زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان فور وقوع الانفجار الكارثي في ميناء بيروت. ووعد بتقديم مساعدات، ودعا في المقابل ذلك إلى تخفيض المعاشات والإنفاق العام، وتقليص عدد موظفي الدولة وإغلاق محكم للحدود مع سوريا. وفي بيان له أكد الحزب الشيوعي الفرنسي أن لبنان لم يعد محمية فرنسية. وإذا كان ماكرون يريد حقًا مساعدة هذا البلد، فعليه أن يستمع إلى مطالب الشعب اللبناني والقوى التقدمية في ساحات الاحتجاج.

أثار الانفجار الكارثي الهائل الذي دمر الميناء وأجزاء من العاصمة اللبنانية بيروت في 4 آب موجة من التضامن وتقديم المساعدات في جميع أنحاء العالم. لقد ضربت الكارثة بلدا يعيش أزمة اقتصادية وسياسية حادة.

وبرهنت الحركة الاحتجاجية المتصاعدة، منذ 17 تشرين الأول، والتي ازدادت حدة بعد الانفجار، أن قطاعات واسعة من الشعب اللبناني لم تعد تقبل ولا تنسجم مع الظروف البائسة. وان الناس يريدون تغييرا جذريا للنظام السياسي والاقتصادي القائم، منذ عقود طويلة، على الفساد المستشري والمحسوبية، وسلطة عوائل وامراء الطوائف والمجموعات القومية التي ترسخ نفوذها في ظل الانتداب الفرنسي، وقادت السلطة السياسية بعد تأسيس الدولة اللبنانية المستقلة، هذه العوائل التي تتستر بثياب دينية وطائفية (مسيحيون، وسنة، وشيعة، إلخ) لتضليل الناس.

بالإضافة الى ذلك عاشت البلاد سنوات الحرب الأهلية القاسية وكانت دوما عرضة لاحتلال واعتداءات إسرائيلية متكررة، التي وجدت في قوى اليمين الفاشي اللبناني خير عون لها، وبأشكال متنوعة.

وبعد الانفجار مباشرة أعلنت فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوربي ودول غربية أخرى عن استعدادها لتقديم المساعدة.

وانتهز الرئيس الفرنسي ماكرون الفرصة لتقديم نفسه كرجل دولة كبير وسافر على عجل إلى بيروت. لكنه ربط بين تقديم المساعدات وسلوك المستعمر “لنبيل”، فطالب عمليا بتطبيق وصفات صندوق النقد الدولي التي تمت الإشارة اليها، باعتباره متحدثا باسم حلفائه الغربيين، لترسيخ توجهات الليبرالية الجديدة في لبنان ما بعد الكارثة.

من الواضح أن المراكز الرأسمالية الكبرى توظف الكارثة، باعتبارها فرصة لحث المتنفذين في لبنان على مزيد من الامتثالً والخضوعً للتوجيهات الغربية، والطريقة المثلى هي تقديم المساعدات لبلد يعيش ظروفا أكثر من استثنائية. وبالتالي استعادة المزيد من التأثير المباشر في لبنان، الذي كان ولا يزال قاعدة مهمة للتأثير الغربي في عموم منطقة الشرق الأوسط.

بيان الشيوعي الفرنسي

 أصدر الحزب الشيوعي الفرنسي بيانا حول الأحداث التي عاشها لبنان في الأيام الأخيرة. ويتمتع البيان بأهمية خاصة، للعلاقات الوثيقة التي ربطت الحزب بقوى اليسار اللبناني، وخصوصا الحزب الشيوعي اللبناني، حتى خلال سنوات الاستعمار الفرنسي المباشر .

يبدأ البيان بوصف الحالة العامة في لبنان والنتائج والعواقب الكارثية المعروفة للانفجار ويعلن عن التضامن مع الشعب اللبناني ومد يد العون له.

ويؤكد في حالة الطوارئ الاستثنائية، فإن الأولوية لتقديم المساعدة الأممية والتأكد من عدم وقوعها في ايدي الفاسدين. وان لا يشترط هذا التضامن تنفيذ سياسة التقشف القاسية لصندوق النقد الدولي. وإن الأمر متروك للشعب اللبناني وقواه التقدمية لاتخاذ القرارات المتعلقة بالإصلاحات التي ستجعل من الممكن تلبية احتياجاتهم. وعلى فرنسا ان لا تتصرف كقوة استعمارية سابقة، بهدف المزيد من الهيمنة على لبنان، ففي حالة الطوارئ لا مكان للتدخل الخارجي.

لقد دعمت البلدان الغربية، وخاصة فرنسا، بكل ما تستطيع المتنفذين في لبنان، والذين وظفوا مساعدات المؤسسات المالية العالمية بالضد من مصالح الشعب ولترسيخ الخراب، وتدمير الخدمات العامة والحاجات الأساسية مثل المياه والكهرباء وقطاع الصحة. ولذلك من غير اللائق ان يأتي ماكرون ليعلم اللبنانيين كيف يتصرفون ويلقي عليهم الخطب الأخلاقية، التي تتعارض باستمرار مع المواقف الفرنسية المعروفة. ووراء شهامة ماكرون المعلنة، تختفي الرغبة في الحفاظ على النظام الحالي في لبنان في ظل ظروف جديدة من أجل إدامة الهيمنة والتدخل الغربيين. والأسوأ من ذلك، أن ماكرون يمرر الشروط التي فرضها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فضلا عن الشروط التي يعلنها ترامب.

ان لبنان يستحق أكثر وأفضل من المناورات والخداع التي ستكون ذات نتائج كارثية

عرض مقالات: