السلام عليكم وطاب نهاركم

 واهلا بكم ونحن نحتفل سوية بالذكرى الـ ٨٥ لتأسيس حزبنا الشيوعي العراقي.

في ٣١ آذار ١٩٣٤ ولد من رحم مجتمعنا حزب لا يشبه بقية الاحزاب. حزبٌ رفع منذ ولادته شعار مكافحة الاستغلال الى جانب محاربة الاستعمار، وانغمر في النضال الوطني منحازا الى قضايا الكادحين والمحرومين والفقراء. حزبٌ كرس مواسمه كلها للنضال والعطاء لخير الشعب والوطن. لم ينل منه القمع ولم تقهره المحن.  نذر نفسه لمقارعة الظلم والقهر والاستبداد، ولمحاربة التمييز بكل اشكاله: القومي والديني والطائفي والفكري، وللوقوف بثبات ضد مصادرة الحقوق والحريات ، ولترسيخ مفهوم المواطنة والمساواة واحترام حقوق الانسان وكرامته. حزبٌ راسخٌ في مناصرته  حقوق المرأة وقضية تحررها ومساواتها، عميقٌ في إدراكه ضرورة رعاية الشباب،  وضمان تمتعهم بالحقوق والحريات المكفولة دستورياً، وتأمين اسهامهم اناثا وذكورا في بناء العراق وتقدمه ورقيه. حزبٌ لم ولا يبخل بجهد من اجل ضمان حرية الثقافة والابداع، واحترام التعددية الفكرية والسياسية والقومية في ثقافتنا الوطنية، وتوفير متطلبات ازدهارها ورعاية مبدعيها وعامة المثقفين.

انه حزبنا الشيوعي العراقي، الذي رفض دائما ويرفض كل مظاهر التطرف والتعصب والإرهاب، وشدد ويشدد على اعتماد الأساليب السلمية والديمقراطية في حلّ المشكلات الاجتماعية والسياسية، والركون في ذلك الى الدستور والقانون.

انه حزبنا المعروف بمواقفه الثابتة في دعم نضال الشعوب من اجل حقوقها القومية العادلة وفي مقدمتها الحق في تقرير المصير، والذي جسدها خصوصا في مساندته مطالب الشعب الكردي العادلة في الداخل، وقضية الشعب الفلسطيني وحقه المشروع في بناء دولته الوطنية المستقلة على ارضه وعاصمتها القدس. 

ومثلما اسهم حزبنا الشيوعي في نضالات الشعب وانتفاضاته ووثباته، وفي اطلاق ثورة  ١٤ تموز ١٩٥٨ وصيانة وليدها النظام الجمهوري ومكتسباته، فانه يساند اليوم بفاعلية الحركات الجماهيرية الاحتجاجية والمطلبية، وينتصر لمطالبها العادلة وكفاحها السلمي،  ويبذل الجهود لتوسيع صفوفها وتعظيم  دورها في دحر الطائفية السياسية والمحاصصة والفساد، وفي تأمين الخدمات وفرص العمل، وتعميق الممارسة الديمقراطية وضمان حرية الرأي والتعبير.   

 الحضور الكريم

ان الأزمة الشاملة التي تعصف ببلادنا اليوم، وحالات الاستعصاء السياسي المتكررة، والفشل في بناء الدولة وإدارتها، وتخلي الاجهزة الحكومية عن العديد من مهماتها، والناجم اساسا عن الصراع المحتدم على السلطة والثروة والنفوذ وعلى شكل ومحتوى الدولة العراقية. كذلك الصعوبات الجمة والمعاناة المعيشية والحياتية المتفاقمة لجماهير الشعب الواسعة، والمحنة التي لا تزال تعيشها نسبة كبرى من النازحين، الذين ينضم اليهم اليوم ضحايا الاضطراب المناخي وموجات الامطار والسيول الجارفة، الى جانب تلكؤ عملية الاعمار والبناء، واستشراء الفساد، وغياب الرؤية التنموية وما يرافقه من توجهات ليبرالية، والاعتماد على تصدير النفط الخام الذي تتقلب اسعاره بصورة حادة. يضاف الى ذلك ثقل التدخلات الخارجية في شؤوننا الداخلية من جانب، وانتشار السلاح والمجاميع المسلحة والعجز عن السيطرة عليها من جانب آخر.. ان هذا كله، ما برح يثير القلق على مستقبل العراق وتطوره اللاحق، كما يثير الشكوك في القدرة على ضمان حياة كريمة لائقة للمواطن العراقي اليوم وللأجيال القادمة .

ضيوفنا الاعزاء

اننا من منطلق الحرص على بلدنا وعلى مصير أجياله اليوم وغدا، وبعد الانتصارات التي حققها شعبنا والقوات المسلحة بجميع صنوفها على داعش وقوى الارهاب، ندعو كل الحريصين والتواقين الى الاصلاح في الحكومة والبرلمان، وكل القوى والأحزاب والكتل السياسية، الى وضع مصلحة الشعب والوطن فوق كل اعتبار، والسعي معا الى استكمال تشكيل الحكومة، وتفعيل دور البرلمان التشريعي والرقابي، والى إنجاز مشروع الاصلاح والتغيير الشامل، عبر نبذ المحاصصة الطائفية والاثنية، ومحاربة الفساد وقطع طريق ثماره المرّة وآخرها غرق العبارة المروّع في الموصل العزيزة، وحصر السلاح بيد الدولة، وحل الملفات العالقة بين الحكومة الاتحادية والإقليم ، واعادة اللحمة الوطنية، وحفظ القرار الوطني العراقي المستقل، وتحقيق التوازن والتكافؤ في العلاقات الخارجية، وضمان تمتع المواطنين بالحريات الدستورية، وعدم التمييز بينهم، وتوفير الخدمات الضرورية لهم، وإنقاذهم من آفة البطالة، والسير على طريق التنمية المستدامة، وبناء دولة المواطنة والديمقراطية، دولة القانون والمؤسسات.

ولنتذكر دائما ان التغيير الحقيقي الشامل هو السبيل الى تذليل كل العقبات، وتجاوز حالات الاستعصاء والأزمات وانسداد الأفاق. وان هذا التغيير لا بد ان يشمل نمط التفكير، والمنهج، وأساليب الأداء، كما يشمل الشخوص، والا فان الأزمات ستبقى تتوالد .

الحضور الكرام

فِي الاجواء الملبدة والمعقدة المخيمة على بلادنا، نسعى نحن الشيوعيون الى توسيع كُوّة الامل، بالاعتماد اساساً على الجماهير وحركتها، وقدرتها على شق الطريق امام عملية الاصلاح والتغيير، وهي العملية المُعوَّل عليها في اخراج البلاد من دوامة الأزمات. وبالاعتماد ايضا على التعاون مع بقية القوى الوطنية المخلصة، الساعية بدورها الى تحقيق الاصلاح المنشود. وفي هذا الاطار يولي حزبنا اهتماما كبيرا لاستنهاض التيار الديمقراطي العراقي ببعديه الاجتماعي اليساري والسياسي الديمقراطي، وفي الوقت نفسه يسعى لانجاح المؤتمر القادم للقوى المدنية الوطنية، واطلاق عملها المشترك لاقامة دولة المواطنة والقانون والعدالة الاجتماعية.

ولقد تحقق على هذا الطريق، عشية انتخابات السنة الماضية، ثم في مجراها، ما يستحق الاعتزاز، متمثلا في قيام تحالف سائرون، وفي احرازه الموقع المتميز في البرلمان، الامر الذي شكل خطوة مهمة نحو التغيير المنشود.

واليوم تبرز الحاجة الماسة الى تكثيف تحالف سائرون جهوده لتنفيذ برنامجه الاصلاحي، ولجعل هذا البرنامج هاجس القوى السياسية الحيّة الاخرى وعامة المواطنين. فمن دون تحقيق خطوات ملموسة على هذا الطريق، يصعب تصور إحراز إنجازات يعتد بها، وتلعب دورا ملموسا في استعادة ثقة المواطنين بالاجهزة والمؤسسات الحكومية . كما ان تحقيق مثل هذه الانجازات يتطلب منا، في تحالف سائرون، ان نُحسن تنظيم وادارة جهدنا لتنفيذ المشروع التغييري، وان نختار لهذه المهمة الكبيرة والمشرّفة، خيرة الكفاءات وخير العناصر المشهود لها بالنزاهة والوطنية والاخلاص، فنقدم بذلك النموذج الجدير بأن يُحتذى.  

ولا بد من التأكيد اننا فيما ننهض اليوم مع عموم سائرون بالدور المطلوب منا تنفيذيا وتشريعيا، فاننا - اعني حزبَنا وسائرون - منفتحون على سائر الاحزاب والقوى الوطنية الاخرى، التي تقاسمنا حمل الهم الوطني، وتسعى مثلنا لإنقاذ البلد مما هو فيه، ولتأمين حياة آمنة مستقرة كريمة للمواطنين، يسودها العدل والقانون والمساواة، بعيدا عن التطرّف والإقصاء والتهميش والتكفير والتمييز.

ايها الاحبة

في ذكرى التأسيس نحيي بفخر الرواد الاوائل، ودورهم في بناء حزب العمل والامل والوطنية، حزب النضال والتضحيات والنزاهة.

وفي العيد نستذكر شهداء الحزب والوطن الميامين، وفِي مقدمتهم يوسف سلمان يوسف (فهد)، زكي بسيم (حازم)، حسين محمد الشبيبي (صارم)، حسين احمد الرضي (سلام عادل)، جمال الحيدري، والآلاف غيرهم.  فمن مآثرهم وبطولاتهم نستمد العزم على المواصلة والعطاء من اجل حرية الوطن وسعادة الشعب.

تحية اعتزاز وتقدير الى رفاق الدرب والمسيرة الواحدة، رفاقنا في الحزب الشيوعي الكردستاني، الذين نحتفل معهم بذكرى التأسيس المضيئة.

المجد للذكرى الخامسة والثمانين

المجد لشهداء الحزب والشعب

عاش حزبنا الشيوعي العراقي

والسلام عليكم

عرض مقالات: