هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز

في مساء 14 من نيسان الجاري أغلقت صناديق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية الفنلندية، التي شهدت تنافسا بين 22 قائمة وحزبا على مقاعد البرلمان البالغ عددها 200 مقعد.

وشهدت الانتخابات مشاركة واسعة بلغت 72 في المائة، ورافقتها مخاوف من فوز حزب "الفنلنديين الحقيقيين" اليميني المتطرف في الانتخابات، بعد ان شغل في استطلاعات الراي التي سبقت يوم الاقتراع الموقع الثاني. وكانت المخاوف شديدة من تشكيله الحكومة القادمة، وكانت أكبر في أوساط المهاجرين. فاليمين المتطرف عرف بتشدده ومعارضته سياسة الهجرة ودعوته المستمرة الى المزيد من الإجراءات المتشددة، وعزل اللاجئين في إحدى الجزر. وكان زعيم اليمين المتطرف قد صرح مرارا بانه ينوي تشكيل حكومة تحد من "الهجرة الضارة بفنلندا". وجاء اعلان النتائج تباعا مقلقاً للفنلنديين، لاسيما وان النتائج كانت متقاربة جدا وكانت ترتفع وتنخفض بين الحين والأخر.

النتائج النهائية أظهرت تقدم الحزب الاجتماعي  الديمقراطي بحصوله على 40 مقعدا (+6) محققا نسبة 17,7 في المائة، بينما حصل منافسه حزب الفنلنديين الحقيقيين( يمين متطرف) على 39 مقعداً (+1) بنسبة 17,5 في المائة ، وحصلت بقية أحزاب اليسار على نسب متقدمة قياسا بالانتخابات السابقة ، اذ حصل اتحاد اليسار على 16 مقعدا(+4) بنسبة ، وكانت زعيمته الشابة لي اندرسون من الأسماء الأربعة التي حصلت على اعلى الأصوات، وحصل حزب الخضر على 20 مقعدا (+5) ، مما يجعل الآراء تشير الى ان الحزب الفائز سيميل الى تشكيل حكومة بمشاركة قوى اليسار وبالتعاون مع  حزب "الوسط" (المزارعين سابقا) وهو حزب رئيس الوزراء السابق وقد تعرض الى هزيمة ، بحصوه على  31 مقعدا (- 18) .

أن أهمية نتائج الانتخابات النهائية لا تنحصر في فنلندا فقط، بل تتعدى الى عموم القارة الأوربية المقبلة على انتخابات البرلمان الأوربي. فقد نجحت القوى الديمقراطية في ابعاد اليمين المتطرف، من سدة الحكم، والذي كان سيدخل البلاد في فترة عصيبة، وينقض على مكتسبات "دولة الرفاه"، والمكتسبات الاجتماعية التي ناضلت من اجلها اجيال من الفلنديين.، واعتماد سياسة خصخصة الخدمات الصحية والاجتماعية، وان فوزه كان سيساعد على نشر خطاب الكراهية والعداء للأجانب.

وقبيل موعد الانتخابات بأيام نظم لقاء لقادة الاحزاب مع الصحافة، وكانت "طريق الشعب" هناك وطرحت موضوع تشكيل الحكومة. أجاب قادة أحزاب اليسار بان نتائج الانتخابات هي الحاكمة، وستحدد مع من يتم التفاوض، وعولوا جميعهم على احياء تحالف الخضر ــ الحمر. وتفيد النتائج الحالية في حالة عدم التمكن من جمع الأغلبية (100+1)، ستكون هناك مفاوضات مع أحزاب أخرى. ورفضت أحزاب اليسار مسبقا اي إمكانية للتعاون مع حزب اليمين المتطرف لتشكيل الحكومة، لهذا تتجه انظار رئيس الحزب الاجتماعي الديمقراطي الى حزب "الوسط"، وكذلك الى حزب الشعب السويدي الذي حافظ على مواقعه السابقة ونال 9 مقاعد.

 المراقبون يشيرون الى انه في حال لم يتم التوصل مع حزب "الوسط" الى اتفاق مناسب، فربما يلجا الاجتماعي الديمقراطي الى حليفه السابق وهو الاتحاد الوطني الفنلندي (يمين معتدل) الذي حصل على 38 (+1)، والذي طالما اشترك معه في حكومات متتالية ضمت أحزابا من اليسار واليمين، مما دفع الشارع الفنلندي في حينها الى تسميتها حكومات قوس قزح.

ان النتائج الجيدة التي حصلت عليها أحزاب اليسار مجتمعة تشير الى ان الناخبين ملوا من وعود الحكومة السابقة (حكومة الاغنياء) التي اتبعت سياسة التقشف وكانت وبالا على ذوي الدخل المحدود، ويأمل الناس من الحكومة القادمة ان تنفذ وعودها وتحقق نمواً اقتصاديا يضمن لهم حياة أفضل.

يسجل لهذه الانتخابات انها عززت دور النساء البرلمانيات، فهناك 92 امرأة من بين 200 نائب إضافة الى صعود وجوه شابة جديدة في مختلف الاحزاب واختفاء وجوه تقليدية مخضرمة.

يذكر ان هذه الانتخابات شهدت فوز اول نائب من أصول عراقية هو الشاب حسين الطائي ابن محافظ النجف السابق اسعد أبو كلل، وقد وصل الى فنلندا طفلا من مخيمات رفحا في بداية تسعينات القرن الماضي، ودرس في المدارس الفنلندية وعمل في منظمة فنلندية داعية للتعايش والسلام. ويأمل المهاجرون ان يكون صوتا لهم داخل قبة البرلمان.