الرفيقات والرفاق الأعزاء

أنقل اليكم أحر التحايا من حزبنا الشيوعي العراقي وقيادته، وتمنياتهم بنجاح أعمال هذا اللقاء الأممي، الذي ينعقد في ظل تصاعد هجوم رأس المال ضد الشغيلة، الأمر الذي يضع على عاتقنا مسؤوليات جسام في التحليل العميق للتطورات في عالمنا الراهن، واتخاذ المواقف الواقعية السليمة، وتطوير كفاحنا الفكري والسياسي الطبقي من أجل تحقيق المثل السامية لحركتنا الشيوعية.
ونود أن نعبر عن امتناننا العميق لأشقائنا في الحزبين الشيوعيين التركي واليوناني على استضافة وتنظيم هذا الملتقى الأممي، وتهيئة مستلزمات انجاز مهماته. كما نعبر عن أملنا في أن يوفر هذا اللقاء فرصة لتبادل وجهات النظر وخبرة الكفاح في ظروف بالغة التنوع في أرجاء مختلفة من العالم. ونرى أنه من المهم مناقشة سبل الارتقاء بهذه اللقاءات لتتحول الى منبر أكثر فاعلية لتطوير مبادرات العمل المشترك، ووسيلة لتعزيز التضامن الأممي.

الرفيقات والرفاق الاعزاء

ان ادارة ترامب تواصل برامج التسلح والردع النووي وعسكرة الفضاء، وتثير مخاوف من اطلاق سباق تسلح جديد. ويراهن ترامب على استخدام ستراتيجية "الضغط الأقصى" عبر التلويح بمزيد من التهديد العسكري والعقوبات الصارمة. وهو ما يغذي النزاعات والحروب في منطقتنا وفي العالم، ويهيئ أرضية خصبة لنمو الحركات المتطرفة.
وعلى صعيد الشرق الأوسط أدت التطورات الخطيرة التي شهدتها منطقة الخليج وتصعيد ادارة ترامب للتحشدات العسكرية ومساعيها لتشديد الحصار الاقتصادي على ايران عبر مجموعة من العقوبات المفروضة من جانب واحد، ومن دون غطاء دولي، بعد تنصلها في عام 2018 من الاتفاق النووي، وتواصل اطلاق تصريحات غير مسؤولة من الجانبين، الى تفاقم مخاطر حرب أخرى ستكون لها نتائج كارثية، فهي ستزيد من معاناة شعوب المنطقة وتجلب لها المزيد من الخراب والدمار، ليضاف الى الخسائر الجسيمة في الأرواح جراء الحروب المتواصلة، وجرائم الارهابيين، والصراع على السلطة، وتدخلات القوى الامبريالية والاقليمية الرجعية، مثلما يحصل في سوريا واليمن وليبيا. ويدعو حزبنا الى بذل الجهود لنزع فتيل الحرب والجنوح الى السلم والحوار والتفاوض، والتشديد في الوقت ذاته على حق شعوب المنطقة في أن تختار أنظمتها السياسية وفق ارادتها الحرة من دون حروب وعقوبات اقتصادية وحصار.
وتسعى ادارة ترامب بتواطؤ مكشوف من الأنظمة الرجعية العربية الى تنفيذ مؤامرة "صفقة القرن" الامريكية – الصهيونية لتصفية حقوق الشعب الفلسطيني ومصادرة حق العودة وحل الدولتين، وحقه في اقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس.
لقد تابعنا بقلق بالغ واستنكار شديد العدوان التركي السافر على سوريا، الذي يمثل انتهاكاً فظاً للقانون الدولي ولقرارات مجلس الامن الدولي، ويتسم بتداعيات خطيرة على المنطقة وشعوبها. واننا نضم صوتنا الى الأصوات العربية والدولية المنددة بهذا العدوان، والمطالبة بوقفه فوراً ووقف التدخل الخارجي في شؤون سوريا، ودعم جهود مكافحة الارهاب والتصدي لمنظماته الاجرامية.
كما نجدد تضامننا مع نضالات شعوب المنطقة ضد الأنظمة الدكتاتورية والرجعية، بما في ذلك الاحتجاجات الشعبية في الجزائر، ومن أجل الحريات والحياة الكريمة. ونعبر عن تضامننا الثابت مع الكفاح المجيد للشعب السوداني والشيوعيين السودانيين حتى تحقيق أهداف انتفاضتهم الباسلة.

الرفيقات والرفاق الأعزاء

اننا نواصل نضالنا، في ظل ظروف صعبة ومعقدة، من أجل تحقيق الدولة المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، عبر انجاز تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة لصالح الشغيلة وجماهير الشعب، وتعزيز الاستقلال السياسي، وانجاز سيادة البلاد الفعلية الكاملة. ونرى أن هذا يمر عبر الخلاص من نهج المحاصصة الطائفية والاثنية الذي أثبت فشله.
ونشير الى أنه رغم النجاحات والانتصارات العسكرية على قوى الارهاب، فان خطرها ما يزال ماثلاً، وهو ما يتطلب مواصلة المساعي للقضاء على الارهاب عبر اجراءات فكرية وسياسية وتجفيف منابعه.
كما أن العراق يعاني من استمرار التدخلات الاجنبية، الدولية والاقليمية على النحو الذي يثلم السيادة الوطنية العراقية، ويعرقل بناء الدولة المدنية الديمقراطية، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وعلى صعيد البناء الفيدرالي والعلاقة بين الحكومة الاتحادية واقليم كردستان يرى حزبنا أن هذه العلاقة ماتزال تواجه صعوبات جدية، فهناك قضايا عالقة منذ سنوات، تتطلب حلاً عبر الحوار والتوافق على تفسير مواد الدستور، بما يضمن الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتحقيق مصالح سائر المواطنين في الاقليم وفي عموم العراق.
ومن أجل تحقيق المشروع الوطني العراقي ببعده الاجتماعي والسياسي يسعى حزبنا الى تحقيق تحالفات، سواء مع قوى وطنية ذات طابع مدني، أو مع قوى وطنية اسلامية على استعداد للعمل مع الحزب الشيوعي على أساس احترام الاستقلالية المتبادلة الفكرية والسياسية والتنظيمية، لإنجاز مشروع وطني يتضمن تحقيق اصلاحات عميقة لصالح الكادحين وسائر الشعب، بالخلاص من نظام المحاصصة الطائفية – الاثنية والفساد وبناء مقومات الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة القائمة على العدالة الاجتماعية.

أيتها الرفيقات .. أيها الرفاق

يلاحظ حزبنا أنه في السنوات الأخيرة برزت في بلادنا صراعات ذات طابع اجتماعي راحت تتقدم في المشهد على الصراعات الطائفية والاثنية. ويأتي هذا ارتباطاً باشتداد مظاهر الصراع الطبقي والاجتماعي، وتعمق التمايزات والاختلالات في توزيع الثروة، وتنامي دور الرأسمالية الطفيلية، وانعكاس ذلك في تكريس الطابع الريعي للاقتصاد العراقي.
وفي ضوء اشتداد التناقضات الاجتماعية واستمرار نهج المحاصصة وعواقبه الوخيمة على أوساط واسعة من أبناء شعبنا تعمقت الهوة الاجتماعية والاقتصادية بين فئات الشعب، وحدوث استقطاب في الثروة حيث تنامت في قطب، مقابل البؤس والفقر في شرائح واسعة، اذ يقدر عدد الذين تحت خط الفقر بحدود 8 ملايين، والأميين بحدود 7 ملايين، وهناك نقص كبير في المدارس وتدنٍ في مستوى التعليم وغياب للخدمات الصحية.
ونتيجة هذه الأوضاع المأساوية شهد العراق، خلال الأشهر الأخيرة خصوصاً، سلسلة من التظاهرات الاحتجاجية والاعتصامات، شملت فئات مختلفة، جلها من الشباب، مطالبين بفرص عمل وخدمات وحريات وكرامة وطنية وعيش كريم. ومن ضمن المحتجين حملة الشهادات العليا. وما يزال بعض هذه الاحتجاجات مستمراً على مدى أشهر في ساحات وأماكن عامة وفي مختلف أرجاء البلاد.
وتعاظمت هذه الاحتجاجات، ووجد السخط تعبيره في الانتفاضة الشعبية التي اندلعت يوم الأول من تشرين الأول "أكتوبر" الجاري. وقد مورست بحقها درجة أعظم من العنف والقمع الوحشي غير المسبوق من جانب السلطات وأجهزتها الأمنية وميليشيات منفلتة.
وعلى مدى خمسة أيام تواصلت هذه الاحتجاجات في العاصمة بغداد وعدد من محافظات الوسط والجنوب، مقابل عنف متصاعد من القوات الأمنية أدى الى سقوط ما يزيد على (150) شهيدا في احصائيات رسمية، بينهم خمسة من رفاق حزبنا، وستة آلاف جريح، بينهم العديد من الشيوعيين. كما شنت حملة اعتقالات واسعة شملت المئات من المتظاهرين والناشطين السياسيين والمدنيين، فضلاً عن تعرض وسائل اعلام الى مضايقات وغلق وهجوم على مقراتها، اضافة الى قطع خدمة الانترنت وفرض حظر التجول خلال تلك الأيام.
وقد أدان حزبنا بقوة هذه الانتهاكات، مطالباً بوقف القمع والقتل فوراً، وعبر عن دعمه المطالب المشروعة للمتظاهرين، واعتبر أن الحكومة تتحمل المسؤولية عن سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا، وطالب باتخاذ اجراءات عاجلة بحق من أصدر الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين، وأن تتولى ذلك لجان تحقيق مستقلة، على أن يتم إطلاق سراح جميع المعتقلين فوراً، ومحاسبة مرتكبي الجرائم على كل المستويات.
كما طالب حزبنا بتشكيل حكومة قادرة على تلبية مطالب الجماهير المحتجة، تتمتع بصلاحيات استثنائية، من عناصر وطنية مشهود لها بالنزاهة والكفاءة، تتصدى لمهمة اخراج البلاد من أزمتها العميقة المستعصية.
وكان حزبنا قد قدم مقترحات ملموسة لمعالجة الأزمة وتجلياتها على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، في تموز (يوليو) الماضي، قبل أشهر من اندلاع هذه الهبة الجماهيرية التي تحولت الى انتفاضة شعبية.
واذ يواصل حزبنا اليوم، على الصعيدين الشعبي والرسمي، الضغوط من أجل تحقيق المطالب المشروعة للمحتجين، فانه يرى أن هذه الانتفاضة تعبير عن أزمة بنيوية عميقة، أزمة نظام المحاصصة الطائفية، ورفض الجماهير لهذا النهج السياسي المدمر. ونعتقد أنه باتت على جدول العمل، أكثر من أي وقت مضى، مهمة احداث تغييرات سياسية عميقة للخلاص من هذا النهج، تشمل المنظومة الانتخابية، وليس الاكتفاء بإجراء تعديلات شكلية وتقديم حلول ترقيعية.

أيتها الرفيقات .. أيها الرفاق الاعزاء

لا يفوتنا، أخيراً، أن نعبر عن امتناننا للتضامن الأممي من الاحزاب الشقيقة مع شعبنا العراقي وقواه الديمقراطية وحزبنا الشيوعي في الكفاح من أجل تحقيق تطلعات الجماهير الى الحياة الحرة الكريمة في دولة مدنية ديمقراطية، وبناء عراق ديمقراطي فيدرالي موحد. وندعوكم الى اعلان التضامن مع الانتفاضة الشعبية ومطالبها المشروعة.
ان حزبنا عاقد العزم على تعزيز علاقاته مع الأحزاب الشقيقة، الشيوعية والعمالية، وكل قوى السلام والتقدم في العالم، في النضال المشترك من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والاشتراكية.

عاش التضامن الأممي !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
ألقاها الرفيق رضا الظاهر عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي
(
أزمير– في 18-20 تشرين الأول 2019)