تاريخ يستحق أن يُوثّق... ونضال مستمر

(توثيق تاريخي لمسيرة 45 عاماً)

في مثل هذا اليوم الرابع عشر من مارس من العام 1975 أي قبل نحو خمسة وأربعين عاماً تأسس حزب الطبقة العاملة في الكويت تحت اسم "حزب اتحاد الشعب في الكويت"، وفي مثل هذا اليوم كذلك من العام 2010 أي قبل عشر سنوات انطلقت حركتنا التقدمية الكويتية، التي هي الامتداد التاريخي لذلك الحزب العمالي.

ولم يكن تأسيس حزبنا ولاحقاً انطلاقة حركتنا نتاج رغبات ذاتية، وإنما كان تأسيسه وتجدد انطلاقته عبر الحركة التقدمية الكويتية استجابة لحاجات موضوعية فرضها تطور الحركة الوطنية والديمقراطية والتقدمية الكويتية بالترافق مع نمو حركة الطبقة العاملة، وضرورة وجود تنظيم سياسي من طراز جديد للحركة الوطنية والديمقراطية والتقدمية الكويتية وللطبقة العاملة والفئات الشعبية يستند إلى المنهج العلمي القادر على تحليل الواقع وتفسير تناقضاته وحركته واتجاهاته، بحيث يكون هذا المنهج العلمي مرشد عمل من أجل تغيير وطني وديمقراطي واجتماعي للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في بلادنا.

وطوال السنوات الخمس والأربعين شارك حزب اتحاد الشعب في الكويت ولاحقاً الحركة التقدمية الكويتية في مختلف المعارك الرئيسية التي خاضها شعبنا الكويتي وحركتة الوطنية والديمقراطية والتقدمية، فقد كان رفاقنا من القياديين النقابيين العماليين في القطاع النفطي وزملاؤهم الآخرون خلال العام 1975 في طليعة المطالبين بتحرير المورد النفطي من سيطرة شركات النفط الاحتكارية الأجنبية، ودعموا التوجه الوطني لنواب المعارضة حينذاك وفي مقدمتهم الأستاذ عبدالله النيباري للمطالبة بتأميم تلك الشركات الأجنبية وتحقيق تلك الخطوة المستحقة للاستقلال الاقتصادي لبلادنا.

وحققت الحركة النقابية العمالية الكويتية بقيادة رفاقنا وأصدقائنا من النقابيين الوطنيين، خطوات مهمة ومكاسب مهمة لصالح الطبقة العاملة وتطوير العمل النقابي العمالي على نحو ديمقراطي ومؤسسي خلال عقدي السبعينات والثمانينات وبداية التسعينات، وكان للاتحاد العام لعمال الكويت حينذاك بقيادة رفاقنا وأصدقائنا كلمة مسموعة في الداخل والخارج.

وعندما شنت السلطة انقلابها الأول على الدستور في صيف العام 1976 فقد شارك رفاقنا في التصدي لذلك الانقلاب والمطالبة بعودة العمل بالدستور وعودة الحياة النيابية وتعرضوا للاعتقال والحبس والتحقيق وضمنهم رفاقنا من القيادات النقابية العمالية وكوادر حزب اتحاد الشعب في الكويت المرحوم ناصر الفرج، والمرحوم نهار عامر مكراد، وجلال السهلي، وناصر ثلاب، بالإضافة إلى أصدقائنا من القيادات النقابية العمالية الوطنية: حسين اليوحة، وعلي الكندري، ورجا العتيبي، إثر توزيعهم بيان الهيئات الشعبية المعترض على تعطيل العمل بالدستور، هذا ناهيك عن العديد من نشرة "الاتحاد" والبيانات السياسية والكراسات التعبوية التي كانت الصوت المعبّر عن الموقف الشعبي المعارض لذلك الانقلاب غير الدستوري في ظل القيود الشديدة التي كانت مفروضة على حرية الصحافة، ومن بينها كتيبات جرى توزيعها على نطاق واسع نسبياً وكانت ولا تزال ذات قيمة مرجعية حول تنقيح الدستور وحول مرسوم قانون الاجتماعات العامة.

