رشيد غويلب
اعتذر زعيم حزب العمال والمعارضة البرلمانية البريطانية عن مشاركته عام 2010 في فعالية مكرسة لاستذكار ضحايا المحارق النازية ضد اليهود، واقرار الزعيم اليساري بان تلك الفعالية شهدت طرح آراء لا يقبلها ولا يتغاضى عنها.
وجاء تصريح كوربين أثناء فعالية لاستذكار احد الناجين من معسكرات الإبادة "هايو ماير"، الذي كان حتى وفاته عام 2014 منتقدا لسياسات السلطة الاسرلئيلية بحق الفلسطينيين، وصرح حينها بأن تصرفات إسرائيل في غزة تشبه تصرفات النازية الالمانية.
وقال كوربين: "في الماضي، وخلال جهودي الرامية إلى إنصاف الشعب الفلسطيني وإرساء السلام في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، ظهرت في بعض الأحيان على منصات مع أشخاص أرفض آراءهم تماما، وأعتذر عما تسبب فيه ذلك من القلق والضيق". وكان كوربين قد اعتذر سابقا عما سماه "جيوب معاداة السامية" داخل حزب، واكد ضرورة تجاوز هذه المشكلة.
حملة عدوانية متواصلة
وعلى الرغم من ذلك، شنت صحف إسرائيلية وصحف يهودية داعمة لها في بريطانيا، في الأيام الأخيرة، حملة إعلامية واسعة النطاق ضد جيرمي كوربن، بسبب مواقفه السياسية المناهضة لإسرائيل وسياستها تجاه الفلسطينيين. ومن التهم الموجه لكوربين "العداء للسامية". ويجري في هذه الحملة توظيف المحارق النازية ضد اليهود بشكل مؤدلج. والمعروف ان هذه الحملات تتصاعد من داخل حزب العمال وخارجه ضد كوربين ويسار حزب العمال عندما تظهر استطلاعات الرأي تزايد شعبيته وارتفاع احتمال تشكيله حكومة يسارية.
وجاء في افتتاحية مشتركة لثلاث صحف مرتبطة بالمؤسسات اليهودية ، و في إطار هذه الحملة " ان حكومة بقيادة جيرمي كوربن ستشكل خطرا وجوديا على حياة اليهود في هذه الدولة"، وأن كوربن متسامح تجاه المعادين للسامية.
ودفع ثبات كوربن على رفض تفسير اسرائيل لتعريف العداء للسامية، قياديين يهود في حزب العمال البريطاني إلى مواجهته. ووصفت عضوة البرلمان اليهودية عن حزب العمال، الوزيرة السابقة في حكومة توني بلير مرغريت هودج، كوربن بأنه "معاد للسامية" ووجهت له اهانات بذيئة، بسبب تعريف الحزب للعداء للسامية.
وطالب عضو البرلمان أيان أوستين، وهو يهودي أيضا، كوربن بالتنحي عن قيادة الحزب لأنه "ليس ملائما للمنصب"، وقال إنه "يخجل من حزب العمال الذي تحول إلى مياه آسنة".
وتأتي هذه الحملة في فترة سياسية حساسة في بريطانيا، ومرتبطة بالانتخابات البريطانية المحتملة، ونتائج استطلاعات الراي التي تمنح حزب العمال فرصا كبيرة في الوصول الى السلطة وازاحة حكومة اليمين المحافظ منها. وهذا المخاوف دفعت إسرائيل، إلى الانضمام إلى الحملة ضد كوربين وانصاره، موظفة "العداء للسامية" بشكل غير اخلاقي.
الاسباب الحقيقة للحملة
استعدادا لانتخابات عامة محتملة في الخريف المقبل يحاول كوربين عرض برنامجه المعنون "ابنوا بريطانيا العظمى". ويقوم حاليا بجولة في ارجاء المملكة المتحدة. وقد كانت المدينة الصناعية في مدينة " دربي" احدى محطاته.
وفي حديث له امام الصحفيين انتقد كوربين سياسة الحكومة في "بيع العقود العامة الكبيرة للشركات في الخارج وتجاهل الحاجة إلى خلق وظائف كريمة في المملكة المتحدة". وسيعطي المحافظون الأولوية الى "مصالح المضاربة في بورصة لندن" ، بينما يتجاهلون حاجات أحيائنا". وعلى النقيض من ذلك ، فإن حكومة حزب العمال المقبلة سوف "تدعم الصناعة البريطانية بالكامل وتعيد برمجة اقتصادنا".
ولم تتحمس المؤسسات الاقتصادية الراسمالية لخطط "اعادة البرمجمة". وانتقد تصريح صحفي لاتحاد رجال الأعمال تصريجات كوربين واعتبرها "حمائية"، وادعى الاتحاد ان زعيم حزب العمال يتحرك في مسار مماثل لمستوى تحرك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وبدات قيادة حزب العمل تواجه مقاومة من المؤسسات الرأسمالية، لمنع تنفيذ سياسة اقتصادية جديدة. وفي سياق هذه المواجهة نشرت صحيفة "التايمز" اليومية تقريرا عن نتائج لحلقة الدراسية لحكومة الظل المشكلة حاليا من قبل حزب العمال. ومن بين امور اشارت اليها الجريدة، اعلان وزير الاقتصاد الظل جون ماكدونيل عن تشكيل طاقم محامين، مهمته الدفاع عن خطط تأميم السكك ، والاتصالات، وإمدادات المياه ضد موجة متوقعة من الدعاوى القضائية من المؤسسات الراسمالية.
وفي ما مر ذكره يكمن خوف البرجوازية البريطانية ، ففي 30 حزيران علق الكاتب روبرت شرمسلي في "فاينانشيال تايمز" قائلاً: "إن نظرة كوربين الى العالم تستند إلى معاداة أمريكا. وإنه يريد إلغاء الأسلحة النووية وإيقاف التعاون مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية. وينطبق نفس الشيء على السياسة الداخلية. وعندما يضع جون ماكدونيل وزير اقتصاد الظل ضوابط على رأس المال ، فعلينا أن نأخذه بجدية". لقد حمل المقال عنوان:"صراع حزب العمال بشأن معاداة السامية يكشف حقيقة أعمق عن كوربين". وهكذا أصبحت معاداة السامية شماعة للخوف من برنامج انتخابي يساري. والمشاركون في نشر هذا الخوف هم اليمين والدوائر البرجوازية العسكرية الذين حملة راية مناهضة "العداء للسامية" المزعوم.