تشهد منطقة إميليا رومانيا وسط إيطاليا، نهاية كانون الأول المقبل، انتخابات محلية، ويسعى حزب "الرابطة" اليميني المتطرف، بزعامة الفاشي الجديد ماتيو سلفيني، الى الهيمنة على المنطقة التي كانت تعرف بـ "الحمراء" سابقًا. لذلك بدأ سلفيني يجوب المنطقة موظفا كل ما في جعبة من ماكنة الدعاية الفاشية، لمحو اثار اليسار. ومنذ بضعة أسابيع، يشارك فعاليات عدة خلال اليوم، لإقناع الناس بـ "رسالة الخلاص" الفاشية التي تتضمن متبنيات أهمها، لا مهاجرون، ولا تخفيضات ضريبية كبيرة، فضلا عن نهج متشدد اتجاه الاتحاد الاوربي، ومزيد من الشرطة والعسكرة، وما الى ذلك من المقولات والوسائل اليمينية المتطرفة، التي تتمتع بقبول الناخبين، ليس في إيطاليا فقط، بل في العديد من بلدان القارة.
وفي إحدى الأماسي التقى أربعة أصدقاء من مدينة بولونيا، جميعهم في الثلاثينات من العمر، وكانوا من الرافضين لماكنة الدعاية الفاشية، ونظموا خلال ستة أيام بلياليها عبر شيكات التواصل الاجتماعي، تظاهرة شارك فيها ستة آلاف اكثرهم من الشبيبة المناهضة للفاشية، في الوقت نفسه الذي كان فيه سلفيني يلقي كلمة في تجمع انتخابي حضره 5600 إيطالي، ليثبتوا ان لمدينتهم موقفا آخر. وأطلق الشباب الأربعة على تجمعهم تسمية "السردين"، لعدم تمتع سمكة السردين المنفردة بأهمية اقتصادية، ولكن لقطيع السردين الأهمية الواضحة للعيان.
ولم يرفع الشبان الأربعة اعلاما ورموزا حزبية، بل الكثير من الورق الملون وسمك السردين المصنع من البلاستك لأثارة انتباه الجميع. لقد كان نجاحا استثنائيا، حيث تجمع أكثر من 15 ألف متظاهر في الساحة، معظمهم من الشبيبة، بما في ذلك بعض المشاهير الذين ضمهم الحشد البشري، لكي لا يسرقوا الأضواء من الآخرين. وبعد بضعة أيام فقط، تكرر المشهد في مودينا، حيث فاق عدد السردين المتوافد، عديد أنصار سلفيني. والحركة الان نشطة في جميع انحاء إيطاليا، وخصوصا في المناطق التي ستجري فيها الانتخابات. ومن المقرر تنظيم تظاهرات في فلورنسا وريميني وجنوة وتورينو وروما وأبوليا وسورينتو. والقائمة تطول.
والى الآن ليس لدى "السردين" برنامج أو بنية تنظيمية. وهدف مشروعهم الاولي هو إثبات أن إيطاليا ليست عنصرية وغير متسامحة كما يدعي ماتيو سلفيني. وقال ماتيا سانتوري ، أحد "السردينيين الاربعة الاوائل" ، والحاصل على شهادة جامعية في العلوم الاقتصادية، ويعمل في أبحاث السوق المستدامة إنه "أردنا تبيان أن مدينة مثل بولونيا لا تقبل شعارات الرابطة". وخلال الأيام القليلة المقبلة، يجري التفكير والعمل على توسيع نطاق الانشطة. ومن المهم أن يبقى كل شيء سلميًا ولا يجري التسامح مع أي تدخل من القوى المتنفذة، وتتاح الفرصة لكل من يريد عرقلة احتكار اليمين المتطرف للحياة السياسية في البلاد. وببطء بدأ اليمين المتطرف ينتبه لخطر السردين. وشن على شبكات التواصل الاجتماعي جملة من الاتهامات والاخبار الكاذبة، فيقال مثلا، إن السردين "إسلاميون استأجرهم الحزب الديمقراطي"، وأن "الديمقراطيين والمناهضين للفاشية" يقفون وراء المتظاهرين، ولأسباب غير معروفة توجه التهمة الى بلدان المغرب العربي. وفقد سلفيني توازنه فقال في مقابلة تلفزيونية، أن "السردين سمك صحي للغاية، إذا التهمه المرء. وقد أطلق حركة مضادة اسماها "القطط" التي تفضل اكل السردين". وليس هذه المرة الأولى التي تنشأ فيها بإيطاليا حركة مناهضة للفاشية، ولكن الحركة هذه المرة تشكل عامل ضغط على قوى اليسار والديمقراطية، التي لم تنجح حتى الان في بلورة المعارضة المرجوة.
ويحاول زعيم حزب "الرابطة"، الذي خسر قبل شهرين منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية على اثر انفراط عقد تحالفه مع حركة "خمسة نجوم" الشعبوية، احياء تقاليد سلفه الزعيم الفاشي الايطالي موسوليني، الذي سيطر على الحكم في روما عام 1922 عبر "المسيرة الى روما".
ويتضح ان سلسلة الاحتجاجات التي تسود العديد من بلدان العالم، ومنها انتفاضة شبيبة العراق، تمتاز بجملة من المشتركات لعل أبرزها السلمية، وعنصر الشباب السائد فيها، ووسائل التعبئة المستخدمة، ناهيك عن الطبيعة الديمقراطية للبديل الذي تسعى الى تحقيقه.

عرض مقالات: