أعاد الناخبون في بوليفيا انتخاب اليسار في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في 18 تشرين الأول الجاري، وارجعوه بقوة الى سدة الحكم في البلاد. فوفق النتائج المعلنة حتى الآن، فاز لويس آرسي مرشح “الحركة من اجل الاشتراكية” في الجولة الأولى للمعركة الانتخابية، وبفارق كبير. والحركة الفائزة هي حزب الرئيس اليساري السابق موراليس، الذي أجبره العسكر الانقلابيون قبل سنة على الاستقالة من منصبه. وحصدت الحركة وفق تصريحات الرئيس السابق موراليس على ثلي مقاعد البرلمان ومجلس الشيوخ.
وتسير عملية فرز الأصوات ببطء وثبات، وحتى فرز 86 في المائة من الأصوات تتقدم “الحركة من أجل الاشتراكية”، بحصولها على 53,49 في المائة، وبفارق 20 في المائة عن مرشح اليمين التقليدي بحصوله على 29,62، ثم مرشح اليمين المتطرف بـ 14,78 في المائة. وبهذا أصبح واضحا أن لا تغيير سيحدث في النتائج عند نهاية الفرز.
اعتذر رئيس المحكمة العليا للانتخابات، سلفادور روميرو، يوم الثلاثاء عن عملية العد البطيئة وتحدث عن “درس للمستقبل”. اعترف روميرو بأن التوازن بين “الأمان والسرعة” لم يكن جيدًا. وفقا لروميرو، شارك في التصويت 87 في المائة من الناخبين. وهذا يعني أن نسبة المشاركة في التصويت تجاوزت بوضوح أعلى مستوى تاريخي يبلغ 84 في المائة منذ عام 2005. وتتحدث المحكمة العليا للانتخابات حاليا عن مشاركة قرابة 90 في المائة في الاقتراع.
وذكر متابعون أن الانقلاب بدأ في العام الفائت بعد تعطيل أجهزة اعلان النتائج مما وفر حجة لمنظمة الدول الأمريكية القريبة من واشطن بنشر كذبة التلاعب، التي وظفها اليمين لتنظيم أعمال شغب انتهت بالانقلاب على حكومة موراليس المنتخبة ديمقراطيا.

ردود الفعل مباشرة

وفي خطاب له في العاصمة لاباز قال الرئيس المرتقب لويس آرسي: “استعدنا الديمقراطية والأمل بيوم سلمي وهادئ، أعطى فيه جزء كبير من البوليفيين اصواتهم”.
ووعد آرسي بان الرد على نتيجة الانتخابات سيكون الالتزام بالعمل، وبقيادة عملية التغيير دون كراهية والتعلم من الأخطاء. وانه سيحكم باسم جميع البوليفيين، وسيشكل حكومة وحدة وطنية، وسوف يوحد البلاد.
وقبل الانتخابات، خاطب لويس آرسي المسؤولية التاريخية، وخاصة لدى الشباب، لاستعادة السير على طريق التقدم”. وأكد أنه سيعمل على تنفيذ مشروع الرئيس السابق إيفو موراليس ويحمي المواد الخام من استغلال الشركات فوق القومية.
وقال الاقتصادي وعالم الاجتماع البوليفي هواسكارسالازار لوسائل اعلام المانية “”توفر النتائج الأولية للانتخابات تقديرًا دقيقًا إلى حد ما يأخذ في الاعتبار إحصائيات الجداول في المناطق الحضرية والريفية. هذه النتائج موثوقة بنسبة 95 بالمائة مع مستوى منخفض من الخطأ. ويجب التأكيد أنها ليست استطلاعا للرأي، بل تقييما للبيانات الانتخابات. وستختلف النتائج النهائية قليلا جدا، ولكنها لن تغير أي شيء أساسي “.
من جانبها اعترفت رئيسة حكومة الانقلاب جانين انيس بهزيمة اليمين، وهنأت مرشح اليسار الفائز عبر تويتر. وبسبب هذا التصريح، تعرضت لهجوم عنيف على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل متابعيها، مع مطالبتها بعدم تسليم السلطة لليسار.
وكانت آنيس قد سحبت ترشيحها قبل شهر من الانتخابات. وقالت إنها أرادت بهذه الخطوة منع “المتوحشين”، في إشارة لليسار، من العودة إلى الحكومة. وناشدت مرشحي المعارضة اليمينية بالاتحاد، وإلا سيعود مواراليس!
وقال أحد المقربين من مرشح اليمين كارلوس ميسا، ان الأخير أدرك فوز آرسي الانتخابي المقنع وسيضطلع بدور قيادة المعارضة في البرلمان. ولتبرير هزيمة اليمين أشار بعض معلقيه إلى أن “الحركة من اجل الاشتراكية” ليست قوة ديمقراطية، ولكنها قوة شعبية!
وذهب باحثون آخرون الى أن الناخبين عبروا عن معارضتهم لحكومة الانقلاب، التي لم تنأ بنفسها عن القتل والسرقة وإشعال نار الاستقطاب. لقد فعلت ذلك بالطريقة المعروفة عن اليمين المتطرف. وأن الحملة الانتخابية تميزت باعتماد كل المعارضين خطابا يمينيا، باستثناء حزب “الحركة من أجل الاشتراكية
وعلى عكس سلوكها إبان انتخابات 2019 الملغية، وقبل ان تصدر نتائج الانتخابات النهائية، هنأ الأمين العام لمنظمة الدول الأمريكية لويس ألماغرو، مرشح اليسار الفائز وتمنى له النجاح في مهامه المستقبلية.
وعبرت بعثة مراقبة الانتخابات التابعة لمنظمة الدول الأمريكية عن تقديرها للشعب البوليفي. وأشادت بالتصويت الحاشد والسلمي. على الرغم من الطوابير الطويلة أمام مراكز الاقتراع والتحديات الخاصة التي يفرضها وباء كورونا، فقد تصرف الجميع بمسؤولية.
وفي غضون ذلك، بدأت حكومة الانقلاب تتفكك، فبعد ساعات قليلة من إعلان النتائج الأولية للانتخابات. أقالت رئيسة الحكومة جانين انيس وزير داخليتها أرتوروموريللو، وفي اليوم التالي قال موريللو لم يصله سبب الإقالة. ويُنظر إلى موريللو على أنه محرض ومسؤول بشكل أساسي عن إعادة التسليح المتطرفة للجيش والشرطة. وكانت الأمم المتحدة قد دعت اخيراً إلى الكشف عن أسباب مجازر ساكاباوسنكاتا التي ارتكبت بحق أنصار الحركة من اجل الاشتراكية في تشرين الثاني 2019. واستبدلت حكومة الانقلاب وزير التربية والتعليم أيضا.

من هو لويس آرسي

وزير الاقتصاد في عهد إيفو موراليس، معلم “المعجزة الاقتصادية البوليفية” التي انتشلت ملايين البوليفيين من براثن الفقر. لقد نجح في خفض نسبة الفقر من 38 الى 17 في المائة، ورفع معدل الدخل الوطني، بمعدل 3 في المائة، وخفض الدين العام. أستاذ الاقتصاد البالغ من ن العمر 57 عامًا، درس في جامعة ولاية سان أندريس الحكومية في لاباز، وحصل على درجة شهادته العليا من جامعة وارويك البريطانية. ثم عمل لمدة ثمانية عشر عامًا في مناصب مختلفة في البنك المركزي البوليفي. وهو من عائلة من الفئات الوسطى في العاصمة، ولا ينتمي لسكان البلاد الأصليين (الهنود الحمر)، سرعان ما عرّف بأنه اشتراكي، وانضم إلى الحركة من اجل الاشتراكية بزعامة موراليس، ويعده بعض المتابعين اليسار شخصية برغماتية وتكنوقراط. ومن الثابت ان له رؤية نقدية لأداء حكومة زعيمه السابق، وبالتالي فان أداءه سيكون مختلفا.

أهمية انتصار اليسار البوليفي

بعد عودة اليسار للسلطة في الارجنتين، تأتي عودة اليسار الى السلطة في بوليفيا لتشكل مؤشرا قويا على انتهاء سنوات التراجع، وانقلابات اليمين المحلي المدعومة من الولايات المتحدة وحلفائها، وتأكيد جديد لقدرة مشروع اليسار المنطلق من مصالح الأكثرية، على مقاومة التآمر والانقلابات. ولم يستطع الانقلابون في أكثر من عام بقليل، اضعاف التراكم اليساري الذي عززته تجربة موراليس في الحكم. وأثبت الانتصار ان التلويح بالمخاوف المترتبة على “عودة الشيوعيين” التي مارسها اليمين لم تنفعه كثيرا.
وعلى صعيد السياسة الدولية، سيعزز انتصار اليسار البوليفي موقع اليسار في عموم القارة اللاتينية، ويعني عودة التضامن مع الشعوب المناضلة في سبيل حريتها، ومنها الشعب الفلسطيني.

عرض مقالات: