رئيس الوزراء اليميني شينزو آبي، الذي يقود البلاد منذ عام 2012 ، يتهمه خصومه منذ عدة سنوات ، بانه يدير البلاد وكأنها شركة يملكها، فهو  يحيط نفسه بالأصدقاء والتابعين، ويسعى لتحقيق مصالحه الذاتية. وقد قام  بتوسيع مكتبه ليصبح مركزًا للسلطة أكثر من سلفه يوشيهيكو نودا، ويده تصل إلى اعلى فئات  البيروقراطية النافذة في ادارة الدولة.  وهذا السلوك جعل رئيس الوزراء يواجه المزيد من الخصوم والفضائح، وهو يسعى حاليا الى تحجيم الإدعاء العام وتقييد استقلاليته.

المدعي العام الحالي ، نوبو إينادا ،كان نشطًا جدًا في محاسبة السياسيين على مخالفات يرتكبونها. وكان هؤلاء في الغالب ينتمون الى الحزب الليبرالي الحاكم، وعادة ما يتورطون بفضائح سياسية واقتصادية، ولهذا تصاعد الصراع بين رئيس السلطة التنفيذية، والسلطة القضائية.

ولم تنته بعد فضيحة العام الفائت بشأن مهرجان زهور الكرز، الذي اقامه رئيس الوزراء في تشرين الثاني لمتعة حاشيته، والذي تحمل دافعو الضرائب تكاليفه . ولحسن حظ  آبي، فان النائب العام سيتقاعد في الصيف المقبل بعد عامين قضاهما في مهمته الاخيرة. ويقال إن رئيس الوزراء اختار أحد أتباعه المخلصين ، رئيس الادعاء في طوكيو ، هيرومو كوروكاوا ليحل محله.

وتتهم الصحف المعارضة رئيس الوزراء،  بالتستر على مجموعة من الفضائح تورطت فيها شركات معروفة، وساسة معروفون ينتمون الى الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم. ولكن خطة الرئيس تعاني من ثغرة، فالقانون الياباني يحيل الى التقاعد من يتولون النيابة العامة في سن 63، والبديل احتفل بعيد ميلاده الثالث والستين في شباط الفائت، مما دفع رئيس الوزراء، معتمدا على قانون خدمة الموظفين، الى تمديد خدمة صديقه في كانون الثاني الفائت ستة اشهر اخرى. وهو قرار اعتبره خصومه منتهكا للقانون، فالمدعي العام في مثل هذه الحالات لا ينطبق عليه قانون خدمة الموظفين.

 ومطروح امام البرلمان حاليا اجراء مراجعة قانونية، تمكن مجلس الوزراء من رفع سن التقاعد للمدعي العام الى سن 65 عاما. وبالتالي يصبح قرار رئيس الوزراء الصادر في كانون الثاني شرعيا. بالاضافة الى ذلك من المتوقع ان تمنح المراجعة القانونية رئيس الوزراء ، بقدر ما يتعلق الأمر بالتعينات، حق التدخل في قرارات المدعي العام. ولكن المناورة السياسية لرئيس الوزراء لم تمر دون أن يلاحظها أحد.

 ويواجه سكان اليابان مشكلة من تعامل رئيس الوزراء مع  الأزمة. وقد حاول آبي ولمدة اسابيع  تأجيل إعلان حالة الطوارئ، لأنه  لم يكن يريد إلغاء دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في طوكيو.

وعندما اصبح معروفا في الأسبوع الفائت، بأن رئيس الوزراء يريد توظيف ازمة الوباء لتحجيم استقلالية القضاء، تصاعد استياء السكان بسرعة على تويتر، وفي  يومي التاسع والعاشر من ايار الحالي انتشر هاشتاك "أنا احتج على إصلاح قانون المدعي العام" وشارك في الحملة قرابة 5 ملايين مشترك، بينهم وجوه فنية معروفة.

وكانت  سعة الاحتجاجات الالكترونية  مفاجأة للعديد من الخبراء. ويبدو ان  الاهتمام بالسياسة قد ارتفع بين السكان الذين يلزمون منازلهم. ويبقى أن نرى ما إذا كانت أزمة الوباء والحراك الحالي ستنهي مسيرة آبي السياسية؟ علما ان بعض ممثلي وسائل الإعلام اليابانية يشكون في انتهاء رئاسته للحكومة قبل موعدها في خريف 2021. وإذا لم تنخفض نسبة مؤيديه بشدة ، وهي تبلغ حاليًا قرابة 40 في المائة، فمن المحتمل أن يتمكن من البقاء في قمة السلطة حتى ذلك الحين.

اجراءات متأخرة

رغم انتشار وباء كورونا استمر رئيس الوزراء في تفضيل الاولويات الاقتصادية والمالية، على الأهتمام بالحدث الذي هز العالم  وبتاثيراته العميقة والمباشرة، على الظروف المعيشية لعموم السكان والنظام الاجتماعي في البلاد. وجاء قرار الحكومة اعلان حالة الطوارئ متأخرا، اذ انتظر رئيس الوزراء حتى 16 نيسان الفائت، واعتبرت اكثرية السكان ان اجراءات الحكومة غير كافية ومتأخرة.

ومع ارتفاع عدد المصابين بالفايروس، طالب الحزب الشيوعي الياباني بمزيد من الاجراءات الوقائية  والقيود على الحياة العامة والاقتصادية، كذلك تقديم الحكومة مساعدات انتقالية كتعويض عن الأجور المفقودة. وتعكس  اجراءات  وزارتي الاقتصاد والمالية النقيض لذلك، ومعروف ان آبي يخضع في النهاية لهذه الارادات. ولم تغير في الامر شيئا حزمة التحفيز التي اطلقها في 20 نيسان، والتي بلغت قيمتها الف مليار يورو. ولكن الكثير من ابواب الحزمة وزع  بشكل تعسفي، ولا تشكل التخصيصات المباشرة والمطلوبة بشكل عاجل للأسر والشركات الصغيرة المتضررة سوى حيز صغير. في المقابلأظهر استطلاع نشرته صحيفة أساهي اليومية في  18 نيسان، أن 53 بالمائة من اليابانيين غير راضين عن أداء الحكومة خلال  الأزمة.

تعميق سياسات الليبرالية الجديدة

ومنذ بداية الأزمة سعت الحكومة الى طرح قوانين لصالح الشركات الكبيرة، تتقاطع مع رغبة اكثرية المواطنين، وعملت على تمريرها في البرلمان، مثل محاولة تمديد حدود  سن التقاعد الى 75 عاما،علما انه  يمكن حاليا التقاعد في سن 60 – 70 عاما، مقابل نسب تقاعدية اعلى تستلم عندما  يبلغ المتقاعد سن 86 عاما، دون ملاحظة معدلات الضريبة العالية. ومن المعروف ان معدل العمر في اليابان يبلغ بالنسبة للنساء 87 عاما، وللرجال 81 عاما. ومن هنا فان مسعى رئيس الوزراء واضح، وهو عدم دفع المزيد من الأموال لرعاية المسنين، وتحفيز كبار السن على العمل الى سن متأخرة، لتعويض النقص الحاصل في الايدي العاملة. وبالاضافة الى ذلك  تجري مناقشة تعديل قانوني يرفع الحد الأدنى لسن التقاعد الى 70 عاما.

وتعمل الحكومة على تحجيم امكانيات العاملين في القطاع الزراعي، وفي هذا السياق مررت في 3 اذار  مسودة إصلاح لقانون البذور في مجلس الوزراء. وبموجبه سيتم منع المزارعين من جمع وانتاج البذور، ويفرض عليهم شراء البذورسنويا. وهذا المشروع  جزء من رفع الإجراءات الحمائية،  وخصخصة سوق البذور. ويقف وراءه لوبي شركات البذور، بما في ذلك الشركات الامريكية. وسترتفع تكاليف البذور وتختفي الأصناف المتكيفة محليًا، فضلا عن ان  مشروع القانون يتضمن عقوبات لغير المتلزمين من المزاعين، تصل الى السجن مدة عشر سنوات.

وبالطبع تعود حكومة اليمين الى مسعاها المحبب في تعديل الدستور، وفتح الباب على مصراعيه لعسكرة السياسة الخارجية. ولهذا اكد رئيس الوزراء، في السابع من نيسان، ان اعلان حالة الطوارئ تستدعي اضافة فقرة جديدة للدستور، من الضروري مناقشتها بعمق من قبل اللجنة الدستورية البرلمانية. لكن اللعبة لم تنطلِ على المعارضة، التي اكدت ان الظروف غير مناسبة لمناقشة تعديلات دستورية.

عرض مقالات: