تمخضت الانتخابات العامة التي شهدتها النرويج في 13 أيلول الحالي، عن فقدان تحالف يمين الوسط (حزب المحافظين، الديمقراطي المسيحي، الحزب الليبرالي، وحزب اليمين الشعبوي) للأكثرية وانتقاله إلى دكة المعارضة البرلمانية، بعد ان أمضي 8 سنوات في حكم البلاد. وحصلت أحزاب التحالف على 68 مقعدا فقط من أصل مجموع مقاعد البرلمان البالغ 169 مقعدا. 

وعلى الرغم من حصول حزب العمال الديمقراطي الاجتماعي على اسوأ نتائجه منذ عام 1927، الا أنه تقدم على جميع الأحزاب، وحصل على 48 مقعدا تؤهله لقيادة تحالف يسار الوسط، من حزب الوسط (13,5 في المائة)، وحزب اليسار الاشتراكي (7,6 في المائة) بزيادة بنسبة 1,6 في المائة، وحصل على 13 مقعدا.  وحصل حزب الخضر على 3,9 في المائة، وبهذا لم يحقق العتبة الانتخابية 4 في المائة، لكن الحزب سيمثل في البرلمان بثلاثة مقاعد مباشرة.

كتلة برلمانية لحزب الحمر Rødt

حقق حزب الحمر الماركسي، الذي تأسس عام 2007 من اندماج أوساط من الحزب الشيوعي النرويجي ومجموعات ماركسية، نجاحا انتخابيا هاما بتجاوزه العتبة الانتخابية للمرة الأولى وحصوله على 4,7 في المائة، منحته حق تشكيل كتلة برلمانية من 8 أعضاء، بعد ان كان ممثلا بمقعد واحد في البرلمان السابق، مستفيدا من النظام الانتخابي في النرويج الذي يجمع بين نظام الدوائر والقوائم الانتخابية. ويشكل نجاحه عامل ضغط جديد لتحقيق تحول اجتماعي – بيئي نوعي في البلاد. وللحزب، الذي تبلغ عضويته أكثر من 9 آلاف، 10 مقاعد في مجالس المقاطعات بالإضافة إلى 80 ممثلا في مجالس البلديات.

وقال زعيم الحزب بيورنار موكسنس:" لقد حققنا أخيرًا الاختراق الذي كنا نعمل من أجله قرابة 10 سنوات. ومن الواضح أن الكثيرين كانوا ينتظرون نقطة التحول هذه. لقد تحول حزب الحمر إلى حركة شعبية ضد عدم المساواة المتزايدة وفي سبيل سياسة مناخية عادلة وقوية".

وعلى الرغم من استبعاد مشاركة الحزب في تحالف يسار الوسط، لعدم رغبة حزب العمال وحزب الوسط بذلك، إلا أن زعيم الحزب قال: "وفقًا لنتائجنا التاريخية، سنبذل كل الجهود لتحريك الحكومة المستقبلية نحو اليسار لصالح العدالة الاجتماعية والمناخية".

حزب اليسار الاشتراكي

إلى جانب حزب الحمر، يعد حزب اليسار الاشتراكي ثاني قوى اليسار الجذري، التي تقف على يسار حزب العمال وأحزاب الوسط، وكان ظهوره نتيجة لعمل مشترك بين حزب الشعب الاشتراكي والحزب الشيوعي في النرويج والاشتراكيين الديمقراطيين، التي رفضت انضمام النرويج إلى الإتحاد الأوروبي في 25 ايلول من عام 1972. وفي نيسان 1974 عقد مؤتمر في العاصمة النرويجية أوسلو تم التأكيد خلاله على ضرورة تحويل التحالف إلى حزب موحد. وخلال مؤتمر عقد في عام 1975 تشكل حزب اليسار الاشتراكي النرويجي وفي العام نفسه رفض جزء من الحزب الشيوعي حل الحزب، ووقف التعاون مع حزب اليسار الاشتراكي. وخلال الثمانينات ارتفعت شعبية حزب اليسار الاشتراكي.

وهناك الكثير من المشتركات الموضوعية بين حزب الحمر وحزب اليسار الاشتراكي، وخصوصا في السياسات الاجتماعية، ورفض الحرب كوسيلة لحل النزعات الدولية، والقضايا النسوية. ويتميز الحزبان في تضامن واضح وصريح مع نضال الشعب الفلسطيني في سبيل نيل حقوقه الوطنية المشروعة.

النفط وحماية المناخ

بعد اصدار الهيئة المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة تقريرها في بداية آب الفائت، ركزت الحملات الانتخابية بشكل متزايد على سياسات حماية المناخ وتأثيراتها الاجتماعية. وأعلن كل من حزب الخضر وحزب اليسار الاشتراكي خلال الحملة الانتخابية أنهما لن يكونا جزءا من الأغلبية دون الخروج من إنتاج النفط.، فحزب الخضر يطالب بإنهاء إنتاج النفط في وقت مبكر من عام 2035، ويرى اليسار الاشتراكي، انه يجب ألا توافق الحكومة الجديدة على أي حقول ومنصات نفطية جديدة. وهذا يضيف صعوبة أمام الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة. ويشدد حزب الحمر على إخراج قطاعات الصحة والتعليم من خطط الخصخصة والسياسات الربحية.

على الرغم من أن 99 في المائة من إمدادات الطاقة النرويجية تعتمد بالفعل على مصادر الطاقة المتجددة، وخاصة من محطات الطاقة الكهرومائية، وحصة المركبات التي تعمل بالبطاريات تبلغ 54 في المائة في السيارات الجديدة، إلا أن النرويج لا تزال أكبر مصدر للنفط في أوروبا. يأتي 14 في المائة من الناتج الاقتصادي النرويجي من إنتاج النفط والغاز الطبيعي، ويعتمد قرابة 160 ألف من العاملين على الصناعة النفطية، وهو رقم كبير، بالنسبة لبلاد يبلغ عدد سكانها 5,4 مليون نسمة. بالإضافة إلى ذلك، فان قطاع النفط يساهم بشكل أساسي في صندوق التقاعد الحكومي. وتبلغ   أصول الصندوق أكثر من 1.2 تريليون يورو، ويعد أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم. وبالتالي فإن انهاء إنتاج النفط أمر معقد ولا يحظى بشعبية في بعض المناطق، حتى وإن بينت الاستطلاعات، أن قرابة 35 في المائة من النرويجيين، يؤيدون إنهاء عمليات إنتاج النفط في البلاد.

وجاءت نتائج الانتخابات لتعيد الديمقراطيين الاجتماعيين لحكم كل البلدان الاسكندنافية مرة أخرى لأول مرة منذ عام 2001. بظروف جديدة، وتبني سياسات يمينية بشأن ملف الهجرة والسياسات الاقتصادية، لأقناع الشركاء في التحالفات الحاكمة.

عرض مقالات: