تصدر حزب العمال الاشتراكي الحاكم في اسبانيا بزعامة بيدرو سانشيز الانتخابات البرلمانية العامة التي شهدتها اسبانيا الاحد الفائت. وحصل الاشتراكيون، وفق آخر المعطيات المتوفرة على قرابة 29 في المائة من الاصوات، مقابل 22,63 في انتخابات 2016. وجاء حزب الشعب اليميني المحافظ ثانيا بحصوله على16,7 مقابل 33,10 في الانتخابات السابقة، وبهذا خسر الحزب نصف مقاعده وعد اكبر الخاسرين، وربما سيكتفي بالتنافس مع حزب المواطنين اليميني الليبرالي، الذي حصل على 15,8 في المائة بزيادة قدرها اكثر من 2 في المائة، على قيادة المعارضة البرلمانية.

وجاء تحالف قوى اليسار الجذري المؤلف من حزب بودوموس (نستطيع)، واليسار الاسباني المتحد الذي يشكله الحزب الشيوعي الاسباني رابعا وحصل على 14،3 في المائة، مقابل 21,15 في انتخابات 2016 . واعتبر بعض المحللين حصيلة تحالف اليسار، رغم خسارته لأصوات كثيرة مقبولة، وان قوى اليسار الجذري حافظت على دور رئيس في الحياة السياسية في البلاد، ارتباطا بظاهرة صعود اليمين المتطرف في عموم القارة الأوروبية، والحملة الشرسة التي قادتها اوساط اليمين المحافظ والمتطرف والمؤسسات الاعلامية التقليدية، ضد حزب بودوموس، وخصوصا زعيم الحزب بابلو اغلسياس ، فضلا عن المشاكل التنظيمية التي عانى منها الحزب الذي شكل صعوده ظاهرة مميزة، واستقطب مئات الآلاف من الناخبين في السنوات الأولى من تأسيسه على اثر الاحتجاجات الضخمة ضد الأزمة المالية التي شهدتها اسبانيا في حينه.

وشهدت الانتخابات اقبالا غير مسبوق على المشاركة في التصويت بلغ اكثر من 75 في المائة من مجموع الناخبين الاسبان.

نجاح محدود لليمين المتطرف

حصل الفاشيون الجدد حزب "الصوت" على 10,3 في المائة ودخلوا البرلمان الوطني للمرة الأولى منذ نهاية الدكتاتورية الفاشية بزعامة فرانكو، وعودة الديمقراطية الى اسبانيا في عام 1975. وعلى الرغم من النجاح الذي حققه اليمين المتطرف، لكنه جاء دون التوقعات التي حذرت من امكانية حصول احفاد فرانكو على نتائج متقدمة جدا، نتيجة لخطاب الفاشيين الشعبوى بشأن وحدة الاراضي الاسبانية، مستفيدا من مشاعر الرفض التي سادت اوساط واسعة في المجتمع الاسباني لمطالبات الانفصال التي رفعتها القوى القومية في ولايتي كاتالونيا والباسك والتي شكلت اهم الملفات التي حددت مسار ونتائج الانتخابات. وجاءت محدودية نتائج اليمين المتطرف في سياق ارجحية واضحة لمعسكر الديمقراطية والتقدم، افرزتها نتائج الانتخابات. وهو امر ابرزه قادة تحالف اليسار في ردود فعلهم الأولى على النتائج المعلنة، مؤكدين ان هدفا اساسيا حققته نتائج الانتخابات تمثل في تأكيد الطابع التقدمي للمجتمع الاسباني، الذي يتشكل من شعوب متعددة، على عكس فكرة الشعب الواحد التي يتبجح بها الفاشيون الجدد، والمبنية على منطلقات عنصرية ترفض اي شكل لمبدأ حق تقرير المصير..

سيناريو حكومي صعب

اعادت نتائج الانتخابات الى الواجهة معضلة تشكيل الحكومة التي استمرت قرابة العام بعد انتخابات 2016، فرغم فوز الاشتراكيين، الا انهم ظلوا بعيدين عن الاغلبية المطلوبة (176 من اصل مجموع مقاعد البرلمان 350 )، وحتى التحالف مع كتلة اليسار  وهو سيناريو ممكن، سيظل بحاجة الى مقاعد الأحزاب المحلية في كاتالونيا والأقاليم الأخرى وخصوصا اليسار القومي المطالب بانفصال كاتالونيا، حيث حصلت جميع الاحزاب الصغيرة على ما مجموعه 10,1 مقابل 6,9 بالمائة في عام 2016، وهو امر ليس باليسير، لقد جاءت هذه الانتخابات على خلفية رفض الاحزاب الكاتالونية دعم الموازنة التي قدمها سانشيز في البرلمان، مما حمل الأخير على الدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة هي الرابعة خلال 4 سنوات. والاحتمال الثاني الوارد حسابيا هو تحالف الحزب الاشتراكي مع حزب "المواطنين" الليبرالي اليميني، ولكنه ضعيف التحقق، فكلا الحزبين رفضا قبل الانتخابات فكرة تشكيل ائتلاف حكومي بينهما.

وفي ضوء ما تقدم تصبح امكانية الذهاب الى انتخابات مبكرة اخرى واردة، ما يعني فتح الابواب مجددا لحملة انتخابية شرسة جديدة تتداخل مع الصراع المتنامي بين اليسار واليمين الأوروبي وهما يستعدان لخوض انتخابات البرلمان الأوروبي التي ستجري في26 أيار المقبل.

عرض مقالات: