكم المحاصصة والفساد وهي مثقلة بتركة السياسات والممارسات الخطأ والفاشلة للسنوات السابقة ومحددات الأزمة الصحية والمالية وفي ظل اجواء التوتر الأميركي- الايراني وانعكاساته على الوضع السياسي الداخلي العراقي.

  • كيف تقيم خطوات الحكومة الجديدة حتى الان؟

    رائد فهمي: لقد ادرج الكاظمي في منهاجه الحكومي مجموعة من التعهدات والأهداف التي تستجيب للمطالب الشعبية، ومن اهمها تنظيم انتخابات مبكرة وتوفير شروط عدالتها ونزاهتها بعيدا عن تأثيرات المال السياسي والسلاح غير المنضبط، ومحاسبة قتلة المتظاهرين واتخاذ خطوات عملية في محاربة الفساد وتحريك ملفات الفاسدين وضبط سيطرة الدولة على مرافق اقتصادية سيادية مهمة، كما التزم رئيس الوزراء باجراء اصلاحات ادارية ومالية في اجهزة الدولة كمراجعة آليات تعيين شاغلي الدرجات العليا والخاصة في الدولة، ويتم اشغال معظم هذه الدرجات الآن على اساس المحاصصة بعيدا عن معايير الكفاءة والنزاهة والخبرة، كما وعد الكاظمي وأكد على تنفيذ القرارات الديوانية المتعلقة لحصر السلاح بيد الدولة، واعتماد سياسة متوازنة في علاقات العراق الخارجية تنطلق من المصالح العليا للبلاد وحفظ سيادتها الوطنية وتأكيد قرارها الوطني المستقل. وفيما يتعلق بمواجهة الأزمة الاقتصادية والأزمة الصحية فقد تعهدت الحكومة بتجنيب الفقراء وذوي الدخل المحدود تحمل اعباء الأزمة وفقا لاعتبارات العدالة الاجتماعية، وتوفير الدعم المطلوب للمؤسسات الصحية وكوادرها في مجابهة جائحة كورونا واتخاذ الاجراءات الوقائية الضرورية للحد من انتشار الوباء.
    ان ما تحقق على الصعيد التنفيذي ما يزال محدوداً ولم يتلمس المواطنون اثرا ايجابيا ملموسا لها، بل ان بعض الخطوات كانت غير موفقة لم تعكس ترتيبا سليما للأولويات، كالاستقطاعات على الرواتب التقاعدية، والتي تراجعت عنها الحكومة لاحقا.
    مع قصر المدة الزمنية التي مضت على تولي الحكومة لمسؤوليتها ينبغي التشديد على اهمية ان تكون خطواتها واجراءاتها التي تنطلق من نوايا وتوجهات ايجابية، مدروسة جيدا بجميع ابعادها وأن تتم وفق اولويات صحيحة وأن يجري التمهيد لها جيدا على المستويات السياسية والاعلامية والقانونية، اضافة الى الآليات العملية للتنفيذ. وعلى الصعيد الاعلامي نرى ان لا يستبق الاعلان والتصريح كثيرا الاجراءات العملية، فمن الأفضل والأكثر تأثيرا وصدقية ان يكون الاعلان متوافقا زمنيا مع الاجراءات المتخذة. ويصح ذلك بشكل خاص بالنسبة للخطوات التي اعلن رئيس مجلس الوزراء انه يزمع اتخاذها بشأن تغييرات في شاغلي الدرجات الخاصة ورؤساء الهيئات والسيطرة على المنافذ الحدودية، وهي خطوات مهمة ومطلوبة ستواجه على الأرجح بمقاومة شديدة من حيتان الفساد ومن الجهات المستفيدة من الأوضاع الراهنة ما يستوجب التحوط جيدا للأشكال المختلفة التي يمكن ان تتخذها مقاومة هذه الاجراءات ووضع المعوقات امامها وأن تحرص الحكومة على توفير جميع متطلبات نجاح اي خطوة تقدم عليها وعدم التراجع عنها. ان التحديات جسيمة وتحتاج الى ارادة سياسية قوية وقرارات حازمة وادارة حكيمة وحاذقة تستند الى الارادة الشعبية الطامحة الى التغيير والخلاص من منظومة المحاصصة والفساد.

    هل فشل العراق في السيطرة على وباء «كورونا»؟

    رائد فهمي: شهدت الأسابيع الأخيرة ارتفاعا مقلقا في اعداد الاصابات والوفيات بوباء كورونا في مختلف المحافظات العراقية، وفي بغداد بشكل خاص. وصدرت تصريحات من خلية الأزمة الحكومية ومن ممثل منظمة الصحة العالمية تحذر من احتمال خروج الوباء عن السيطرة وامتلاء المستشفيات وازدياد عدد الاصابات والوفيات في صفوف الطواقم الطبية.
    ومن ينظر الى منحنى الاصابات في العراق يلاحظ استمرار تصاعده في حين ان السياسات الوقائية والعلاجية السليمة يفترض ان تؤدي الى انخفاضه وتسطيح المنحنى، وهذه مؤشرات عدم فاعلية السياسات والاجراءات المتخذة حتى الآن.
    وتعزو خلية الأزمة ومنظمة الصحة العالمية هذا الانتشار المتسارع للوباء لضعف التزام المواطنين بالاجراءات الوقائية وبتطبيق توجيهات خلية الأزمة، كما تتحمل الأجهزة الأمنية جزءا من المسؤولية لعدم حزمها في تطبيق اجراءات الحظر معاملته من زاوية امنية ضيقة لا تولي الاهتمام الكافي لجانبه الصحي. يضاف الى هذا كله الضعف البنيوي لمنظومتنا الصحية التي عانت وما تزال من قلة التخصيصات المالية وسوء الادارة والفساد وتهالك البنى التحتية.
    رغم ارتفاع الاصابات والوفيات في العراق، لا تزال معدلاتها ادنى مما هي بكثير في البلدان ذات المنظومات الصحية المتطورة كالولايات المتحدة والعديد من الدول الأاوروبية، لذا يمكن القول ان معالجة الأوضاع وحصر انتشار الوباء امرا ممكنا اذا ما تم اتخاذ اجراءات حازمة وفعالة في توفير التمويل المالي للقطاع الصحي وتحسين ادارة الأزمة وتطبيق الاجراءات الوقائية.
    ولكن استمرار الوضع الحالي من دون اجراءات جدية وسريعة من قبل الحكومة سيؤدى الى نتائج وخيمة على الصعيد الصحي والخسائر البشرية.

    ما موقفكم من الحوار الاستراتيجي العراقي- الأميركي وهل نجح العراق في أخذ مراده من الجولة الاولى؟

    رائد فهمي: ان الموقف من الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة ينطلق من مدى توافق مساره وانسجام ونتائجه مع مبدأ رفض الوجود العسكري الأجنبي وبناء قواعد لقوات اجنبية في بلادنا، باستثناء العون العسكري المحدود ذي الطبيعة الفنية والاستشارية الذي يلبي حاجات المعركة ضد الارهاب، وتمكين القوات العراقية وتعزيز قدراتها في حماية الوطن وصيانة سيادته الوطنية. ويؤكد البيان الصادر عن الجولة الأولى للحوار احترام الولايات المتحدة للسيادة العراقية ويؤشر موافقتها على عدم اقامة قواعد عسكرية دائمة في العراق والى توجهها نحو تقليص تواجدها العسكري في العراق وسحب المزيد من قواتها، مع الاستمرار في تقديم الدعم والمساعدة في مكافحة الارهاب وفي تدريب قواتنا المسلحة وفي توسيع التعاون في المجالات غير العسكرية الاقتصادية والعلمية والثقافية وغيرها. أن تثبيت هذه المبادئ يعتبر امرا ايجابيا ولكننا نؤكد ضرورة ان يتم ترجمة هذه المبادئ في الممارسة العملية وان يتم الالتزام بها وتأكيدها في اللقاءات القادمة للحوار الاستراتيجي التي ستعقد قريبا على مستوى قيادة البلدين، سيظل الموقف معتمدا على مدى انسجام مخرجات الحوار مع مبادئ عدم التدخل في شؤون بلدنا من اية جهة او طرف، واحترام حقوق العراق ومصالحه وسيادته وقراره الوطني المستقل.

 ما رأيك في الجولة المرتقبة لرئيس الوزراء والتي تشمل واشنطن وطهران والرياض وكيف تتوقع فوائدها على العراق؟

رائد فهمي: تكتسب هذه الجولة اهمية كبيرة للظروف الداخلية البالغة الصعوبة التي يمر بها العراق بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية والصحية وحاجته الماسة لإعادة التوازن في علاقاته الاقليمية والدولية على نهجه في النأي بالعراق من المحاور الاقليمية ومن التورط في النزاعات القائمة في المنطقة. وتعتبر علاقات العراق مع إيران والعربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية من الأركان الرئيسة في سياسة العراق الخارجية ولها تأثير مباشر وغير مباشر على اوضاعه الداخلية السياسية والأمنية والاقتصادية. واذا ما نجحت الزيارة في تخفيف حدة التوتر بين اميركا وايران، او تحييد تأثير هذه التوترات على العلاقات الثنائية بين العراق وهذه الدول، ستساهم عندئذ في تحقيق الاستقرار في الأوضاع الداخلية وتتيح امكانية الاستفادة من هذه العلاقات للتخفيف من ضغط الازمة الاقتصادية الحادة التي يواجهها العراق. ويتركز الاهتمام داخليا وخارجيا بشكل خاص لزيارة الكاظمي للولايات المتحدة وعما ستخرج به الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي، وبشكل خاص فيما يتعلق بمستقبل تواجد القوات الأميركية والموقف الأميركي من استمرار علاقات العراق الاقتصادية والتجارية مع ايران وعدم استعداد العراق تطبيق العقوبات الأميركية المفروضة على ايران، وعلاقة حكومة الكاظمي بالقوى السياسية والتشكيلات العسكرية الحليفة لايران.

عرض مقالات: