أولى الحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه وحتى قبل ذلك بكثير، اهتماما بالغا للصحافة الوطنية التي اعتبرها ملازمة ومكملة للعمل النضالي لإيصال الصوت الوطني الحر للرأي العام وتكريس جهود كبيرة واساسية لتكون ملازمة للعمل الحزبي والفكري، كونه على قناعة تامة بأن الصحافة الحزبية الوطنية هي أمضى أحيانا من الأنشطة النضالية الأخرى، سيما ان الحزب وطيلة تاريخه النضالي المعمّد بالتضحيات والدماء الزكية كان يمارس انشطته في العمل السري، لأنه كان مستهدفا منذ ما كان يتناهى لعلم السلطة القمعية، بأن هناك حزبا يساريا يتبنى الفكر الماركسي ـ اللينيني يهدف الى التصدي لمؤامرات الحكومات العميلة المتعاقبة منذ أواسط العشرينات، سيما بعد انتصار ثورة أكتوبر المجيدة بقيادة الحزب الشيوعي السوفيتي، وشعورا منها بخطورة المد الوطني الآخذ بالنمو بشكل جلي، أخذت تلك الحكومات العميلة على عاتقها التصدي لهذا الخطر الداهم، فجنّدت كل إمكاناتها وأجهزتها البوليسية لملاحقة الرعيل الأول لمناضلي الحزب، ومن أولويات تصديها لذلك الحراك الوطني المقاتل من اجل الحرية التحرر واستعادة هيبة الدولة الوطنية، كانت الصحافة الشيوعية التي تمثلت أولا بصدور اول صحيفة تقدمية عام 1924 بمبادرة الماركسي العراقي حسين الرحال، وكانت تتناول وقتها موضوعات ذات أهمية كبيرة مثل نشر الفكر الماركسي وقضية تحرير المرأة وفضح الممارسات الخيانية للحكام التابعين بعمالة للسياسة الأجنبية، توقفت بعد صدور ستة اعداد، ثم عادت من جديد عام 1927 ومن ثم تم اغلاقها نهائيا.

ومن الجدير بالذكر التأكيد ان تاريخ الصحافة الشيوعية يعود الى عام 1935 بصدور جريدة "كفاح الشعب"، صدر منها 400 نسخة مسحوبة بالستينسل، كانت صوتا نضاليا ووسيلة تواصل بين مناضلي الحزب والجماهير التي كانت تعاني من سياسة القمع والاقصاء والتمايز الطبقي الصارخ وسياسة رهن العراق بيد الأجنبي وتجنيد العملاء والمرتزقة لملاحقة مناضلي الحزب والحركة الوطنية، سيما ان السجون العراقية وقتها كانت تعج بالشيوعيين ومناصريهم، حيث كانوا يعانون ابشع وسائل القمع والتصفيات الهمجية على يد السلطة العميلة وازلامها القتلة، ولنتذكر مجازر سجون بغداد والحلة والكوت ونقرة السلمان وديالى البشعة عامي 1952/1953، ونحيل القارئ الكريم لكتاب الشهيد الخالد عبد الجبار وهبي (أبو سعيد) الموسوم "من أعماق السجون العراقية"، فكان المناضلون الابطال يواجهون رصاص الحقد الأرعن وبلطجة العملاء بصدور مفتوحة وبشموخ نادر، ومع كل تلك الممارسات البربرية، كانوا يستنسخون الجريدة بطرق بدائية يدوية لإيصال الحقيقة لأبناء الشعب، وكان قد سبقهم الى مثل هذا الفعل الوطني مؤسس الحزب الرفيق الخالد فهد ورفاقه الميامين في اصدار البيانات والتعليمات التي كانت تمثل جانبا من الصحافة السرية وقتذاك.

لعبت الصحافة الشيوعية دورا مشرفا ورياديا في العمل الوطني وتوظيف الطاقات المبدعة في اصدار صحافة وطنية مناضلة تصدت لكافة أنواع السلبيات والتجاوزات والشطط الذي كانت تمارسه السلطات القمعية في زمن نوري السعيد واعوانه من الخونة، فكانت الصحافة الشيوعية منذ تأسيسها حتى يومنا الراهن، مدرسة وطنية لا تقل أهمية عن النضال اليومي في مقارعة الظلم ان لم تكن أمضي.

وكان الحزب الشيوعي العراقي يعتبر الصحافة الوطنية الملتزمة بقضايا الجماهير وهمومها وايصال الوعي التقدمي لأوسع شرائح المجتمع، مهمة وطنية وحزبية وامانة لكشف النقاب عن المحاولات المشبوهة للعملاء والخونة لتزوير وقلب الحقائق بجعل العراق تابعا للأجنبي.

من هنا يتضح ما لدور الصحافة الوطنية الحقيقية وفي مقدمتها الشيوعية من أهمية قصوى لإعادة تشكيل الوعي النضالي لدى شرائح عديدة وخصوصا بين أوساط الفقراء والمعدمين.

ما فتئت الصحافة الشيوعية السرية منها والعلنية، أن تكرس كل توجهاتها للعمل الفكري والثقافي والمجتمعي بشمولية قد لا تتوفر لدى العديد من الصحف الأخرى، ولا نتكلم عن الصفراء منها، تلك التي كانت صوتا نشازا وعميلا، ليصطف في احقادها المشبوهة صحفيون أجروا ضمائرهم وسخروا اقلامهم لخدمة الظلم والقمع وتكريس سلطة الإقصاء والحكم الشمولي الظالم.

لذا اهتمت الصحافة الشيوعية منذ سنوات التأسيس الأولى بهموم الناس ومعاناتهم، اذ ان الحزب الشيوعي كان وما زال يعتبر الصحافة الملتزمة والوطنية التقدمية، الوشيجة الوطنية ووسيلة التوعية ووقوف العراقيين لما كان يحدث داخليا وخارجيا، بوسائل متقدمة في الوعي والتناول والمهنية، لا يختلف عليها اثنان من المنصفين.

وبهذه المناسبة الوطنية الغالية، لا يسعنا نحن الأجيال التي نهلت من الرواد مبادئ الأمانة والنزاهة والموضوعية والكلمة المناضلة الشريفة، نبارك لصحافتنا الشيوعية العتيدة هذه المناسبة الفاصلة في تاريخ الصحافة العراقية برمتها وبكل اتجاهاتها الوطنية التقدمية، لنوصي الأجيال اللاحقة أن تمتح من هذه التجارب الإعلامية المتميزة والملتزمة بقضايا الوطن والناس.

وكل عام وصحافتنا الشيوعية في تألق وتميز وعطاء دائم.

لنقف بإجلال لذكرى شهداء الصحافة الشيوعية الميامين ونحيّي الأحياء منهم، اعترافا ووفاء بما قدموه ويقدمونه من تضحيات في خدمة صحافتنا الشيوعية التنويرية المناضلة.

عرض مقالات: