بعد اعلان الرئيس الجزائري بوتفليقة، مؤخرا، عدم ترشحه للانتخابات القادمة مع القيام ببعض الخطوات التي اعتبرها متماشية مع الحراك الجماهيري الغاضب، تجددت الاحتجاجات الشعبية التي شككت بنوايا السلطة واعتبرتها محاولة لإطالة عمر النظام، مطالبة بتغيير شامل وانقاذ الشعب لا السلطة حسب اللافتات التي رفعها الكثير من المتظاهرين، وفيما اجتمعت أمس احزاب المعارضة لبحث هذه المستجدات المتزامنة مع دعوة نقابية لإضراب كبير مرتقب، دعت بعد رفضها قرارات بوتفليقة عقد لقاء وطني مفتوح يجمع الجبهة المناهضة لمسلك السلطة، وصياغة المطالب الشعبية على شكل خارطة طريق للانتقال الديمقراطي وبناء حكم جديد بعيد عن القوى غير الدستورية، فضلا عن الحذر من إقحام الجيش في التجاذبات السياسية.

واكدت رئيسة حزب العمال الجزائري لويزة حنون عفوية الاحتجاجات التي لا تخص اي حزب، مشددة على رفض التدخلات الخارجية والتحذير من التحريض الذي يقوم به البعض لرفض الاحزاب، بينما اعتبر الباحث جو معكرون ان المشهد الحالي ملتبس وبرغم بعض الايجابيات الموجودة بقرار الرئيس الا انها تخفي محاولات لإنتاج نسخة معدلة عن الوضع الراهن.

تظاهرات حاشدة

واصل المحتجون الجزائريون تظاهراتهم السلمية للمطالبة بالتغييرات السياسية الفورية بعد إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عدم ترشحه لفترة رئاسية خامسة، مشددين على ضرورة إجراء تغيير شامل في النظام الحاكم.

وخرجت أمس الأربعاء تظاهرات عديدة أبرزها الحراك الطلابي في ولاية باتنة شرقي الجزائر، رفع خلالها المتظاهرون لافتات تؤكد سلمية حراكهم، واصفين تراجع بوتفليقة، بانها خطوة لإجبار الشارع على قرار تمديد عهدته لأجل غير مسمى.

وردّد الطلاب شعارا واحدا "طلبة صامدون للتمديد رافضون"، بينما استبدلت لافتات رفض الولاية الخامسة التي تراجع عنها بوتفليقة، بلافتات كتب عليها رقم "4+" مشطوبا، كما ظهرت لافتة كبيرة كتب عليها "يجب إنقاذ الشعب وليس النظام".

اجتماع للمعارضة

وفي السياق، اجتمعت أحزاب من المعارضة الجزائرية، أمس الأربعاء، لبحث القرارات الرئاسية الأخيرة، حيث يتزامن اجتماعها مع دعوات الاضراب التي وجهتها ست نقابات مستقلة لقطاع التربية الوطنية، احتجاجا على قرارات بوتفليقة، والتي اعتبرتها "التفافا" على إرادة الشعب.

وأعربت غالبية قوى المعارضة في الجزائر عن رفضها خطوة رئيس البلاد بوتفليقة بإرجاء الانتخابات الرئاسية وعدم الترشح لولاية خامسة، معتبرة اعلانه هو لهدف الاستمرار في التمتع بصلاحيات رئيس الدولة والبقاء في مركز صنع القرار في البلاد، وكذلك القيام بتعد جديد على الدستور من خلال تمديد الولاية الرئاسية الرابعة.

وتمخض اجتماعها بالدعوة لعقد لقاء وطني مفتوح يجمع الجبهة الرافضة لمسلك السلطة، الذي "بات يمثل خطرا على الاستقرار الوطني ووحدة الأمة" وفق تعبيرها.

وقالت المعارضة في بيان مشترك اطلعت عليه "طريق الشعب"، إن "اللقاء يهدف الى إجراء حوار جاد لصياغة المطالب الشعبية ووضع خريطة طريق للانتقال الديمقراطي وبناء نظام حكم جديد بعيدًا عن إملاءات القوى غير الدستورية التي تحكم البلاد"، معبرة عن "رفضها القوي لأي تدخل أجنبي تحت أي شكل من الأشكال في الشؤون الداخلية واستنكار سعي السلطة الى الاستعانة بالخارج للالتفاف على الهبة الشعبية".

وحذرت بعد اعلانها مساندة الحراك الشعبي، من "إقحام الجيش الوطني الشعبي في التجاذبات السياسية، حفاظًا على الإجماع الوطني حول المؤسسة العسكرية".

وبحسب البيان، فأن المجتمعون رفضوا قرارات الرئيس بوتفليقة شكلا ومضمونا لاعتبارها تمديدا للعهدة الرابعة بعد رفض الشعب للخامسة، مؤكدين أن "السلطة لا يمكنها أن تستمر خارج أي ترتيب دستوري ضد الإرادة الشعبية وهي غير مؤهلة لقيادة المرحلة الانتقالية بل أن استمرارها كسلطة فعلية يشكل خطرًا حقيقيا على الاستقرار والأمن الوطنيين".

حزب العمال والمعارضة

وعلى صعيد متصل، أكدت رئيسة حزب العمال الجزائري لويزة حنون أن "الاحتجاجات خرجت بشكل عفوي وتلقائي من قبل الشعب وليست منظمة من قبل أي حزب"، مشيرة إلى أنه "لم تكن هنالك انتخابات في الجزائر بل تزوير شامل ومصادرة للإرادة الشعبية وتضخيم نسبة المشاركة".

وشددت حنون في حديث صحفي تابعته "طريق الشعب"، على أن "أحزاب المعارضة ليست حزباً واحداً وفكراً واحداً، وأن لكل حزب منها نظرته السياسة وبرنامجه ومشروعه"، لافتة الى رفض الجزائريين التدخلات الخارجية باعتبارها شأنا داخليا ولا يجوز لرئيس فرنسا التصريح بخصوصها وعليه الاهتمام بشؤون بلده".

تحذير من خلط الاوراق

وحذرت القيادية العمالية، من "محاولات بعض الأشخاص الذين يتبعون منظمات لجهات رجعية عبر تحريضهم المتظاهرين على رفض الأحزاب"، منوهة إلى أن "أغلبية المتظاهرين يؤمنون بأن اليوم هو دور الأحزاب في الحركة السياسية".

وجددت رفضها وجود محاولات لحرف المسار الثوري في الجزائر، مؤكدة أن الجزائر تعيش أياماً مصيرية اليوم، وعلى السلطة إعادة النظر في مطالب الشعب.

اصرار جماهيري

من جانبه، اعتبر الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في واشنطن، جو معكرون، أمس الأول، إن "المشهد السياسي في الجزائر مازال غير واضح، رغم ما يبدو من إيجابية في عدم ترشح بوتفليقة لولاية خامسة".

وأضاف معكرون في تصريح صحفي تابعته "طريق الشعب"، أن "ما يجري في الجزائر يبدو ملتبسا حتى الآن، فهنالك أفكار تبدو إيجابية من ناحية عدم ترشيح الرئيس لعهدة خامسة لكنها تخفي محاولات لإنتاج نسخة معدلة عن الوضع الراهن"، مشيرا الى، "وجود العديد من التساؤلات حول مدة المرحلة الانتقالية ومن سيتولى إدارة الانتخابات وتعديل الدستور، ولا بد من أن تكون النوايا صادقة وتكون هناك تعديلات جوهرية وليست شكلية".

ولفت الى، أن "أثر القبول أو الرفض الخارجي للقرار سيكون تأثيره محدودا في الداخل الجزائري، ويبدو أن الشعب الجزائري مصمم على استمرار التظاهر حتى تحقيق مطالبه، وهذا تحدي الجزائريين".