قبل اندلاع الحرائق المتوالية في موريا كانت لدى وسائل الاعلام، وخصوصا تلك التي تنقل آراء منظمات حقوق الانسان والمنظمات المدافعة عن حق اللاجئين في العيش بكرامة، معطيات وصور عن الظروف اللاإنسانية التي بعيشها الآلاف منهم في الجزر اليونانية، وتشير التقديرات إلى أن 40 ألف لاجئ، منهم 14 ألف طفل، يعيشون في مخيمات هذه الجزر، علما ان هذه المخيمات مخصصة وفق المعايير الأوربية لعيش 6 آلاف فقط. ووفق معطيات مجلس اللاجئين اليوناني ومنظمة أوكسفام، يعيش في مخيم موريا، والمناطق المحيطة به 19 ألف لاجئ، رغم أن المخيم مصمم لإيواء 2757 شخصا. ويكفي ان نشير الى الأوصاف التي أطلقها وزراء وبرلمانيون اوربيون على المخيم، لنكون صورة واضحة عن الظروف الكارثية التي يعيشها اللاجئون: أحدهم قال انه “عار” على أوربا، وآخر قال ان ظروف المخيم “لا تصلح” لمعيشة الحيوانات.
ان سعة الكارثة دفعت السلطات اليونانية للقيام بإجراءات ترقعيه لإيواء المشردين مثل ارسال عبارة تستوعب المئات ونقل المئات من الأطفال القصر غير المصحوبين بذويهم الى اليابسة، بانتظار توزيعهم على بلدان الإتحاد الأوربي.
لقد أدت الحرائق الى تسوية المخيم بالأرض، وارسلت رسالة واضحة بضرورة وضع حد سريع للسياسات اللاإنسانية في ممارسة الحرمان والعزل. وجاءت الكارثة لتعلن فشل جميع المحاولات التي قامت بها حكومات الاتحاد الأوروبي لاحتواء موجات الهجرة، ومنع ما يسمى بالهجرة “غير المرغوب فيها”، بما في ذلك غلق حدود أوربا بقوات عسكرية هائلة.
ومخيم اللاجئين، الذي يفترض انه مؤقت يفتقر إلى الحد الأدنى من البنية التحتية، حيث حُشر الناس بين أكوام من القمامة والحاويات والأكواخ الرثة التي شيدوها بأنفسهم، وكان عليهم الانتظار ساعات للحصول على طعام وقليل من الماء، والنضال من أجل الحصول على المساعدة القانونية والرعاية الطبية. في حين أن ممثلي الإتحاد الأوروبي، مثل رئيسة المفوضية الأوربية أورسولا فون دير لاين، قاموا بزيارة قصيرة للتظاهر بالاهتمام وإطلاق التصريحات. ومن جانبه لم يخف اليمين الحاكم في اليونان رغبته في تحويل الظروف المأسوية في موريا الى رادع للقادمين المحتملين.
ومع تفشي كورونا أصبحت موريا قنبلة موقوتة. وعلى الرغم من جميع التحذيرات والمطالبات بالإخلاء الفوري وتدابير حماية الجميع، والتذكير بخطر إصابة آلاف الأشخاص في الجزيرة، مُنعت منظمات مساعدة اللاجئين من الوصول إلى المخيم وقيّدت حرية حركة سكانه لعدة أشهر، ثم جاء الإغلاق الكامل “الحجر الصحي” للمخيم بعد أول حالة إصابة.

حزب اليسار اليوناني
يطالب باستقالة وزير الهجرة

عد حزب اليسار اليوناني “سيريزا” ما حدث “جريمة سياسية مخططة” نفذها اليمين الحاكم، الذي سمح بارتفاع عدد سكان المخيم من 6 آلاف قبل وصوله للسلطة الى 21 ألف في شباط الفائت، وان الحكومة بدأت متأخرة جدا في نقل عدد محدود من اللاجئين الى البر اليوناني، وطالب الحزب باستقالة وزير الهجرة المحافظ فورا لمسؤوليته المباشرة عن الكارثة.
استراتيجية اليمين
اما لماذا ترفض مراكز القرار في الإتحاد الأوربي التراجع عن سياساتها؟ تعتقد الباحثة الالمانية في شؤون الهجرة كلارا آنه بونغر أن المخيمات المكتظة جزء لا يتجزأ مما يتصوره وزير الداخلية الألماني هورست سيهوفر استراتيجية للسيطرة على الهجرة. وفي 30 أيلول الجاري تريد مفوضية الإتحاد الأوروبي تقديم مفهوم جديد للهجرة. وهناك ثلاثة ركائز معروفة: المزيد من الصفقات مع دول المهاجرين وبلدان العبور، على غرار اتفاق الإتحاد الأوروبي وتركيا؛ المزيد من اغلاق حدود أوربا؛ ونظام توزيع مشروط على مستوى الاتحاد الأوروبي. وتضيف ان “ الاحتواء” أي تكديس طالبي اللجوء خارج حدود أوربا هو „جزء أساسي من هذه الاستراتيجية” ويؤدي أيضًا الى إغلاق الطريق امام القادمين الجدد. وفي هذا السياق تحولت المخيمات من اجراء مؤقت الى حل دائم. ولحد الآن لا تنص التشريعات الأوربية على إقامة مثل هذه المعسكرات، ولكن اقامتها جاءت تنفيذا لرؤية وزير الداخلية الألماني. فهل ستؤدي حرائق موريا الى إيقاف العمل بمعسكرات العزل العنصرية؟ السؤال الأهم هو هل ستؤدي الكارثة الى نقطة تحول في سياسة الهجرة واللجوء في الاتحاد الأوروبي؟ وفي أي اتجاه؟ ان ذلك سيعتمد إلى حد كبير على ضغط الحركات الاجتماعية على مراكز القرار، وعلى تعبئة الشارع. في المانيا مثلا، أعلنت أكثر من 170 مدينة وبلدية استعدادها لاستقبال ضحايا حرائق موريا. ونظم أكثر من 50 تجمعا وتظاهرة للتضامن مع الضحايا.

 

عرض مقالات: