الحركة التقدمية الكويتية تكشف الأبعاد الخطرة لخريطة طريق إعادة هيكلة القطاع العام التي تستهدف خصخصة جميع أنشطة الدولة بما في ذلك الصحة والنفط... وإلغاء دعوم الكهرباء والماء وزيادة تعرفاتها... وتكرر دعوتها إلى التصدي لهذه التوجهات ورفضها

  يوماً بعد يوم تكشف السلطة وحلفها الطبقي الرأسمالي الطفيلي عن المزيد من مخططاتها وتوجهاتها وقراراتها التي تستهدف تنفيع القلة المتنفذة من كبار الرأسماليين الطفيليين وتمكينهم من الاستيلاء على الاقتصاد الوطني والمرافق الحكومية والخدمات العامة وتصفية الدور الاقتصادي للدولة عبر الخصخصة، بما في ذلك خصخصة قطاعات حيوية مثل الصحة والنفط، وفي المقابل فإن هذه المخططات والتوجهات والقرارات تستهدف تحميل الطبقات الشعبية من العمال وصغار الموظفين والمتقاعدين والفئات المهمشة من المواطنين والسكان المزيد من الأعباء المعيشية عبر خفض بنود الإنفاق الاجتماعي والانتقاص من المكتسبات الاجتماعية الشعبية ومن الحقوق العمالية المكتسبة وخفض الدعوم والتوجه لإلغائها، بما في ذلك دعوم الكهرباء والماء وزيادة تعرفاتها، وما يتبع هذا من إلحاق الضرر بالطبقات الشعبية وزيادة معاناتها وخفض مستوى معيشتها.

فهاهي صحفهم تنشر تفاصيل ما أسمته أضخم إعادة هيكلة حكومية في تاريخ الكويت خلال أربع سنوات، وهي "خريطة طريق إعادة هيكلة القطاع العام في الكويت" التي تستهدف تفكيك دور الدولة في الاقتصاد وتقديم الخدمات العامة وتجهيز نقل ملكيته وإدارته إلى القطاع الخاص، حيث تستهدف هذه الوثيقة على نحو ملموس تنفيذ التوجهات الخطرة التالية:

أولاً: برمجة عملية تصفية عدد كبير من الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية ودمجها وإلغاء بعضها خلال أربع سنوات، وذلك ليس لمحاربة البيروقراطية والروتين وتداخل الاختصاصات، بقدر ما هي خطوات لتسهيل نقل ملكية أصول هذه الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية والمرافق والخدمات العامة وإدارتها  إلى شركات القطاع الخاص إما عبر مشاركته أو استثماره أو إدارته أو بتمكين المستثمر الأجنبي أو المحلي أو ما يسمى الشريك الاستراتيجي من السيطرة على مفاصل الاقتصاد الوطني والمرافق والخدمات العامة، فيما سينحصر الدور الاقتصادي للدولة في نطاق رمزي محدود هو الإشراف.

واللافت للانتباه أنّ هذه التصفية لن تكتفي بالأنشطة الحكومية والمرافق والخدمات العامة ذات الطابع الاقتصادي، وإنما ستشمل قطاعات يفترض أن تكون تحت يد الدولة مباشرة مثل الإعلام والثقافة، حيث ستتم تصفية وزارة الإعلام لتحقيق ما يسمى "تمكين مشاركة القطاع الخاص"، وكذلك تصفية الهيئات الثقافية تحت ذريعة "تشجيع استثمار القطاع الخاص".

ثانياً: إنشاء عدد من الشركات العامة بدءاً من العام المقبل 2022، التي ستنتقل إليها ملكية أصول هذه الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية والمرافق والخدمات العامة، وذلك كخطوة باتجاه تسليمها إلى القطاع الخاص الأجنبي أو المحلي أو الشريك الاستراتيجي، وهذا يشمل: البريد، الهاتف الأرضي، المطار، الموانئ، وغيرها.

ثالثاً: من بين أخطر ما تتضمنه خريطة طريق إعادة هيكلة القطاع العام خصخصة الصحة، التي حظرت خصخصتها المادة الرابعة من قانون التخصيص رقم 37 لسنة 2010 إلى جانب حظر خصخصة التعليم وانتاج النفط والغاز الطبيعي والمصافي... حيث تشير خريطة الطريق بوضوح إلى "العمل على سن قانون تخصيص المؤسسات الصحية خلال النصف الأول من عام 2022"، و"مراجعة السياسات الحالية لزيادة مشاركة القطاع الخاص في مجال الرعاية الصحية" و"البدء في عملية خصخصة المستشفيات العامة بداية من مطلع 2025".

إنّ خصخصة القطاع الصحي تعني بوضوح أن يتحوّل العلاج من خدمة عامة تلتزم الدولة بتوفيرها إلى الناس ليصبح سلعة لا يستطيع شراءها إلا القادر على الدفع، وبالتالي ستتحوّل المستشفيات العامة إلى شركات تجارية تهدف إلى تحقيق الأرباح، وسيصبح الأطباء موظفي مبيعات وتسويق... وهي توجهات خطرة وضارة، وهناك نتائج مأساوية لمثل هذه التوجهات كشفتها جائحة كورونا في الدول التي خصخصت الصحة، كما هي حال الهند، مقابل النجاحات النسبية الذي تحققت في البلدان التي لا يزال فيها القطاع الصحي بيد الدولة.

رابعاً: تتناول خريطة طريق إعادة هيكلة القطاع العام توجهاً خطراً آخر هو "وضع إطار عمل لزيادة مشاركة القطاع الخاص في قطاعي النفط والغاز خلال عامين"، وذلك على الرغم من الحظر القانوني القائم لخصخصة انتاج النفط والغاز الطبيعي والمصافي، وما تعنيه خصخصة هذا القطاع من استيلاء لكبار الرأسماليين الطفيليين على الثروة الطبيعية الأساسية المملوكة للدولة.

أي باختصار، نحن أمام مشروع مزايدة لبيع أصول الدولة لكبار الأثرياء وكبرى الشركات الرأسمالية الأجنبية أو المحلية، وهي خصخصة على ضوء الواقع الفاسد للحكومات المتعاقبة لن تتسم بالشفافية وستكون تنفيعاً تحت غطاء شكلي، ناهيك عن عدم وجود ضمانات للعمالة الوطنية في هذه الشركات، خصوصاً مع التلويح بتعديل القانون الحالي للخصخصة.

خامساً: نجد في ثنايا خريطة طريق إعادة هيكلة القطاع العام إعلاناً فاضحاً لمخطط خطر آخر هو خفض ثم إلغاء دعم تعرفة المياه والكهرباء وزيادة أسعارهما، وهذا ما سيرهق كاهل الطبقات الشعبية، حيث تذكر الخريطة أنه من بين أهداف استراتيجيتها "تحليل وإصلاح هيكل لدعم المياه والكهرباء الحالي ووضع خطة زمنية لتخفيضه ثم إلغائه مع مرور الوقت، مع تطوير وتحديد استراتيجية التسعير بحدود نهاية 2025".

إنّ الحركة التقدمية الكويتية إذ تسلط الضوء على الأبعاد الخطرة الملموسة، التي لا تخطؤها العين لما يسمى خريطة طريق إعادة هيكلة القطاع العام التي تستهدف خصخصة جميع أنشطة الدولة، بما في ذلك الصحة والنفط وإلغاء دعوم الكهرباء والماء وزيادة تعرفاتها، فإنها معنية بأن توضح أنّ هذه الخطط والتوجهات والقرارات إنما هي قرارات منحازة طبقياً ضد الغالبية الساحقة من المواطنين والسكان، وأنها موجهة في المقابل لخدمة مصالح قلة منتفعة من كبار الرأسماليين الطفيليين... ومن هنا فإنّ الحركة التقدمية الكويتية تكرر دعوتها للنقابات العمالية والجمعيات المهنية وجماعات الضغط والنواب إلى التصدي لهذه المخططات والتوجهات والقرارات ورفضها والحيلولة دون إقرارها... مع التركيز مقابل ذلك على استحقاقات إصلاح اقتصادي عادل اجتماعياً ووضع خطة تنموية يكون محورها الإنسان وتستهدف بناء اقتصاد وطني منتج ومتعمد على الذات بقيادة الدولة، وبمساهمة القطاع الخاص المنتج وليس الطفيلي، عبر تمكينه من المشاركة الفاعلة في النشاطات الاقتصادية والخدمية بشرط قيامه بواجباته الاجتماعية عبر دفع ضريبة على أرباح الشركات وصفقات الأسهم والعقار، وكذلك الضريبة التصاعدية على الدخول الكبيرة للأثرياء، وإلزام القطاع الخاص بتوفير فرص عمل كريمة للشباب الكويتي، على أن يتحمّل القطاع الخاص تبعات قراراته الاستثمارية في حالات الخسارة من دون تعويض حكومي.

 

الكويت في 21 سبتمبر 2021