يجب التثبت من أن "الدين العام" هو الخيار الأنسب...

ومنع استغلاله للتنفيع والتعويض وحزم التحفيز... وإصلاح الإدارة المالية للدولة وضبط تسعير المناقصات

لسنا هنا بصدد الخوض في تفاصيل فنية والدخول في جدل أكاديمي حول مشروع قانون الدين العام الذي أحالته الحكومة إلى مجلس الأمة بالإذن للحكومة خلال مدة عشر سنوات باقتراض مبلغ لا يتجاوز 20 مليار دينار عن طريق إصدار أذونات الخزانة أو السندات أو الصكوك أو الاقتراض المباشر من المؤسسات المالية، ولكن هناك ضرورة ملحة من النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لأن توضح الحكومة على نحو شفاف وترد بوضوح على تساؤلات أساسية مستحقة، أصبحت مثار اهتمام الرأي العام الشعبي، وأهمها:

ما إذا كانت حاجة فعلية وضرورة عملية لعودة الدولة مجدداً إلى آلية الاقتراض، التي سبق أن انتهى في أكتوبر من العام 2017 التفويض القانوني السابق في شأنها؟... ومدى سلامة هذا القرار؟... وماهي الأعباء المالية التي ستتحملها الدولة جراء الاقتراض من احتساب لكلفة الفوائد وخدمة الدين العام؟... وهل هناك بدائل أخرى أفضل؟... وماهي أوجه صرف المبالغ المقترضة؟ خصوصاً في ظل الشكوك المتزايدة وعدم الثقة الكافية بالنفي الحكومي حول صلة هذا الاقتراض بحزم التحفيز المليارية التنفعية التي أطلقتها بعض الجهات، وكان بعضها قد حدد مبلغ 20 مليار دينار تحديداً لمطالباته برصد الدولة لما يسمى الميزانية التحفيزية.

وبالنسبة لنا في الحركة التقدمية الكويتية فإننا نرى أن عودة الدولة مجدداً إلى آلية الاقتراض، بغض النظر عن التفاصيل والمبررات، إنما تكشف بوضوح مدى سوء الإدارة المالية للدولة، وعلى وجه التحديد عبر التضخيم المبالغ فيه سنة بعد أخرى لمصروفات الدولة في بنود ليست أساسية ضمن الميزانيات المتعاقبة، وعبر النهج الحكومي القائم على الهدر والتنفيع وعدم الجدية في مكافحة الفساد، سواء في تسعير المناقصات والمشروعات الحكومية أو في فتح الأبواب على مصاريعها للثغرة التنفيعية المسماة "الأوامر التغييرية".

وبشكل عام، فإنّنا نرى أن "عجز الميزانية" وتآكل الاحتياطي العام للدولة، أو العودة إلى آلية الاقتراض لتمويل العجز، إنما هي نتائج متوقعة للنمط الاقتصادي السائد المتمثل في الاعتماد على مورد وحيد متذبذب الأسعار، وتأكيد ملموس على الفشل الذريع للادعاءات الحكومية بشأن التنمية؛ وعدم الجدية في تنويع مصادر الدخل، بالإضافة إلى سياسة الحكومة في تجاهل ما يفترض أن يتحمّله القطاع الخاص من مسؤوليات اجتماعية في تمويل الميزانية عبر الضرائب وتشغيل العمالة الوطنية.

وبالتالي، فإنه لابد الآن أكثر من أي وقت مضى من البدء بتغيير النهج الحكومي الفاشل، مالم يكن المتعمد، في التعامل غير الجدي مع قضايا التنمية وتنويع مصادر الدخل وتحميل القطاع الخاص وظائفه الاجتماعية في تشغيل العمالة الكويتية وتمويل الميزانية عبر فرض الضرائب التصاعدية على دخول الأثرياء البنوك والشركات الكبرى، ولابد من التوجه نحو معالجة جدية لسوء الإدارة المالية للدولة، والعمل على وضع حد للتضخيم المبالغ فيه لبنود الصرف غير الأساسية وللهدر والتنفيع الموجه لمصالح قلة من كبار الرأسماليين الطفيليين على حساب الغالبية الساحقة من المواطنين.

الكويت في 5 أبريل 2020