وشارك حزب اتحاد الشعب في مختلف مناشط الحركة الوطنية الكويتية خلال تلك الفترة، فكان داعماً للحملات الانتخابية للمرشحين الوطنيين وللمعارضة الوطنية الديمقراطية وعلى رأسها الدكتور أحمد الخطيب والمرحوم جاسم القطامي في انتخابات ومجالس 1975 و1981 و1985، وكان رفاقنا هم القوة الرئيسية الداعمة لترشيح النائب السابق المرحوم الدكتور أحمد الربعي في انتخابات مجلس 1985 عند خوضه الانتخابات أول مرة في الدائرة الثامنة، بالإضافة إلى مشاركة رفاقنا مع القوى والعناصر الوطنية الأخرى في إقامة ائتلاف لمواجهة الانقلاب الأول على الدستور اتخذ اسم "التجمع الديمقراطي" الذي عقد مؤتمره التأسيسي في ديسمبر العام 1978 بمنزل الشخصية الوطنية الكبيرة أحمد النفيسي، واستمر ذلك التجمع الديمقراطي قائماً بعد عودة الحياة الدستورية، وخاضت قائمته انتخابات 1981 و1985، وشارك لاحقاً في التصدي للانقلاب الثاني على الدستور في العام 1986.

وفي مواجهة الانقلاب الثاني على الدستور في العام 1986 شارك حزبنا ورفاقنا في التصدي له جنباً إلى جنب مع مختلف القوى السياسية والنيابية، ومن بين ذلك المشاركة في "مجموعة الـ 45" التي تأسست في العام 1989 وضمت ممثلين عن مختلف التوجهات السياسية والشعبية حيث تولت أمر جمع عشرات آلاف التوقيعات على العريضة الشعبية المطالبة بعودة العمل بالدستور، وما أعقبها من تجمعات شعبية حاشدة في "دوواين الاثنين"، إذ كان من بين المشاركين في تلك المجموعة الوطنية الضاغطة القائدان النقابيان العماليان التقدميان البارزان: عبدالله البكر وناصر ثلاب، ناهيك عن الدور التعبوي المهم الذي لعبته البيانات والنشرات السياسية التي صدرت عن حزب اتحاد الشعب حينذاك، والمواد الإعلامية المهمة التي صدرت عن "الحركة الدستورية – حد" بقيادة الشخصية الوطنية المعروفة الدكتور غانم النجار.

وعندما تعرضت البلاد إلى الغزو الغاشم من النظام العراقي البائد واحتلاله البغيض، فقد كان رفاقنا جزءاً لا يتجزأ من حركة المقاومة الشعبية التي خاضها شعبنا الكويتي الأبي، حيث صدرت عن حزب اتحاد الشعب في الكويت بيانات تدعو إلى رفض الاحتلال والتمسك بالسيادة الوطنية والشرعية الدستورية، وساهمت تلك البيانات مع غيرها من البيانات والنشرات الصادرة عن العديد من أطراف المقاومة الشعبية في تعزيز صمود الشعب الكويتي، وشارك عدد من رفاقنا في تكوين مجموعات المقاومة المسلحة وكان في مقدمتهم الاستاذ وليد الرجيب والأستاذ على اليوحة والمرحوم الأستاذ إسماعيل فهد إسماعيل، فيما تولى رفاقنا وأصدقاؤنا في الخارج التحرك من أجل تحشيد الدعم العالمي لقضيتنا الوطنية، ومن بين تلك الجهود المشهودة المركزان النقابيان للاتحاد العام لعمال الكويت في دمشق والقاهرة بقيادة عبدالله البكر وهايف عصام العجمي، بالإضافة إلى تحرك حزبنا للحصول على تأييد الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية للقضية الكويتية وفي مقدمتها المواقف المشهودة لكل من الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي، والحزب الشيوعي العراقي، والحزب الشيوعي السوري.

وساهم رفاقنا خلال الاحتلال في اللقاءات التشاورية السرية التي جرت بين ممثلي القوى السياسية الكويتية الصامدين داخل الوطن، وكذلك في تشكيل مركز تنسيقي للقوى الوطنية الديمقراطية والتقدمية ضم: الاستاذ عبدالله النيباري عن حركة التقدميين الديمقراطيين "جماعة الطليعة"، والشهيد فيصل الصانع عن حزب البعث، والمرحوم فيصل المشعان عن "التجمع الوطني"، وأحمد الديين عن حزب اتحاد الشعب، وثلاثة من الشخصيات الوطنية المعروفة هم الدكتور خالد الوسمي، والدكتور غانم النجار، والدكتور علي الزامل، وكان ذلك المركز التنسيقي للقوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية الذي تأسس خلال الاحتلال هو النواة التي شكلت "المنبر الديمقراطي الكويتي" بعد التحرير مباشرة، عندما انعقد مؤتمره التحضيري يوم الثاني من مارس من العام 1991 في ديوان الفرحان بالروضة، بحيث تم توحيد نشاط تلك القوى وانتزاع صفتها العلنية في ظل واقع صعب ومعقد ولكنه كان في الوقت نفسه واقعاً يحمل في طياته التطلع والأمل في بناء كويت جديدة على أسس جديدة بعد تحريرها، ولكن السلطة ونهجها وتحالفاتها ومصالحها الضيقة حالت دون تحقيق ذلك الهدف المأمول، وأعادت البلاد خطوات إلى الوراء، بل لقد حاولت التحلل حتى من التزامها في المؤتمر الشعبي المنعقد في جدة بعودة العمل بالدستور بعد التحرير، وذلك عندما تعمدت أن تعيد إلى الوجود فترة من الوقت في العام 1991 ما كان يسمى "المجلس الوطني" غير الدستوري.

وخلال الفترة بين 1992 و2010 ارتكبت قيادة حزب اتحاد الشعب خطأ يصل إلى مستوى الخطيئة باعتمادها نهجاً تصفوياً أدى إلى ذوبان الحزب ضمن الائتلاف الوطني العام في إطار "المنبر الديمقراطي الكويتي" الذي تشرفنا بالمساهمة الجدية في تأسيسه وانطلاقته ونضالاته طوال عقدين من الزمن، ولكن الخطأ أو الخطيئة تمثلت في عدم الحفاظ على الوجود والنشاط المستقل لحزب الطبقة العاملة، وهو ما تم انتقاده بجدية وتصحيحه في العام 2010، وهذا درس قاس علينا أن نستفيد منه ونمنع تكراره، فالتحالفات والائتلافات الوطنية والديمقراطية على أهميتها وضرورتها إلا أنها ليست بديلاً عن الحاجة لوجود حزب سياسي مستقل للطبقة العاملة والفئات الشعبية.

وعندما استأنف حزبنا وجوده ونشاطه المستقلين في الرابع عشر من مارس من العام 2010 فقد شارك مباشرة في قيادة الحملة الشعبية ضد قانون الخصخصة عبر البيانات والمقالات والندوات العامة واللقاءات التلفزيونية والمشاركة في فعاليات نقابية عمالية وشعبية رافضة للخصخصة، حيث نجحت تلك الحملة في إدخال تعديلات ذات أهمية كبرى على مشروع قانون الخصخصة بعد مروره بصورته السيئة في المداولة الأولى، وكان من بين تلك التعديلات حظر خصخصة النفط والتعليم والصحة، وفي تثبيت نسبة العمالة الكويتية على ما كانت عليه قبل الخصخصة ضمن أي مرفق تتم خصخصته، ومنح الحكومة "السهم الذهبي" المقرر، وللأسف فإن هناك الآن محاولات من الحكومة وكبار الرأسماليين للانقضاض على تلك التعديلات واستباحة القطاع العام وخصخصته من دون ضوابط، وهي محاولات يجب التصدي لها مثلما حدث في ربيع العام 2010، وكذلك مثلما حدث في أبريل من العام 2016 عبر الإضراب العمالي الكبير في القطاع النفطي الذي قطع الطريق على خصخصة هذا القطاع والانتقاص من الحقوق العمالية المكتسبة.

وبدءاً من العام 2010 شاركت حركتنا ورفاقنا في إعادة الاعتبار إلى راية التقدم الاجتماعي ومطالب العدالة الاجتماعية المناهضة للنظام الرأسمالي، الذي يواجه أزمة بنيوية عاصفة، وكان هذا في إطار ما شهده ويشهده العالم بأسره من إعادة الاعتبار إلى الاشتراكية كبديل تاريخي عادل للرأسمالية.

وساهم ويساهم رفاقنا من النقابيين العماليين مع زملاء لهم مخلصين آخرين في الجهود النشطة المبذولة منذ العام 2010 لتصحيح مسار الحركة النقابية العمالية واستعادة وضعها المؤسسي الديمقراطي ودورها المفترض في الدفاع عن الحقوق العمالية، وهو ما تحقق جزئياً خصوصاً في نقابات عمال القطاع النفطي... وتكتسب مثل هذه الجهود أهمية استثنائية في هذا الوقت الذي يتم فيه استهداف الطبقة العاملة والفئات الشعبية بتوجهات اقتصادية واجتماعية تحاول تحميلهم عبء سوء الإدارة الاقتصادية للدولة وتنفيع كبار الرأسماليين الطفيليين.

ومنذ العام 2010 شاركت الحركة التقدمية الكويتية في مختلف أشكال الحراك الشعبي المناهضة للفساد ورشوة النواب، وضد انتهاك مبدأ الحصانة البرلمانية الموضوعية، ولرفض القمع البوليسي للتجمعات، وفي التصدي لمرسوم قانون الصوت الواحد المجزوء، وعارضت حركتنا عبر العديد من ندواتها وبياناتها ومشاركاتها في تجمعات شعبية النهج القمعي الذي اعتمدته السلطة سياسة لها في صيف العام 2014 عبر إسقاط الجنسية الكويتية لأسباب سياسية، وإغلاق الصحف والقنوات التلفزيونية، وملاحقة الناشطين والمدونين والمغردين وذوي الرأي المعارض، وكان عدد من رفاقنا من ضمن أولئك المواطنين والناشطين الذين تعرضوا للاعتقال والمحاكمة، كما كانت حركتنا في صدارة الجهود المبذولة لتوحيد الحراك الشعبي على أسس ديمقراطية، في الوقت الذي انتقدت فيه علناً وبوضوح الانحرافات والأخطاء والسلبيات التي رافقت الحراك... وكانت حركتنا في مقدمة القوى الديمقراطية والمدنية التي تصدت في العام 2012 لمحاولات نواب "مجلس الأغلبية" في التعدي على الطابع المدني للدولة وفرض صيغة الدولة الدينية عبر اقتراحهم تنقيح المادة 79 من الدستور... ودعمت حركتنا بوضوح وعلى أسس مبدأية قضية الكويتيين البدون وطالبت بحل إنساني عادل ونهائي لقضيتهم العادلة.

وطوال هذه السنوات حرص حزب اتحاد الشعب في الكويت ولاحقاً حركتنا التقدمية الكويتية أن  تكون مثلما هي بالأساس حركة وطنية عابرة للطوائف والقبائل والمناطق والعائلات، حركة سياسية تمارس دورها كمعارضة وطنية ديمقراطية تقدمية مسؤولة وغير موجهة نحو أشخاص وإنما هي معارضة ضد نهج ومصالح ضيقة وتوجهات وسياسات وقرارات ترى حركتنا أنها ضارة بمصالح الجماهير الشعبية ومتعارضة مع المبادئ الديمقراطية... فيما طرحت حركتنا في المقابل مطالب واقتراحات إصلاحية تنطلق من الواقع وقابلة للتحقق، كما كانت حركتنا متفهمة للسياسة الخارجية الكويتية ذات الوجهة الاستقلالية النسبية، في الوقت الذي تؤكد فيه حركتنا دوماً على أن حماية المصالح الوطنية الكويتية والتصدي للضغوطات والتحديات الخارجية والمحاولات الإرهابية يتطلب وجود جبهة داخلية متماسكة، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل المشاركة الشعبية والمناخ الديمقراطي.

وترى حركتنا التقدمية الكويتية أن ما تعانيه البلاد من مشكلات وما تواجهه من مصاعب وما تشكو منه من اختلالات إنما يعود بالأساس إلى تحكّم المصالح الطبقية الضيقة للقوى الاجتماعية المتنفذة، والنهب المنظم لخيرات البلاد ومقدراتها، والانفراد بالقرار وسوء الإدارة السياسية والإدارة المالية للدولة، والتضييق المتواصل على الحريات العامة وملاحقة المعارضين وذوي الرأي وتهميشهم، والانتهاك المستمر لدستور الحد الأدنى ومحاولات العبث به، وإفساد الحياة السياسية والعملية الانتخابية، وتجاهل متطلبات العدالة الاجتماعية... وهذه المشكلات والمصاعب والاختلالات جميعاً لا يمكن التصدي لها ومجابهتها والعمل على إصلاحها بجهود شخصية أو فردية مبعثرة، مهما كانت أهميتها، وإنما يتطلب الأمر بالأساس وجود حركات سياسية وشعبية واجتماعية ونقابية منظمة تمتلك منهجاً وبرامج وقدرة على التحرك والتأثير، وليس فقط تسجيل المواقف والاكتفاء بالمعارضة السلبية، وهذا ما تحاول حركتنا التقدمية الكويتية أن تقوم به ضمن إمكاناتها المتاحة وجهودها المثابرة وذلك في ظل واقع صعب وتحديات بالغة التعقيد، ولكننا عازمون على مواصلة مسيرة الإصلاح والتغيير الوطني والديمقراطي والاجتماعي.

وفي الختام نتوجه بالتحية لرفاقنا المؤسسين والرعيل الأول من قادة وكوادر وأعضاء حزب اتحاد الشعب، وفي مقدمتهم الرفيق الراحل مؤسس الحزب وسكرتيره الأول المرحوم عمار حمود العجمي، والرفاق الراحلين: المرحوم راجح العصفور، والمرحوم صالح الدرباس، والمرحوم ناصر الفرج، والمرحوم نهار عامر مكراد، والمرحوم فهد نزال العنزي، والمرحوم عبدالهادي الهاجري، والمرحوم إسماعيل فهد إسماعيل، والمرحوم سمير ياسين، والمرحوم غازي الجاسم... وعهد لهم بأن نواصل المسير.

اللجنة المركزية

للحركة التقدمية الكويتية

الكويت في 14 مارس 2020