حول الازمة الاقتصادية والانهيارالنفطي وعواقبهما وسبل المعالجة وعن الموازنة وانتهاكات الدستور وديون العراق واقتصاد السوق الاجتماعي وغيرها

 نورس حسن

اكد الخبير الاقتصادي د. ماجد الصوري ان الازمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد لم تكن مفاجئة، بل وكانت متوقعة نظرا لسوء الإدارة الاقتصادية والمالية في البلاد، وبسبب تغييب الرؤية الواقعية الى التنمية الاقتصادية والمجتمعية بشكل عام، من طرف الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003.
وقال الصوري في حديث لـ "طريق الشعب" ان انخفاض اسعار النفط لا يرتبط بتفشي فيروس كورونا فحسب، "فقد سبقه صراع اقتصادي كبير بين الولايات المتحدة والصين بالدرجة الاولى، ادى الى تباطؤ في الانتاج العالمي، خصوصا لدى الصين والدول الاوربية، نجم عنه تضاءل الطلب على النفط". واضاف ان فيروس كورونا جاء فزاد الطين بلة، لاسيما بالنسبة للصين التي تعتبر محركا اساسيا للاقتصاد العالمي والنفطي بالذات. فقدانخفضت استيراداتها من النفط من حوالي 10 ملايين برميل يوميا في المعدل، الى ما يزيد قليلا على 3 ملايين برميل يوميا في شهر شباط 2020.
وفي نفس الوقت، وبسبب الصراع بين منتجي النفط الاساسيين: السعودية وروسيا والولايات المتحدة الامريكية، قامت السعودية بزيادة الانتاج من 10 ملايين برميل/ يوم، الى 12-13 مليون برميل/ يوم، مما زاد في تخمة المعروض من النفط في السوق العالمي، الى جانب اصرار الاخرين على رفض تخفيض الانتاج. وادى هذا الى انخفاض اسعار النفط بدرجة كبيرة، حتى وصل الى اعلى قليلا من20 دولارا. واشارت بعض التوقعات الى احتمال هبوطه الى 10 دولارات للبرميل.
واشار الصوري في حديثه الى ان انخفاض اسعار النفط أتاحا للصين والولايات المتحدة استغلال الفرصة لتعبئة مخازنهما الاستراتيجية والتجارية ( في الصين تستوعب حسب بعض التقديرات 1،5 مليار برميل، وفي امريكا 750 مليون برميل)، مما قد يؤدي الى ارتفاع نسبي في اسعار النفط لفترة محدودة. وفي نفس الوقت قامت الصين بشراء اسهم الشركات الاجنبية العاملة في الصين وبقية دول العالم، مستثمرة انخفاض اسعار اسهمها بفعل الازمة الاقتصادية التي تزداد حدة نتيجة الاوضاع المستجدة.

العراق والنفط والعائدات

وأشار الصوري الى ان العراق يُفترض ان يصدر حسب موازنة 2020 غير المقرة حتى الآن، 3 ملايين و800 الف برميل يوميا بسعر 56 دولارا للبرميل. "الا ان العراق لم يصل الى هذا المستوى في عام 2019، وكان اعلى رقم حققه هو 3 ملايين و600 الف برميل يوميا، اما معدل صادراته اليومية عام 2019 فبلغ نحو 3,350 مليون برميل يوميا".
وذكر د. الصوري ان انخفاض دولار واحد في سعر النفط يؤدي الى انخفاض الايرادات النفطية السنوية بمبلغ يتراوح بين 1,387 مليار دولار و1,223 دولار سنويا وذلك حسب حجم الصادرات: 3,800مليون برميل يوميا او3,350مليون برميل يوم. "ما يعنى ان انخفاض سعر النفط من 56 دولارا للبرميل الى 30 دولارا للبرميل، يؤدي الى انخفاض ايرادات العراق النفطية بحوالي 36 مليار دولار (نحو 43 ترليون دينار). فاذا أضفنا عجز الموازنة المثبت حاليا، وهو بحدود 48 ترليون دينار، فان مجموع عجز موازنة هذا العام سيزيد على 90 ترليون دينار".
اما اذا انخفضت كمية التصدير الى 3 ملايين برميل يوميا فقط، فان حجم الايرادات سينخفض بحوالي 45 مليار دولار (نحو 53 ترليون دينار - على اساس سعر التحويل الرسمي 1182 دينار للدولار)، اي ان عجز الموازنة سيرتفع الى اكثر من 100 ترليون دينار. "اما اذا انخفض سعر البرميل الى اقل من ذلك، وهو ما لا نتمناه، فان ذلك سيدفع العراق الى هاوية شديدة".
وفي الصدد اشار الخبير د. الصوري الى ان الحجم الكلي لموازنة 2020 يفترض ان يتراوح بين 150- 160 ترليون دينار، و"هذا يعني ان العجز سيعادل ثلثيها، وهو ما يخالف قانون الادارة المالية والدين العام، الذي يشدد على ان عجز الموازنة لا يمكن ان يزيد عن 3 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي، اي بحدود 6 الى 7,6 ترليون دينار، حسب السعر الثابت او السعر الجاري".
وتطرق د. الصوري الى الخسائر التي يتكبدها العراق بفعل الازمة الراهنة، فقال انها "جعلت عائداته المالية من تصدير النفط في ظل الظروف السائدة لا تتجاوز في افضل الاحوال مبلغ 38 ترليون دينار، وبذلك لن يستطيع العراق تغطية نصف الاحتياجات المالية للموظفين والمتقاعدين والمستفيدين من الرعاية الاجتماعية" حسب المطلوب حاليا. كما اشار الى القرارات الاضافية التي اتخذها مجلس الوزراء المستقيل، والتي ادت الى زيادة نفقات تعويض الموظفين الى اكثرمن 70 ترليون دينار، وتساءل قائلا: "كيف سيتم تسديد هذا والواردات النفطية للموازنة لن تزيد على ما ذكرناه؟"
وزاد ان "غياب الرؤية في شأن عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وسوء ادارة الاموال، وعدم العدالة في توزيع واعادة توزيع الدخل، والانطلاق من مبدأ: اننا رزقنا بالثروة النفطية فلا داعي لتفعيل القطاعات الاخرى .. هذا مجتمعا ادخل العراق في مأزق اقتصادي يصعب الخروج منه، في ظل غياب الجدية في ميدان التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتفشي الفساد".
ولفت الى النفقات الاضافية الطائلة تحت عنوان المخصصات والمنافع، التي تدفع الى اصحاب الدرجات الوظيفية العليا في الدولة، مشيرا الى ما تتقاضاه الرئاسات الثلاث والوزراء والنواب وعموم ذوي الدرجات الخاصة واعضاء مجالس المحافظات. وان بعض الارقام يؤكد ان هذه المخصصات والمنافع تشكل 65 في المائة من اجمالي تعويضات الموظفين والرواتب.

اجراءات آنية واخرى متوسطة وطويلة الامد

وفي خصوص الاجراءات الآنية الممكن اتخاذها للتخفيف من حدة الازمة الراهنة، بيّن الخبير الصوري ان مخصصات الموظفين ومنافعهم تتراوح بين 40 و50 ترليون دينار، وان بالامكان توفير20 – 25 ترليونا منها اذا خفضنا المخصصات والمنافع الى النصف فقط، والمقصود مخصصات الموظفين من منصب معاون مدير عام فما فوق. لذلك من المفروض ان تتم اعادة النظر في سلم الرواتب والمخصصات والمنافع لضمان التوزيع العادل للاموال، وتخفيض ما لا يقل عن 30 الى 35 ترليون من هذه النفقات.
وفي مثل هذه الظروف المنفلتة يُتوقع ان يكون هناك اكثر من مليون شخص من الفضائيين، وعدد كبير من العاملين في الدولة ممن يتقاضون من 2 الى 5 رواتب شهريا. وقد كشف ديوان الرقابة المالية في احد تقاريره، بعد تدقيق جزء بسيط من دوائر الدولة، اكثر من عشرين الف حالة اشخاص ممن يتقاضون من 2 الى 5 رواتب شهريا. ومن المتوقع ان يؤدي القضاء على ظاهرة كهذه الى تخفيض الانفاق بنحو 10 ترليونات دينار اخرى.
وتابع الصوري ان هناك اجراءات متوسطة واخرى طويلة الاجل يمكن اتخاذها للتقليل من شدة الاعتماد على موارد تصدير النفط الخام، واشار في هذا الخصوص الى "اعادة تفعيل القطاعات الصناعية مثل البتروكيمياويات، التي تمتاز باسعارها المرتفعة، وكثافة الطلب عليها، وبوارداتها المالية التي تفوق واردات النفط، وهو ما انتبهت اليه السعودية وأستفادت منه. ولم تسع حكوماتنا المتعاقبة بعد عام 2003 الى استثماره، فتراجع العراق وراء السعودية بمراحل كبيرة. كذلك المصافي التي أهملت اعادة تأهيلها كما اهمل التوسع في انتاج المشتقات النفطية لتغطية الاحتياجات المحلية وللتصدير، نتيجة سوء الادارة والمصالح الذاتية، ما فرض تخصيص 6 مليارات دولار لاستيراد البنزين والغاز فقط. في حين كانت هذه المبالغ تكفي لاعادة تأهيل الطاقات المتوفرة في المصافي والتوسع في الانتاج. هذا اضافة الى تطوير انتاج صناعة الاسمدة وصناعة الادوية وغيرها من المجالات الانتاجية التي يزخر بها العراق.
وفي السياق ذاته اشار الصوري الى خطوات ضرورية اخرى، مثل تفعيل مجلس الخدمة لاعادة هيكلة الوظائف في الدولة، وترشيق عدد الوزارات والعاملين في الجهاز الاداري.
وأضاف ان من المهم كذلك العمل على تهيئة البيئة اللازمة لتنمية القطاع الخاص ومشاريعه الصناعية الصغيرة والمتوسطة، التي تختلف المصادر المختلفة بشأن أعدادها. فهناك من يقول ان مجموعها 35 الف مشروع، وغيره يذكر رقم 45 الفأ، وثالث يؤكد ان عددها يتجاوز 60 الف مشروع. فهذه المصانع او المشاريع لو اخذناها بعددها الادنى لوجدنا انها تستطيع ان تتكفل باستقطاب اعداد كبيرة من العاطلين عن العمل، وزيادة واردات الدولة غير النفطية، وتقليل اعباء التوظيف، وتقليل استيراد السلع والخدمات، فضلا عن اعادة الحياة الى القطاع الخاص والقطاع الزراعي، بشرط توفير الدعم اللازم وتوفير الطاقة الكهربائية، والذي بدونه لا يمكن لعملية التنمية ان تتحقق. ومن اجل تخفيض نسبة البطالة والفقر لا بد من التوسع في نشاطات البنى التحتية ذات الكثافة الكبيرة في العمالة، وتنشيط جميع انواع السياحة في العراق.

موازنة اهداف لا بنود

وفي ما يخص الموازنة قال الصوري ان من الضروري "ان تُبنى على اساس الاهداف التنموية الاقتصادية والاجتماعية، ولا تكون موازنة بنود". واوضح انه مثلما تتفق الآراءعلى استحالة استيعاب المؤسسات الحكومية جميع العاطلين عن العمل، فان ما نحتاجه حسب جميع الدلائل هو اقتصاد السوق الاجتماعي، الذي يمنح الدولة دورا مهما في الادارة الاقتصادية بمشاركة القطاع الخاص.
وأشار الى ان هناك نواقص كبيرة جدا في ادارة الملف الاقتصادي في البلاد منذ عام 2003 وحتى الان، "وكثيرا ما جرى التنبيه اليها ولكن لا توجد آذان تصغي". وذكر ان من بينها عدم تطبيق الاستراتيجيات العديدة (16 إستراتيجية) التي وضعت من قبل خبراء اقتصاديين محليين وأجانب ومنظمات دولية، "فليست هناك جدية في تطبيق الدستور وتطبيق القوانين ولا في تطبيق الستراتيجيات والخطط".

خروقات دستورية

وبيّن الصوري "ان هناك مماطلة حتى في تطبيق الدستور والقوانين، خاصة في ما يتعلق باعداد الموازنات السنوية، التي بني اغلبها في السنوات السابقة على اساس عجز مالي. بينما المعلومات تقول ان اغلبها انتهت بفائض مالي، ولكن لم يعرف حتى الآن اين ذهب ذلك الفائض واين صرفت الاموال. والخلاصة هي ان "الحكومات لم تعمل وفق سياقات اقتصادية صحيحة في اعداد الموازنات، التي يفترض ان تكون واضحة الاهداف وذات مؤشرات اقتصادية متكاملة يتوجب اتباعها، وتحديد مسؤولية تنفيذها، وفي حال التخلف تجري محاسبة المقصرين وفق سياقات قانونية".
واكد الصوري ان الموازنة المقترحة بشكلها الحالي لا يمكن تنفيذها، نظرا الى عدم توفر الاموال، فيما تعجز الحكومة عن توفير هذه الاموال عن طريق زيادة الضرائب، نظرا الى تردي الوضع الاجتماعي والاقتصادي وتزايد نسبة الفقر والبطالة. كما ان من الصعب اللجوء الى الاقتراض مع تفشي الفساد الاداري والمالي في البلاد، وتردي الاوضاع الاقتصادية العالمية. يؤكد هذا ما حصل عليه العراق من وعود بمنح وقروض في مؤتمر المانحين في الكويت، زاد مجموعها على30 مليار دولار، لكنها لم تنفذ حتى الان بسبب الفساد السائد عندنا وغياب الثقة الدولية بالمسؤولين في الحكومة العراقية.
وخلص د. الصوري الى "ان نظامنا الاقتصادي بعمومه وليس فقط موازنة عام 2020 بحاجة الى اعادة هيكلية".

اموال هائلة دخلت العراق

واشار الى ان "ايرادات النفط التي دخلت العراق منذ عام 2003 حتى نهاية عام 2019 بلغ حجمها 930 مليار دولار، وهي مبالغ كفيلة ببناء دول. اما مجموع الموازنات الرسمية التي نشرت في الوقائع العراقية، عدا الموازنات التكميلية، فبلغ حجمها 1848 ترليون دينار، وهذه مبالغ طائلة. علما ان المبالغ التي دخلت الى العراق مع الواردات النفطية بلغت بحدود 1340 مليار دولار، بما فيها 60 مليارا من امريكا، و 18 مليارا من برنامج النفط مقابل الغذاء، اضافة الى الاموال المجمدة العائدة الى نظام صدام حسين، و مساعدات وقروض خارجية وداخلية ومنح وتسهيلات وعوائد غير نفطية. وكان يمكن بواسطتها جميعا بناء عراق يصل الى مصاف الدول المتطورة، وضمان حاضره ومستقبله ومستقبل اجياله!"

ديون العراق وقروضه

وتحدث الخبير الاقتصادي د. ماجد الصوري عن قروض وديون العراق فقال ان قروضه الداخلية بلغ رصيدها حتى منتصف العام الماضي 2019 بحدود 38 ترليون دينار. واوضح انها "مبالغ تم اقتراضها من المصارف الحكومية وغير الحكومية، وغيرها من صندوق التقاعد وصناديق شركات الائتمان، وتم تسييل قسم كبير منها عن طريق البنك المركزي العراقي".
وفيما يتعلق بالقروض الخارجية بيّن انه في عام 2004 كان بذمة العراق 51,6 مليار دولار من ديون نادي باريس، وبعد تخفيضها حسب الاتفاق بقي منها 6,978 مليار دولار، وبلغ رصيدها في اواسط عام 2019 حوالي 4.883 مليار. اما الديون من الدول خارج نادي باريس بما فيها ديون صغار الدائنين وكبارهم، وديون مختلفة العملات، فقد بلغت بحدود 29 مليار دولار، والمتبقي منها حتى الان بحدود 13,263مليار دولار، بما في ذلك المتبقي من تعويضات الكويت حسب قرار مجلس الامن. اما الديون " البغيضة" لدول الخليج وبعض الدول الاخرى والتي يبلغ حجمها بحدود 41 مليار دولار، فهي بشكل عام لا تدخل ضمن حسابات الديون المطلوب تسديدها، وانما تم احتسابها بسبب طلب صندوق النقد الدولي لحين تصفيتها بالتراضي مع الدول المعنية.
واشار د. ماجد الصوري الى انه " بلغ رصيد الديون الجديدة التي تم اقتراضها بعد عام 2003 من الدول والمنظمات الدولية ومن جهات يابانية وفرنسية، وسندات يورو، 13,353 مليار دولار. وبذلك فان اجمالي الديون القديمة والحديثة، عدا الديون البغيضة، لا يتجاوز حجمها 30في المائة من الناتج المحلي الاجمالي".
وفي خصوص خدمة الدين العام الداخلي والخارجي ذكر الصوري انها " بلغت عام 2018 بحدود 12 ترليون دينار، اما في عام 2019 فبلغت بحدود 10 ترليون دينار."
وشدد على ان "من واجب العراق في ظل الازمة الاقتصادية التي تثقل كاهله، ألا يقترض الا من اجل التنمية وليس لتغطية النفقات التشغيلية".

الضرائب والجمارك

وتطرق الخبير الصوري الى السياسة الضريبية، فأشار الى ان العراق يفتقر الى سياسة ضريبية غايتها اعادة توزيع الدخل بشكل عادل، وتحفيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية عبر اجراءات تتخذ من خلال الموازنة. ومن المفترض ان تعكس السياسة الضريبية في كل مرحلة من المراحل الاحتياجات الاقتصادية الملموسة للبلد. وفي مرحلتنا الحالية مثلا، يفترض زيادة الضرائب على الأمور الكمالية وان تقوم السياسة الضريبية بتخفيف العبء عن النشاطات المتعلقة بالصناعة والزراعة". واوضح ان جميع الدول تقوم بمساعدة المصدرين فيها، من اجل تخفيض التكاليف والاعباء عن السلع المصدرة، الا ان الحكومة العراقية لم تتمكن حتى الان من حل مشكلة الكهرباء والبنى التحتية الاخرى، التي تشكل عبئا كبيرا على تكلفة الانتاج المحلي في جميع مجالاته، وتجعله غير قادر على المنافسة لا في السوق المحلي ولا في السوق الخارجي.
وفي ما يتعلق بالتعرفة الجمركية، وهي ضرائب غير مباشرة، من الضروري جدا ضبط المنافذ الحدودية، من اجل حماية الانتاج المحلي وتحقيق الموارد المالية للدولة، خصوصا وان هناك اختلافا كبيرا جدا في الارقام الرسمية الخاصة بعملية الاستيراد. فالمصادر الدولية تذكر مثلا ان حجم استيرادات العراق عام 2013 بلغ بحدود 78 مليار دولار، بينما تفيد الاحصائيات المحلية ان قيمتها لا تتجاوز 52 مليارا. وهذا خلل ناجم عن عدم السيطرة على المنافذ الحدودية" التي تهيمن عليها عادة بعض الاحزاب السياسية وبعض العشائر المتنفذة.
واشار ايضا الى ما تشهده المنافذ من تهريب واسع للسلع المختلفة استيرادا وتصديرا، اضافة الى عدم الالتزام بالقرارات التي تصدرها الجهات الرسمية في ما يتعلق بالحد من او منع الاستيراد لبعض السلع، نظرا لقدرة الانتاج المحلي على تغطية الحاجة لها. واورد على سبيل المثال ما حدث سنة 2014 -2015 عندما صدر قرار بمنع استيراد الاسمنت. فبعد يومين من ذلك كان هناك من افصح عن حصوله على اجازة استيراد مليون طن من الاسمنت، ما يعني انه كانت هناك عملية فساد ناجمة عن عدم ضبط الحدود، وعدم غلقها في وجه المواد الممنوع استيرادها بالنظر الى توفرها محليا. " لذلك فان الضرائب وضبط المنافذ الحدودية هما جزء اساسي من عملية التنمية الاقتصادية في العراق".

اقتصاد السوق الاجتماعي

وفي شأن اقتصاد السوق الاجتماعي اشار د. الصوري الى ان الدستور العراقي يؤكد في كثير من بنوده الاقتصادية ان توجهه هو اقتصاد السوق الاجتماعي دون ذكر ذلك بشكل صريح. واضاف "ان البرنامج الحكومي لرئيس حكومة تصريف الاعمال الحالية كان قد ذكر اقتصاد السوق الاجتماعي بشكل صريح، واكد هذا التوجه عبر زيادة عدد الشركات المساهمة وتفعيل دور القطاع الخاص ودعم مساهمة الفرد في تأسيس الشركات، وبالتالي جذب الاموال الكبيرة المكتنزة لدى الافراد الى عملية الانتاج. ولكن حتى الآن لا تزال مساهمة الشركات ضعيفة جدا، وهو ما ينعكس في ضعف السوق العراقي للاوراق المالية. كما ان البرنامج اكد دور الدولة في تقديم الخدمات وتهيئة البيئة المناسبة لتفعيل التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة".
وبيّن د. الصوري ان الخطوة المطلوبة نحو اقتصاد السوق الاجتماعي لم تتحقق بسبب "عدم جدية النظرة الى هذا المنهج الاقتصادي، والدليل على ذلك اننا نفتقر حتى الآن الى خدمات الكهرباء والصحة والتعليم، فيما تنتشر عندنا الامية وتتفشى الامراض وتعيش بيننا 3 ملايين امرأة ارملة، وتصل نسبة الفقر حسب إحصائية وزارة التخطيط الى 25 بالمائة".

عرض مقالات: