منذ اليوم الأول لتشكيل الحكومة الحالية كانت حركتنا التقدمية الكويتية تنظر إليها على أنها انعكاس لأزمة السلطة، وأنها أقرب ما تكون إلى حكومة مؤقتة، ناهيك عن أن تركيبتها وتوجهاتها تكشف حقيقة عجزها عن معالجة المشكلات العامة والاختلالات الأساسية التي تشكو منها البلاد، في الوقت الذي تبرز فيه الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تشكيل حكومة إنقاذ تضع حداً لحالة التردي العامة ولسطوة قوى الفساد.

ولكن هذا الموقف تجاه الحكومة الحالية لا يعني الاستخفاف بها وتجاهل حقيقة أنها هي التي تتصدى بحكم الدستور لإدارة شؤون الدولة، وبالتالي فعلينا أن نتعامل بكل جدية واهتمام مع قراراتها، ومن بينها القرارات الأخيرة التي أصدرها مجلس الوزراء في جلسته يوم أمس الاثنين 24 أغسطس، حيث نتوقف أمام قرارين منها، وهما القراران الرابع والسادس المتصلان بالإصلاح الاقتصادي ووسائل التواصل الاجتماعي، اللذان نرى أنهما مثيران للقلق والتساؤلات.

فالقرار الرابع قضى بتشكيل فريق يتولى من بين ما سيتولاه "مراجعة الخطط والاجراءات المقترحة لمعالجة الاختلالات التي يعانيها اقتصادنا الوطني بما في ذلك الوثيقة الاقتصادية والاجراءات المقترحة لخفض المصروفات"، ويهمنا هنا أن نعبر عن القلق تجاه هذا القرار الذي يتبنى الوثيقة الاقتصادية، التي تمثل برنامجاً رأسمالياً نيوليبرالياً منحازاً ضد الفئات الشعبية ويحاول تحميلها أعباء حل الأزمة الاقتصادية والمالية، فهذه الوثيقة تطرح حزمة من الإصلاحات المزعومة ومقترحات تمويل الميزانية عبر تحميل الفئات الشعبية من عمال وموظفين ومتقاعدين ومواطنين من أصحاب الدخول المتدنية والطبقة الوسطى العبء الأكبر في معالجة عجز الميزانية وما يسمى الإصلاح المالي، وذلك على حساب مكتسباتهم وحقوقهم ومستوى معيشتهم، وهذا ما يتضح في المقترحات الواردة فيها، وأبرزها:

1-    إعداد مشروع قانون في شأن ضريبة القيمة المضافة، وهي ضريبة غير عادلة اجتماعياً سيدفعها المستهلك زيادة على فاتورة الشراء بغض النظر عن مستوى دخله.

2-    إعداد مشروع قانون يسمح للحكومة بزيادة أسعار الرسوم والخدمات، واستحداث رسوم جديدة، وذلك عبر تعديل القانون رقم 79 لسنة 1995 الذي يمنع الحكومة من زيادة أسعار الرسوم والخدمات الحالية إلا بقانون، لأن الحكومة تريد إطلاق يدها عبر المراسيم والقرارات الوزارية لزيادة الرسوم وأسعار الخدمات وفرض رسوم جديدة.

3-    تحميل الموظف زيادة قسط التأمينات بنسبة 5% جديدة مقابل خفض قسط الحكومة بهذه النسبة.

4-     رفع رسوم استهلاك الكهرباء والماء من دون استثناء السكن الخاص للمواطنين.

5-    خفض عدد الطلبة المبتعثين إلى الخارج، وزيادة المعدل المطلوب للابتعاث.

6-    حرمان موظفي الحكومة والهيئات والمؤسسات والشركات التابعة للحكومة من الزيادات والترقيات السنوية.

هذا في حين أن الاجراءات الأخرى المقترحة لخفض المصروفات، فهي لا تستثني من هذا الخفض بنود الإنفاق الاجتماعي الضرورية ذات الصلة بحياة الغالبية الساحقة من الناس كالإنفاق على التعليم والصحة والرعاية السكنية والدعوم والمساعدات، ما يعني أن خفض المصروفات سيمس بالضرورة مستوى المعيشة العام.

وأما القرار السادس الصادر عن مجلس الوزراء أمس فكان متصلاً بتشكيل فريق لدراسة ما أسماه "الجوانب السلبية والانحرافات القائمة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والمخالفة للقانون التي تقوم بها الحسابات الوهمية..."، ونحن هنا نتساءل: ترى، ألا تكفيكم الترسانة الحصينة من سلسلة القوانين المقيدة لحرية الرأي وحرية التعبير التي تتعسفون في استخدامها لملاحقة أصحاب الرأي والمعارضين والمغردين وحبسهم والمتمثلة في القانون رقم 63 لسنة 2015 في شأن جرائم تقنية المعلومات، وفي القانون رقم 37 لسنة 2014 بإنشاء هيئة تنظيم الاتصالات وتقنية المعلومات، وفي القانون رقم 8 لسنة 2016 بشأن تنظيم الإعلام الإلكتروني، هذا بالإضافة إلى قوانين المطبوعات والنشر والإعلام المرئي والمسموع وقانون أمن الدولة 31 لسنة 1970، بحيث تسعون لاستحدث المزيد من القيود وتشريع قوانين جديدة تكمم الأفواه وتكبّل حرية الرأي وتضيق على حرية التعبير؟!

إن الحركة التقدمية الكويتية تنبّه الشعب الكويتي إلى ما تنطوي عليه القرارات الحكومية الأخيرة من مساس بمعيشة الناس واستهداف لتقليص الحدود الدنيا المتاحة من حريتهم، وتهيب بالحركة النقابية العمالية وبمؤسسات المجتمع المدني إلى التصدي لهذه التوجهات.

الكويت في 25 أغسطس 202٠