يعيش حلف شمال الأطلسي الناتو، قبل انعقاد قمته المقبلة يومي الثالث والرابع من الشهر الحالي، حالة مثيرة للانتباه. الرئيس الأمريكي أعلن في مناسبة سابقة ان الحلف "عفا عليه الزمن". والرئيس الفرنسي تحدث قبل أسابيع عن "موت الحلف السريري". وتركيا تغزو شمال سوريا وتشن حربا عنصرية على الحركة الكردية المسلحة المتحالفة، لأسباب معروفة مع زعيمة الحلف. وفي الوقت نفسه تحصل انقره على أنظمة دفاع جوي من روسيا الخصم والمنافس القوي للحلف، وبالتالي فهي مهددة بالعقوبات الامريكية. والعقوبات التجارية الامريكية التي تشمل أعضاء اوربيين في الحلف لا تؤدي الى ترطيب الأجواء، يضاف إلى ذلك العديد من الخلافات الأخرى بين مختلف "الشركاء". فلا غرابة ان تسمى القمة رسميا "لقاء"، لتجاوز وجوب اصدار بيان ختامي.
ومن المتوقع ان تحتل انتقادات الرئيس الفرنسي الشديدة لحالة الحلف موقعا محوريا في المناقشات. وجاءت الانتقادات على خلفية الاتفاق الأمريكي – التركي على غزو الأخيرة للأراضي السورية، دون الرجوع للحفاء الأوربيين. وعلى الرغم ان الغزو التركي لا يؤثر على وضع القوة الفرنسية الموجودة في المنطقة، لكن ماكرون أراد وضع حد لعملية وضع الحلفاء امام الامر الواقع. وأشارت وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورنس بارلي ، إلى الاتجاه نفسه، عندما تحدثت أخيرا، في اجتماع عسكري - سياسي في البحرين ،أن الناتو بحاجة إلى الانتقال من حالة "الموت السريري" إلى "الصدمة الذهنية". وهذا هو الهدف من الخطوة الأخيرة للرئيس الفرنسي، الذي طالب في لقائه الأخير مع السكرتير العام للناتو بضرورة اجراء حوار واضح وعميق مع روسيا. ولا يعتقد ماكرون ان روسيا وكذلك الصين" عدونا المشترك"، ولذلك من الضروري اجراء "مناقشة استراتيجية عميقة". وشكلت خطوة الرئيس الفرنسي مفاجأة للمتابعين، لأنه ابان توليه مهام منصبه كان من المتشددين تجاه روسيا. ولهذا تمثل مطالبته اجراء حوار مع روسيا، بشأن الأسلحة متوسطة المدى، تحولا واضحا. وزير الاقتصاد الفرنسي وضح في تصريح له الخميس الفائت الصورة "في الجوهر، نريد تحويل الاتحاد الأوروبي من سوق مشتركة إلى قوة عالمية حقيقية ذات سيادة". وفي العاصمة الألمانية برلين، اثارت توجهات ماكرون استياء شديدا. وقال وزير الخارجية الالماني هيكو ماس الثلاثاء الفائت ان "الناتو حي للغاية من الرأس إلى القدمين." وبالمثل، عبر ساسة المان آخرون، بما في ذلك المستشارة ميركل. ولا يثير الموقف الألماني استغرابا، لان الصراع مع روسيا على مناطق النفوذ في أوربا الشرقية، يحتاج الدعم العسكري الأمريكي، نتيجة لغياب القوة العسكرية الألمانية الكافية. وقال ماس الخميس الفائت في مؤتمر لمؤسسة فريدريش ايبرت الألمانية ان "لعبة التفكير بفصل الأمن الأمريكي والأوروبي تقلقني". ولا يعني ذلك أن برلين لا تسعى أيضًا الى عسكرة الاتحاد الأوروبي، ولكنها تراعي مصالحها، ولهذا تتبنى منطقًا مختلفًا عن باريس وتعتمد باستمرار على التحالف مع واشنطن. وبناء على مقترح الماني سيتم التخفيف من الأعباء المالية للولايات المتحدة في ميزانية تمويل الحلف التي ستقر في لندن. وبموجب المقترح ستدفع المانيا حصة مماثلة للحصة الامريكية، ويبدو المقترح سخيا! ان ميزانية الحلف، التي تمول مقره الرئيس في العاصمة البلجيكية بروكسل، وقياداته العسكرية وادارته المدنية تبلغ هذا العام 2.37 مليار. وبموجب المقترح تخفض الحصة الامريكية بمقدار 120 مليون، وترتفع حصة الألمانية بمقدار 33 مليون يورو، وترتفع المساهمات المالية لأعضاء الحلف الآخرين قليلا. ومقارنة بالميزانية العسكرية الألمانية، التي تتجاوز الآن 50 مليار يورو وفقًا لمعايير الناتو، فإن الزيادة في المساهمة الالمانية ليست سوى مبالغ تافهة. وإذا كانت هذه الزيادة ترضي الولايات المتحدة وتحقق استقرارا في الحلف، فان ذلك يصب في مصلحة النخب المهيمنة في المانيا الاتحادية.

عرض مقالات: