في الثاني من شباط 1962، اعتقد الرئيس الامريكي جون كندي، ان الحصار الشامل الذي سيفرضه بعد ساعات على الثورة الكوبية، سيؤدي الى زوال سلطتها، حتى قبل ان يدخن السيكار الكوبي المولع به، والذي قام بجمعه من جميع اماكن البيع في العاصمة الامريكية. لقد كانت حسابات كندي خاطئة 100 في المائة. و فشلت محاولة الرئيس الامريكي اوباما في عام 2016، عندما دعا الى الرفع الكامل للحصار عن كوبا، لانه من ادوات الحرب الباردة عديمة القائدة. وجاء ترامب ليشدد الحصار مجددا على كوبا. وفي وقت لاحق قال السفير الامريكي في هافانا في عهد اوباما جيفري ديلورينتيس إن حكومته لم تمض في المشوار حتى نهايته، وكان لمزيد من وجود الشركات الأمريكية العاملة في كوبا ان تجعل تراجع ترامب أكثر صعوبة.
لقد أصبحت العقوبات الامريكية المفروضة على كوبا الآن أكثر شمولاً وعدوانية وأكثر حضوراً في وسائل الإعلام من أي وقت مضى ، حتى لو لم تحقق هدفها المنشود، في تضيق الخناق كليا على الاقتصاد الكوبي، بسبب استراتيجية التنوع التي تتبعها كوبا. لقد ادى الغاء حلحلة قيود الحصار السابقة الى خلق حالة من خيبة الأمل عند الكوبيين. بينما قام أوباما بفتح حركة النقل الجوي بين الولايات المتحدة وكوبا ، حتى تصاعدت من الصفر إلى 100 رحلة يوميا ، حظر ترامب جميع الرحلات باستثناء العاصمة هافانا. وادت تسهيلات اوباما الى تمكين قرابة 1،2 مليون مسافر امريكي، في عام 2017 من زيارة كوبا، فيما ادى حظر ترامب الى خفض هائل لعديد المسافرين، وانخفضت معه واردات دخل القطاعات الخاصة والتعاونية المتزايدة في كوبا.
وادى تشديد العقوبات في مجال الاتصالات الى اضعاف النشاط العلمي والثقافي مع كوبا، فالكثير من منتديات التواصل وشركات الخدمات الرقمية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة ممنوعة من التعامل مع شبكات الانترنت وتبادل المعلومات الكوبية. ويصعب حتى ارسال البريد الألكتروني العادي.
وفي الوقت نفسه ، فإن الغاء العمل بتأشيرة السفر المتعددة، والنافذة لخمس سنوات، والتي كان بإمكان الكوبيون طلبها سابقًا، للسفر من والى أمريكا ، لعدة مرات، و لأسباب تتعلق بالعمل أو العائلة ، شكل عقبة رئيسية أمام نمو القطاع الخاص. يا ترى هل تتوافق الممارسات الأمريكية مع قيم حرية حركة البضائع والتجارة والأشخاص المنصوص عليها في الاتحاد الأوروبي؟
من الواضح ان غطرسة ترامب تجعله لا يعير اهتماما كبيرا للمواقف الأوربية، خصوصا وهو يخوض سباقا انتخابيا صعبا، في ظل أزمة عالمية اقتصادية - صحية مركبة، تركت انعكاسات سلبية على حياة المواطن الامريكي، اكثر بكثير من مواطني البلدان الراسمالية المتقدمة، لهذا فان اصوات المعارضيين الكوبيين المتشددين في ولاية فلوريدا تحتل الأولوية في حسابات ترامب، وخصوصا وان امكانية خسارته للولاية قد تكلفه كرسي الرئاسة في البيت الابيض.
الحكومة الألمانية مطالبة باستخدام رئاستها لمجلس الاتحاد الأوروبي، التي بدأت في الأول من تموز، لإرسال إشارة ضد سياسة ترامب تجاه كوبا والعمل من أجل حرية التجارة والتبادل والتعاون، لإن سياسة العزل والعقاب لا تفيد إلا المتشددين الذين لديهم مصلحة سياسية في الوضع الراهن. لقد حان الوقت لأن يكون الاتحاد الأوروبي أكثر شجاعة بشأن ملف سياسته الخارجية. وهذه هي الطريقة الوحيدة لادارة التحديات السياسية السلمية بنجاح في عهد ترامب وما يرتبط به من مخاطر سياسية غير محسوبة.

عرض مقالات: