ترجمة: رشيد غويلب
الهجرة كتحد لليسار
منذ صيف عام 2015 حين فتحت الحدود الألمانية أمام العديد من اللاجئين، وخاصة من مناطق الحرب في سوريا، الذين تقطعت بهم السبل في المجر والنمسا وكذلك في دول البلقان، كان الراي العام الألماني يناقش بانفعال مرة أخرى قضايا اللجوء والهجرة، ويختلف بشأنها. لقد شهدت أوائل التسعينيات خطابا وحرب خنادق مماثلة. بعد التوحيد غير الديمقراطي للدولتين الألمانيتين، من الواضح أن عدداً كبيراً من طالبي اللجوء، وخاصة من أوروبا الشرقية، استغل من قبل الأحزاب المحافظة والحكومة لخلق مزاج قومي. ونتيجة لذلك، أُلغي حق اللجوء الأساسي فعلياً في عام 1993 (تعديل قوانين اللجوء في سياق السياسات الليبرالية الجديدة للمستشار السابق غيهرد شرودر- المترجم)؛ بموجب هذا التعديل، تمت الموافقة على أقل من واحد بالمائة من 600 ألف طلب لجوء قُدمت في عام 2017 (جريدة تاتس في 9 آب 2018). في عام 2015، كان تصريح ميركل في 31 آب “يمكننا انجاز ذلك”، يعبر عن جديد، وتعامل إيجابي مع استقبال اللاجئين، وأن الأوساط المهمة في الحزبين الديمقراطي المسيحي وشقيقه الاجتماعي المسيحي، تعترف الآن بوجود الإسلام في ألمانيا، وكانت صديقة للاجئين لفترة وجيزة، وأن حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف، الذي دخل في أزمة بعد تأسيسه في نيسان 2013، تمكن، في هذه الفترة، من خلال تصعيد العنصرية ضد اللاجئين، ترسيخ وجوده. واشتكى ناشطو المساعدات الإنسانية ودعم اللاجئين من أن السلطات غالباً ما تكون مرهقة ولا تستطيع تقديم المساعدة المطلوبة، بعد تقليص البنية التحتية الواسعة لمساعدة اللاجئين، والتي كانت موجودة في التسعينيات، بشكل كبير، إثر إقرار اتفاقية دبلن (إعادة اللاجئين القادمين عبر بلد ثالث – المترجم). ولهذا تولت منظمات المجتمع المدني والعديد من المساعدين المتطوعين مهام (المشورة، الإمدادات الغذائية، المبيت). وانتقد المحافظون واليمينيون الحكومة، واصفين تصرفها بـ “غير المسؤول”، وانها سلمت الدولة لتوغل اللاجئين بطريقة خارجة عن السيطرة. ويجب ألا يتكرر صيف 2015 مرة ثانية، أي أن على الدولة أن تكون قادرة في المستقبل على صد اللاجئين عند الحدود، إذا لزم الأمر.
كان تقديم المساعدة وإبقاء الحدود مفتوحة كما هو مطلوب بموجب القانون الدولي ضروريين لإنقاذ حياة الناس، ومدعومين (حتى اليوم) من قبل غالبية السكان الألمان. هذه الأكثرية التي اذهلتها التغطية الإعلامية، التي أثارت مرارا فضيحة مقتل اللاجئين الفارين من مناطق الحرب، والمهاجرين الذين غرقوا في البحر الأبيض المتوسط. وكان الاستقطاب في المناقشات، قد بدأ منذ تشرين الأول 2014، بسبب التظاهرات الأسبوعية في مدينة درسدن التي نظمها القوميون الأوربيين ضد اسلمة الغرب وضد اللاجئين، وهو مشهد اهتمت به وسائل الإعلام بشكل مفرط. وفي التقارير الإعلامية، في التعليقات، في البرامج الحوارية أو في تصريحات السياسيين، غالباً ما تتم تغذية العنصرية والعداء للاجئين تحت غطاء تفهم مخاوف الناس والمواطنين. ونتيجة ذلك، تمكن حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف من تحقيق نجاحات انتخابية، وخصوصا ترويج وسائل الاعلام بشكل كبير الأحداث التي وقعت في كولونيا عشية رأس السنة الجديدة 2015/2016، وانتقاد ميركل والطبقة السياسية، وتحميلها بشكل متكرر المسؤولية الشخصية عن الهجمات وأعمال العنف التي قام بها مهاجرون ولاجئون، منح حزب البديل من أجل ألمانيا صدى هائلاً ومكّنه من التعبير عن استياء واسع النطاق من الحاكمين. وبدعم نشط من عدة جهات فاعلة محلية وأجنبية، شملت الدائرة الاتحادية لحماية الدستور (المخابرات الألمانية - المترجم) تحت قيادة هانز جورج ماسن (رئيس المخابرات الألمانية 2012 – 2018، احيل على التقاعد بسبب تعاطفه مع اليمين المتطرف – المترجم)، وكذلك شخصيات في محيط حزب الشعب السويسري (حزب محافظ شعبوي يمتلك الكتلة الأكبر في البرلمان السويسري- المترجم)، نجحت في تكثيف وجعل التناقضات الاجتماعية المختلفة في ملف الهجرة سببا وهميا؛ ودعت إلى إغلاق الحدود، وإعادة المهاجرين واللاجئين إلى حد استخدام الأسلحة النارية والترحيل الصارم. وقد تبنت عمليا الحكومة الألمانية وكذلك الاتحاد الأوربي الكثير منه. ووقع الاتحاد الأوروبي معاهدات مع تركيا وليبيا لمنع اللاجئين والمهاجرين من دخول البلاد ومغادرتها. ويحاول الاتحاد منع وتجريم المساعدات الإنسانية المقدمة للاجئين وتطوير فرونتكس (وكالة اوربية تملك إمكانات عسكرية كبيرة مهمتها غلق الحدود البرية والبحرية الأوربية - المترجم) لتصبح قوة بوليسية أوروبية. عبر اتفاقات مع حكومات أفريقية، وبالاستناد إلى أحدث تقنيات المراقبة، يتم إنشاء انظمة مراقبة واسعة النطاق للحدود والطرق بالإضافة إلى معسكرات مؤقتة في مناطق بعيدة، وصولا الى مناطق جنوب الصحراء الكبرى من أجل إعاقة أو منع الهجرة الى ابعد حد ممكن. ويتم جمع اللاجئين في النقاط الساخنة ومنعهم من مواصلة رحلتهم. وهنا يبقى الكثير منهم عالقين في مجمعات إدارية، في مكان ما لشهور طويلة. ويتم احتجاز طالبي اللجوء في الموانئ، حتى يتم اتخاذ قرار بشأنهم، بحيث يمكن ترحيلهم بسرعة إذا لزم الأمر. وعلى نحو متزايد، يتم الإعلان عن العديد من الدول “الآمنة” للقيام بعمليات الترحيل. وحتى الذين تم دمجهم لغوياً ومهنياً، يتم ترحيلهم على الرغم من النقص الواضح في الايدي العاملة. ويتحدث ممثلو الحكومة بطريقة مهينة عن اللاجئين والمهاجرين:
“لحوم بشرية”، “غزاة”، “مجرمون غير شرعيين”، “سائحو اللجوء”، ويُشوه داعمو اللاجئين بوصفهم “سيارات أجرة المنظمات غير الحكومية” أو “صناعة مناهضة للترحيل”، وتتأجج المخاوف وبالتالي يتم تشجيع الابتعاد عن التضامن وسوء المعاملة والاعتداءات الجسدية.
كان اليسار ولا يزال منقسماً حول كيفية التعامل مع ملفات اللجوء، والهجرة. وقوانين حقوق الإنسان والقانون الدولي ليست مطروحة للنقاش. وبعض اليسار يشير إلى أن قدرات الدولة ومواردها مثقلة بأعباء ثقيلة، أي سلطات منح الموافقات، والبلديات التي يتعين عليها تقديم المساعدات المالية، والسكن، أو دورات اللغة، والمدارس والمعلمين. يُخشى من أن تكون هناك منافسة على فرص الإسكان والعمل، خاصة بالنسبة لذوي الدخل والمؤهلات المتواضعة، لأن الكثير من المهاجرين واللاجئين هم من ذوي التأهيل البسيط. ويدور الخلاف حول ما إذا كان من الممكن المطالبة بإبقاء الحدود مفتوحة وقبول جميع القادمين، أو ان هناك حاجة إلى وضع سقف للقبول، وتجاوز الصيغ القانونية السابقة، وان هناك حاجة لقانون للهجرة. وهناك خشية من ان ترك الأمور مفتوحة يمكن ان يشجع المزيد من الناس على الهجرة.
ومن منظور أبحاث الهجرة، وبعيدا عن الكثير من اللغط، لا يمكن توقع ذلك، لأن الكثير من الناس لا يهاجرون أصلا، أو يهاجرون فقط إلى المناطق المجاورة. ولكن ليس واضحا أيضاً متى ستصل بلدان المهاجرين الام إلى وضع تنخفض معه معدلات المهاجرين منها. وحتى لو كان من الممكن قبول عدد أكبر من الناس، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما العدد الممكن، في حال توفير دولة الرفاهية الدعم المطلوب، وان لا تترك الهجرة ببساطة لعمليات سوق العمل أو الإسكان.
على أية حال، لا يهاجر الناس لأسباب سياسية أو دينية فقط أو لأنهم في عوز محدق، ولكن لأنهم لا يرون أية آفاق مستقبلية لهم ولأطفالهم في بلدانهم الأصلية، يمكن مقارنتها بتلك الموجودة في بلدان المهجر، بسبب الافتقار إلى التنمية الاقتصادية والتخلف الثقافي، أو العلاقات القائمة على التبعية وعدم المساواة. تحتاج مجموعات المهاجرين هذه إلى طرق هجرة آمنة، وتغيير في الممارسات الإدارية، وتأهيلهم لسوق العمل الألماني ودمجهم فيه، حتى لا يتم تدمير الأفراد وآفاق حياتهم. يجب أيضاً الاعتراف بأن بعض المهاجرين يريدون أيضاً العيش في مجتمعاتهم الخاصة، أي ما يسمى بالمجتمعات الموازية، وتطوير اقتصادهم هناك، وأن لديهم بالفعل مؤهلات وأن اكتساب اللغة ليس ضرورياً تماما للاندماج الناجح. وبالنسبة للمجتمع الألماني، فإن المهاجرين الموجودين في أوطانهم في العديد من البلدان ليسوا ضررا، كما زُعم في حالة لاعب كرة القدم أوزيل (نجم الماني سابق تركي الأصل - المترجم)، بل هم مفيدون، لأنهم وسطاء اقتصاديون، سياسيون وثقافيون.
ان قانون هجرة قائم على التضامن من شأنه أن يحد بالضرورة من الهجرة. لذلك فإن العديد من اليساريين لديهم شكوك حول ما إذا كان تنظيم الهجرة هو النهج الصحيح، لأنه مرتبط دائماً بمجموعة مختارة من الناس. لهذا يتبنون جعل الحدود المفتوحة ويرفضون أي شكل من أشكال التسلط على الحدود الأوروبية. ومع ذلك، هذا لا يكفي لتحديد سياسة يسارية. لأنه في هذه الحالة أيضاً، يكون القرار بشأن تحديد من هو المهاجر “أعمى” إلى حد ما. وعليه لم يعد الحاسم هو القوانين المتفق عليها ديمقراطيا، إدارات او شركات، بل يتم اتخاذ القرارات من قبل العديد من الأفراد أو داخل العائلات التي تقرر الهجرة والتي يمكنها توفير الموارد المطلوبة بطريقة ما. وايضا لا تتجاوز الهجرة الطابع الطبقي لبلدان المهجر، وسيكتشف المهاجرون عاجلاً أم آجلاً طابعها عالي الحداثة، الذي يتحرك خلف واجهة مجتمع يؤدي وظائفه بشكل جيد، ويجب عليهم أن يدركوا، انه على الرغم من كل الجهود التي يبذلونها، يظلون، هم وأطفالهم، أسري مواقع طبقية اجتماعية. وليس اليسار بمفرده يطرح السؤال عن كيفية التعامل، من وجهة نظر تحررية، مع نظام غلق الحدود. فما دامت هناك دول، هناك حدود. يتم توصيف الدول، من بين أمور أخرى، من خلال تعريف السلطة على السكان والمساحة. والحدود ليست مفتوحة. ولا يمكن للمطالبة بحدود مفتوحة إلا بفتح نسبي لحدود الدولة، وإلا فإن الوضع المقصود، هو ان تعيش البشرية معاً كوحدة واحدة وبدون جنسية، وأن تزال الحدود الدولية. وإذا كانت الدولة شكلا من أشكال الحكم، فيجب أيضاً التمييز بين الذين ينتمون إلى الدولة، ويتمتعون بحقوق معينة، ويشكلون جزءا من توازن القوى الاجتماعية القائم، وبين الوافدين اليها، ولكن وبالاستناد الى قواعد محددة ـ يمكنهم الانتماء إليها او عدمه ـ فان الاعتراف بالمواطنة والحقوق المرتبطة بها، هو دائما توافق يجري الصراع بشأنه بين الطبقات الاجتماعية. والقومية والعنصرية هما نمطان أيديولوجيان في هذه النضالات من أجل المواطنة. ويجب محاربة هذه الأنماط لأنها موجهة أيضاً ضد اليسار واهداف التحرر. وبدءا فان السؤال المطروح يتعلق بالسياسة التي ينتهجها اليسار تجاه المهاجرين الذين يعيشون في ألمانيا كدولة مهجر. ويجب ان يتم التركيز على كيفية كسب هؤلاء لمشروع اشتراكي – ديمقراطي. والمهم بالنسبة لمثل هذه السياسة، امتلاك تصور حقيقي. من هم هؤلاء المهاجرون، ماهي اهتماماتهم، كيف ينظمون سياقات حياتهم، وكيف ترتبط بسياقات الحياة في مجتمع بلد المهجر.
الهجرة ونظرية الهيمنة عند غرامشي
يمكن ان يكون تناول أفكار أنطونيو غرامشي في المناقشة الحالية محفزا، لأن غرامشي يشير إلى جوانب معينة من الهجرة يتم دفعها حالياً إلى الخلف بسبب الخلاف حول نظام الحدود. يتعامل غرامشي مع الهجرة الداخلية في إيطاليا والهجرة الى خارجها. لقد بحث في قضايا الطبقة والسياسة الطبقية، وكذلك علاقتهما بالعنصرية. وكمهاجر من الجنوب الإيطالي إلى الشمال الصناعي، تعلم غرامشي كيف تتم عملية التمييز ضد المهاجرين، وكيف يتم استخدامهم من قبل الحكام ضد اليسار الإيطالي في الشمال، وكيف يمكنهم التضامن مع بعضهم البعض. لقد جعل بوضوح مسألة تركيبة السكان ووظيفة الهجرة في إيطاليا أحد الموضوعات الرئيسية في “دفاتر السجون” (غرامشي 1991، 67).
كان الهدف الأساسي لفلسفته في الممارسة هو التدقيق الجذري في التقاليد البرجوازية والاشتراكية، فكلاهما لم يفهم المعنى الكامل لتلك النظرة العالمية الجديدة التي أعطاها ماركس زخماً حاسماً، والتي تقف في قلبها الممارسة التاريخية الملموسة للمعرفة والتشكيل النشط والواعي للعالم الطبيعي والمجتمعي من قبل جميع الناس. ينتقد غرامشي حقيقة أنه في هذه الممارسات التاريخية، يُنظر إلى حيوية القدرة على العمل والكفاءات الفكرية لمعظم الناس فقط على أنها أدوات تنفيذية متاحة لإرادة أقلية من أجل الوصول الى أغراضها. ان نتيجة هذه السيادة المتاحة على ثروة عمل التابعين، يجب ان تبقى أفكارهم ومشاعرهم غير موحدة، ومتعارضة. وهذا مرتبط بالتطور التقدمي لأجهزة الإنتاج، والسيطرة التقنية على الطبيعة. لكن كل شيء يتم تنظيمه من قبل الحاكمين بحيث لا يستطيع التابع أن يطور تفكيره وشعوره بناءً على عمليات العمل المتقدمة. ولذلك يظلون متخلفين عن أشكال الحياة الحديثة في كثير من النواحي. وتفكيرهم وشعورهم متعارض، وحسهم السليم غريب، إنهم رجال كهوف ومعاصرون للغاية في ذات الوقت. “إذا لم تكن النظرة إلى العالم نقدية ومتماسكة، بل عرضية وغير مترابطة، فإن المرء ينتمي، في الوقت نفسه، إلى عدد كبير من الناس، وتتكون شخصيته بطريقة غريبة: تحتوي على عناصر من انسان الكهوف ومبادئ العلوم الأكثر حداثة وتقدماً، والأحكام المسبقة من جميع المراحل التاريخية الضيّقة الأفق السابقة والمحلية والحدس لفلسفة المستقبل التي ستكون مشتركة بين الجنس البشري الموحد في جميع أنحاء العالم. إن انتقاد المرء لوجهة نظره إلى العالم يعني، جعلها موحدة ومتماسكة ورفعها إلى النقطة التي وصل إليها التفكير الأكثر تقدمًا في العالم” (غرامشي 1994، 1376).
يربط غرامشي فلسفة الممارسة، كرؤية جديدة للعالم مع التوقع أنها ستساعد في التغلب على التمييز العالمي التاريخي بين العمل الذهني واليدوي. وتبدو الحضارة ونمط الحياة الجديدان، بالنسبة له، ممكنين ومرغوبين؛ حيث تتاح لجميع الأفراد الفرصة لإيصال أفكارهم ومشاعرهم إلى أرقى مستوى من التطور الاجتماعي وبالتالي تمكين أنفسهم من المشاركة في تشكيل الحياة المشتركة وعدم الانقياد للآخرين. ولا ينبغي ان يكون هناك تابعون، ولا قادة ولا مدراء. “فلسفة الممارسة [...] ليست أداة الحكومة التي تستخدمها الجماعات الحاكمة لتحقيق الإجماع وممارسة الهيمنة على الطبقات التابعة؛ إنها تعبير الطبقات التابعة التي تريد تربية نفسها على فن الحكم والمهتمة بمعرفة كل الحقائق، وتجنب الاحتيال غير السار و (المستحيل) للطبقة العليا، وأكثر من هذا تجنب ذاتها” (غرامشي 1994، 1325). وعندما يحكم الناس بأنفسهم، فستكون هناك أيضاً علاقة بين من يقود ومن يقاد، بين من يحكم ومن يُحكم، لذلك لن يكون هناك أي هيمنة أيضاً، لأن الأفراد يحكمون أنفسهم ذاتيا.
استنادا الى تجربة رقاص فوكو (نسبة الى الفيزيائي الفرنسي ليون فوكو 1819 - 1868 – المترجم) يلاحظ اليوم صحة نقد الليبرالية الجديدة، في انها تستخدم تقنية سلطة قيادة القيادة الموروثة من التقاليد المسيحية. ويشمل ذلك أيضاً تقنيات قيادة الذات، التي بواسطتها يوجه الأفراد أنفسهم طوعياً وبقناعة عقلانية كاملة واهتمام بأنفسهم، مع مراقبة واختبار ذاتيين، استشارة، توجيه أو دعم علاجي، لتطوير وتعزيز وتكثيف الخصائص الجسدية والنفسية والاجتماعية التي تسمح لهم بمواءمة ذواتهم مع متطلبات الاستغلال الرأسمالي المكثف: أي ممارسات العمل، وأنماط الاستهلاك، والسلوك الترفيهي، وعادات الأكل، والأنشطة الرياضية، والرعاية الصحية. على الرغم من أن غرامشي يضع كل هذه الجوانب في الاعتبار أيضاً، إلا أنه بعيد جداً عن مثل هذا المعنى الليبرالي الجديد للمصطلح. ان القدرة على التحكم في الذات تعني: ان لا تكون تابعا، وعدم السماح للآخرين بأن يسيّروك وفق منافعهم، ولكن تنظيم جهاز الإنتاج الاجتماعي والعمل الاجتماعي وتقسيم العمل والعادات والمعرفة والمشاعر التي يمكن أن تحدد نمط الحياة مع الآخرين.
عندما يعالج غرامشي أشكالاً معينة من تقسيم العمل، فإن هذا يتضمن دائماً شكلاً معينًا من توزيع السكان - وهي مشكلة يصفها غرامشي بمفهوم النسب العقلانية لتركيبة السكان. ان هذا المصطلح أكثر جوهرية من مصطلح سوق العمل، لأن سوق العمل لا يمثل سوى آلية محددة، وهي آلية رأسمالية وغير عقلانية لتركيبة السكان، وعلى الرغم من كل محاولات التوجيه (يؤدي إلى العمالة الزائدة، ويولد أشكالًا مختلفة من الزيادة السكانية. يخرج أجزاء من السكان من التنسيق والتقسيم الاجتماعي للعمل، وغالباً لا يأخذ في الاعتبار تقسيم العمل بين الجنسين). ووفق رؤية غرامشي، يتطلب كل نظام اجتماعي تقسيماً وتوزيعاً محدداً للسكان في التقسيم الاجتماعي العام، وليس التقسيم الاقتصادي للعمل فقط،” لكل نظام قانونه الخاص للنسب المعينة في التكوين الديموغرافي، وتوازنه الأمثل واختلالاته التي، إذا لم يتم تصحيحها بالتشريعات المناسبة، يمكن أن تصبح في حد ذاتها كارثية لأنها تجفف مصادر الحياة الاقتصادية المحلية، وبصرف النظر عن كل عنصر آخر من عناصر الانحلال” (غرامشي 1999، 2068). يشير غرامشي إلى عدة عناصر لتركيبة غير عقلانية للسكان: الهجرة طويلة الأمد من إيطاليا، والهجرة الداخلية من جنوب البلاد إلى الشمال الصناعي، وانخفاض نسبة النساء العاملات أو اختلال التوازن بين الأجيال بسبب انخفاض معدلات الولادة. ويشدد بشكل خاص على العلاقة غير الملائمة بين السكان النشطين والسلبيين. وبالنسبة لتحليله للفاشية، هناك نقطة حاسمة، هي أن نسبة كبيرة من السكان في المجتمعات الأوروبية تحصل على دخل معاش تقاعدي. ويعني غرامشي بذلك، بعض موظفي الدولة في إيطاليا والعديد من مواطني المدن الصغيرة الذين، بصفتهم ملاكين، يؤجرون الأرض للفلاحين بأسعار باهظة، ويعيشون على هذه المعاشات التقاعدية. “نعم، يمكن القول، انه كلما تقدم تاريخ بلد ما، زاد عدد هذه الودائع من الحشود الأكثر ارهاقا، والأكثر حماقة، وعديمي الفائدة من المتقاعدين في التاريخ الاقتصادي، الذين يعيشون من “ميراث الأجداد” (غرامشي 1999، 2065). لا ترغب هذه المجموعات في إجراء التغييرات اللازمة على جهاز الإنتاج، بل ترغب في الحفاظ على البنية الديموغرافية والاجتماعية، التي عفا عليها الزمن في أوروبا، بينما تدخل في الوقت نفسه عناصر من الشكل الحديث للإنتاج وطريقة العمل، والتي يصفها غرامشي بـ”الفوردية”، الوافدة من الولايات المتحدة الامريكية (طريقة لتنظيم عمليات الإنتاج ظهرت عام 1908 على يد هنري فورد (1863 - 1947) مؤسس شركة فورد الأمريكية – المترجم). وبصراحة، كانت أوروبا تود أن يكون لدى كل رجل برميل مليء بالخمر وزوجة سكيرة، وأن تحصل على كافة المزايا التي توفرها الفوردية لقدرتها التنافسية، مع الاحتفاظ بجيش من الطفيليين الذين يستهلكون قدرا هائلا من فائض القيمة، يزيد من نفقاتها الأولية، ويضعف من قدرتها على المنافسة في السوق العالمية (غرامشي 1999، 2064). وعلى النقيض من هذا الموقف المستند الى الوضع الراهن، كما تمثله على وجه الخصوص دولة الشركات الفاشية، فإن غرامشي كان لديه انطباع بأن العمال الإيطاليين، كما مثلتهم جماعته “النظام الجديد” (أصدرت مجلة بنفس الاسم- المترجم) بعد الحرب العالمية الأولى، يؤيدون تجديد وتحديث الهيكل الاجتماعي والاقتصادي. “أن العمال الايطاليين لم يعارضوا في أي وقت من الأوقات، معارضة ايجابية أو سلبية الابتكارات التي تؤدي إلى خفض التكاليف، وترشيد العمل، أو الأخذ بأشكال أفضل للأتمتة والتنظيم التكنيكي للمجمع الصناعي، بل العكس. وإن كان هذا قد حدث في أمريكا وأدى إلى تصفية النقابات الحرة ليحل محلها نسق من تنظيمات المصانع المنعزلة بعضها عن بعض. ان تحليلا مدققاً للتاريخ الايطالي قبل 1922، الذي لا يخدعه الكرنفال الخارجي، بل قادر على الإمساك باللحظات الجوهرية للحركة، ينبغي أن يتوصل، إلى الاستنتاج أن العمال بالذات، هم الذين طرحوا أكثر متطلبات الصناعة جدّة وحداثة، وأيدوها بحماس بطريقتهم الخاصة” (غرامشي 1999، 2078).
ان مسألة التركيبة السكانية، بالنسبة لغرامشي مرتبطة بمسألة الهيمنة. فعندما يؤكد أن هناك هجرة من الريف الغني بالأطفال إلى المدن الصناعية ذات معدل الولادات المنخفض، فإنه يشدد على العمليات الاجتماعية المرتبطة بها. لأن “معدل المواليد الحضري المنخفض [يتطلب] جهداً مستمراً وهاماً لتدريب أولئك الذين يدخلون باستمرار إلى التحضر، ويجلب معه تغييراً مستمراً في التكوين السياسي والاجتماعي للمدينة، الأمر الذي يطرح باستمرار مشكلة الهيمنة على أسس جديدة” (غرامشي 1999، 2078). لقد استوعب غرامشي مهمة الهيمنة هذه على أنها مهمة جوهرية لليسار من أجل منع الانقسام في المجموعات العمال المختلفة. تناول في “مسألة جنوب إيطاليا” التجربة التي مفادها أن البرجوازية قبل وأثناء الحرب، نشرت أيديولوجية عنصرية بين جماهير شمال إيطاليا ضد المهاجرين من جنوب إيطاليا. وفقا لهذه الأيديولوجية، فإن المهاجرين هم الذين يمنعون التقدم الأسرع لإيطاليا لأنهم أقل منزلة من الناحية البيولوجية، وبحكم التصنيف الطبيعي، فإنهم شبه برابرة أو برابرة كاملون. “إذا كان الجنوب متخلفًا، فلن يتحمل مسؤولية النظام الرأسمالي أو أي سبب تاريخي آخر، بل الطبيعة هي التي خلقت الجنوبيين كأشخاص كسالى، وأغبياء، ومجرمين، وبرابرة” (غرامشي 1955، 9). إن عنصرية الشمال البرجوازي هذه ضد صغار الفلاحين والعمال الزراعيين في الجنوب، وضعها في تعارض مع إمكانية “هيمنة البروليتاريا”. وقد مكن هذا أن تصبح البروليتاريا “الطبقة القيادية والحاكمة إلى الحد الذي تنجح فيه في إنشاء نظام من التحالفات الطبقية يسمح لها بتعبئة غالبية السكان العاملين ضد الرأسمالية [...]، وهذا يعني في إيطاليا، في ظل العلاقات الطبقية الفعلية القائمة في إيطاليا، بالقدر الذي تنجح فيه في الحصول على تأييد جماهير الفلاحين العريضة” (غرامشي 1955، 8). في “دفاتر السجن” وضع غرامشي مفهوما شاملا للهيمنة. ويشمل الآن أكثر من تحالف بين الطبقة العاملة وجماهير الفلاحين، تحت قيادة الأولى. والمفهوم، بالنسبة لغرامشي، يتضمن الآن، نوعين متضادين هما هيمنة البرجوازية والبروليتاريا. طورت الطبقة البرجوازية الهيمنة بشكل متزايد كشكل من أشكال الحكم منذ حوالي عام 1870. وهذا يعني أنها تتجاوز مجرد السعي وراء مصالحها البدائية لشركاتها الاقتصادية، وهي مستعدة وقادرة على تقديم عدد كبير من التنازلات للتابعين. من الواضح أن غرامشي يعتبر ظهور هذا النوع الجديد من استراتيجية الهيمنة بمثابة تأثير الاستعمار المعاكس على المجتمعات الأوروبية، لكنه لا يشرح ذلك بمزيد من التفصيل. هذه الدول المستعمرة تفقد طابعها “المرن”. الهيمنة تعني تشكيل نظام واسع من أنشطة ومنظمات المجتمع المدني: بالإضافة إلى الأحزاب الجماهيرية والنقابات العمالية والأندية الرياضية وجمعيات الكورال، وتعاونيات الإسكان والاستهلاك، يظهر عدد كبير من الصحف والمجلات، وعدد كبير من الجمعيات الأهلية التي تهتم بأخلاق المرأة والأسرة، الضمان الاجتماعي، الصحة أو النقاء العرقي. وتظهر المؤسسات العلمية والأكاديميات ومرافق التأهيل القريبة من الشعب. ووفقا لغرامشي، فإن هيمنة الطبقة البرجوازية تشمل كامل حياة الدولة؛ وبالتالي فهي تعيد هيكلة المجتمع بالكامل وفقا لرؤيتها في توجيه جهاز الإنتاج ومتطلبات إنتاج الثروة الرأسمالية، حتى تتمكن من إعادة إنتاج نفسها، وفق أسسها الخاصة. لم تعد الصراعات الطبقية تدور في مواجهات كبيرة، بل تتحول إلى ما يسميه بـ”حرب المواقع”، أي عدد من الصراعات المختلفة وتوازن القوة المتغيرة في خنادق المجتمع المدني المتشعبة على نطاق واسع. يأخذ المجتمع شكل كائن حي دائم الثورة، ينتقل من توازن إلى آخر. في هذه العمليات، يلعب الذين يهاجرون من الريف إلى المدن دوراً مهماً ويمثلون تحدياً هائلاً للهيمنة، حيث يجب إيجاد حلول وسط اجتماعية مع مجموعات المهاجرين الجدد، عندما يتعلق الأمر بالتأهيل المهني في الصناعة أو “التكيف النفسي الجسدي مع ظروف عمل معينة، التغذية، السكن، العادات، وما إلى ذلك [أمر ممكن] وهو ليس فطرياً أو طبيعيا يراد الحصول عليه” (غرامشي 1999، 2072). تشمل هذه العادات الحضرية والصناعية الجديدة تنظيم المعرفة والتعليم وكذلك إعادة صياغة النشاط الجنسي، والتعامل مع وقت الفراغ أو الكحول. وبالنسبة لغرامشي، فإن تحدي الهيمنة يتمثل في كسب سكان الريف، الذين يهاجرون باستمرار إلى المناطق الصناعية، لتحقيق أهداف الحركة العمالية الشيوعية والتحرر. عندما يتعلق الأمر برفع الحس السليم للعمال إلى مستوى فكري أعلى حتى يتمكنوا من الحصول على الاستقلال، والخروج من الهيمنة البرجوازية والاعتماد على المثقفين التقليديين (الكهنة) أو المثقفين البرجوازيين (المعلمين، المهندسين، الصناعة الثقافية)، ومن أجل تطوير عناصر أسلوب حياة الفرد، يجب على حسابات الهيمنة السياسية، ان تأخذ في الاعتبار تباين الإيقاع المستمر بين العمال أيضاً، نتيجة للهجرة.
كان غرامشي مدركاً تماماً أن هذا أمر صعب، وأن الهيمنة البرجوازية - أي العنصرية والسياسة السكانية وتقسيم السكان من خلال أشكال التقسيم الاجتماعي للعمل – في وضع أفضل. ويتضح ذلك من خلال أفكاره في مسألة المثقف. وفق رؤيته لكل طبقة مثقفيها. وتقع عليهم مهمة تنظيم هيمنة الطبقة، أي طريقة تفكيرها وشعورها ونمط حياتها. لكن التابعين، منذ البداية، في وضع غير مواتٍ، بسبب الإجبار على ممارسة العمل البدني، وبسبب الفرص النادرة المتاحة للتخلص من نوع وسعة العمل الاجتماعي، وأيضاً بسبب عدم امتلاكهم أية وسيلة ومورد للإنتاج الثقافي، مثل الوقت، والمفاهيم أو المعرفة المتقنة، وبالكاد تتاح لهم الفرصة لإنتاج مثقفيهم، لكنهم يعتمدون على جذب المثقفين البرجوازيين الذين يدخلون في علاقة تمثيلية عضوية مع التابعين. وتأتي التبعية أيضا، ضمن أمور أخرى، من فهم العالم والعلاقة به وبذواتهم بطريقة تحددها طبقة أخرى ومثقفيها. وفقاً لغرامشي، فإن الأمر يتعلق بالتحرر من التبعية وتنظيم الانشقاق عنها، لأن جميع البشر، تبعا لإمكانياتهم مثقفون، وبالتالي يمكنهم التعامل مع أفكارهم ومشاعرهم بشكل نقدي وتطويرها مع الآخرين إلى رؤية مستقلة للعالم. ووفقاً لرؤية غرامشي، فان عمليات الهجرة يمكن أن تجعل هذا الأمر أكثر صعوبة. لقد وضع غرامشي أفكاره حول الهجرة، بالاستناد الى عمليات الهجرة من البلدان الأوربية، وخاصة إيطاليا. لقد رأى وظيفة إيطاليا في التقسيم الدولي للعمل في ذلك الوقت بكونها منتجة لاحتياطي العمالة للعالم بأسره. وهذا يشير الى عدم قدرة الطبقة الحاكمة على “إعطاء أمة موقعا في العالم وفي التقسيم الدولي للعمل. ان الهجرة هي نتيجة لعدم قدرة الطبقة الحاكمة على توفير العمل للسكان، وليس نتيجة لفقر قومي” (غرامشي 1991، 262). لم تكن البرجوازية قادرة على خلق مجتمع متجانس نسبيا، وتقسيم عمل تكون فيه الوظائف متزامنة نسبياً ومتصلة ببعضها البعض. ولم يتم خلق وحدة وطنية أعلى. والعمال بهجرتهم، ساهموا في زيادة القيمة المضافة للرأسمالية الأجنبية. ولهذا، لم تكن هناك بطالة فقط، بل كان هناك أيضا نقص في آفاق الحياة. “ان ادخال الرأسمالية وتطورها في إيطاليا لم يتم على أساس رؤية وطنية، بل على أساس رؤية مناطقية محدودة لمجموعات محدودة، وأنها فشلت إلى حد كبير في الجزء الكبير من مهامها، وبالتالي أدى الى هجرة مرضية لم تتم إعادة استيعابها مطلقاً، وكانت دائماً ضرورية، ومن المؤكد انها دمرت مناطق بأكملها اقتصاديا. في الواقع، يجب أن يُنظر إلى الهجرة من جهة على أنها ظاهرة لبطالة مطلقة، ومن جهة أخرى، على أنها برهان على حقيقة أن النظام الاقتصادي المحلي لا يضمن مستوى معيشياً قريباً من المستوى العالمي، وأن العمال الذين تم تعيينهم بالفعل لم يكونوا يفضلون المخاطر والتضحيات المرتبطة بمغادرة بلدهم” (غرامشي 1998، 1931). وارتباطا بذلك لاحظ الاختلافات في الأشكال المتعددة للهجرة: بينما كان يفترض ان العناصر المنظمة للصناعة هاجرت أيضاً مع الهجرة الألمانية، كانت نظرته للهجرة الإيطالية ناقدة: “في إيطاليا، هاجرت الجماهير العاملة فقط التي كانت لا تزال غير متشكلة إلى حد كبير، على الصعيدين الصناعي والروحي. وبالمقابل بقيت العناصر المثقفة، التي لم تكن متشكلة أيضا، لم تتغير، بأي شكل من الأشكال، بسبب التصنيع وحضارته؛ وكانت هناك بطالة غير عادية للمثقفين، أنتجت سلسلة كاملة من الفساد وكذلك ملامح تفكك سياسي وأخلاقي مع تداعيات اقتصادية لا يستهان بها” (غرامشي 1991، 187).
* أليكس ديميروفيتش من مواليد 1952 في مدينة دارمشتات – المانيا، فيلسوف وعالم اجتماع ألماني، وأحد ممثلي النظرية النقدية. عمل، بين أمور أخرى، أستاذا في جامعة فرانكفورت / ماين وجامعة برلين، وهو رئيس المجلس الاستشاري العلمي لمؤسسة روزا لوكسمبورغ، وزميل في معهد المؤسسة للتحليل الاجتماعي وعضو مؤسس لمجلة روزا لوكسمبورغ، وعمل في العديد من الجمعيات والمؤسسات البحثية، وله عدد كبير من المؤلفات، والبحوث في مجال اختصاصه. الترجمة للمحورين الأول والثاني من بحثه المنشور في عدد مجلة روزا لوكسمبورغ الفصلية أيلول 2018.
المراجع
Bojadžijev, Manuela, 2008: Die windige Internationale. Rassismus und Kämpfe der Migration, Münster
Demirović, Alex, 2015: Ordnung und Integration. Adornos Kritik am Gravitationsgesetz des Ganzen, in: Ulrich Bröckling u.a. (Hg.): Das Andere der Ordnung. Theorien des Exzeptionellen, Weilerswist
Gramsci, Antonio, 1955: Die süditalienische Frage, Berlin
Ders., 1991: Gefängnishefte, Bd. 1. 1. Heft, Hamburg
Ders., 1991a: Gefängnishefte, Bd. 2, Hefte 2-3, Hamburg
Ders., 1992: Gefängnishefte, Bd. 4, Hefte 6-7, Hamburg
Ders., 1993: Gefängnishefte, Bd. 5, Hefte 8-9, Hamburg
Ders., 1994: Gefängnishefte, Bd. 6, Hefte 10 und 11, Hamburg
Ders., 1998: Gefängnishefte, Bd. 8, Hefte 16 bis 21, Hamburg
Ders., 1999: Gefängnishefte, Bd. 9. Hefte 22 bis 29, Hamburg
Karakayali, Serhat, 2008: Gespenster der Migration. Zur Genealogie illegaler Einwanderung in der Bundesrepublik Deutschland, Bielefeld
Piñeiro, Esteban, 2015: Integration und Abwehr. Genealogie der schweizerischen Ausländerintegration, Zürich
**********
.*- نشرت لأول مرة في العدد428 لشهر كانون الثاني 2022 من مجلة الثقافة الجديدة العراقية