بعد فشل استخدام لعبة ادخال "معونات إنسانية" غطاء لتدخل عسكري في فنزويلا من قبل حكومات اليمين في بلدان الجوار، او لجوء لغزو امريكي، لم يبق للولايات المتحدة سوى الاستمرار بمحاولات الضغط الإعلامية، او تشديد الحرب الاقتصادية لإجبار القوات المسلحة على الانقلاب على حكومتها الشرعية.

ومنذ افتعال الازمة في 23 كانون الثاني الفائت، ومرورا بالفشل الذريع لمعسكر الانقلاب والتدخل الخارجي في 23 شباط الجاري، تؤكد القوات المسلحة الفنزويلية ولاءها للحكومة الشرعية ودفاعها عن الدستور، ولم يغير من الامر شيئا حديث الاعلام المضاد عن انشقاق الملحق العسكري الفنزويلي في واشطن، او نشر اخبار هروب اكثر من مئة منتسب في الجيش الى البلدان المجاورة، اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار حجم المؤامرة وعمق الازمة سياسيا واقتصاديا، ونسبة هؤلاء بالنسبة لعديد القوات المسلحة الذي يقترب من نصف مليون مقاتل في الصنوف كافة، ناهيك عن قوات التعبئة الشعبية التي تقول الحكومة الفنزويلية ان عديدها اصبح 1,6 مليون مقاتل تعمل الحكومة على رفعها الى 2 مليون.

ويمكن اعتبار صمود حكومة اليسار المنتخبة ديمقراطيا بوجه هذه الحملة الشرسة والمستندة الى ترسانة اقتصادية وإعلامية وعسكرية هائلة نجاح بحد ذاته، ومؤشر بان الانتصار النهائي ممكن، وان الولايات المتحدة وحلفائها ليسوا كليي القدرة. وقد أدى هذا الواقع الى تغيير في المواقف المعلنة، وبالتالي في موازين القوة لصالح معسكر الدفاع عن الشعب الفنزويلي وخيراته المادية ومصالحه الحيوية، ويمكن تلمس ذلك من خلال الولايات المتحدة في تحشيد بلدان قمة "مجموعة ليما" بالكامل لصالح مشروعها التدميري، وفي التبدل في موقف الاتحاد الأوروبي، ووضوح الموقف المعلن للأمم المتحدة.

البيان الختامي لقمة "مجموعة ليما"

استضافت العاصمة الكولومبية قمة "مجموعة ليما"، وبحضور نائب رئيس الولايات المتحدة مايك بينس، الذي جاء لمناقشة السير قدما في الخطط العدوانية ضد حكومة فنزويلا اليسارية. وحضر الاجتماع عشرة وزراء خارجية لبدان يحكمها اليمين في أمريكا اللاتينية بالإضافة إلى كندا، وقد غاب عن القمة المكسيك وغوياناس وسانت لوسيا.  وشكلت "مجموعة ليما" في آب 2017 في عاصمة بيرو، لغرض محاصرة واسقاط النظام الديمقراطي في فنزويلا.

وشارك في اعمال القمة رئيس المساعي الانقلابية خوان غوايدو، الذي تعترف به الولايات المتحدة وحلفائها من بلدان المجموعة "رئيسا مؤقتا" لفنزويلا، وقد تم نقله بواسطة طائرة عسكرية كولومبية الى العاصمة، واستقبل بشكل رسمي من مضيفيه. وتم ادراج اسمه ممثلا عن فنزويلا في بيان القمة الختامي.

 وعلى الرغم ان البيان الختامي للقمة كرر دعم بلدان المجموعة لرئيس المساعي الانقلابية، الا ان البيان اكد "أن الانتقال إلى الديمقراطية في فنزويلا يجب أن يتمّ «بواسطة الفنزويليين أنفسهم وبالطرق السلمية وفي إطار الدستور والقانون الدولي، ومن غير اللجوء إلى القوة".

ويبدو أن بلدان "مجموعة ليما" مترددون في جعل أراضيهم منطلقا للقيام بعمل عسكري ضد فنزويلا، على الرغم من التهديدات المتكررة للحكومة الأمريكية: إن "كل الخيارات مطروحة على الطاولة". لقد أكد وزير خارجية بيرو هوغو دي زيلا مارتينيز قبل القمة أن بلاده لن تدعم التدخل العسكري.  ووافقه الرأي نظيره الكولومبي، كارلوس هولمز تروغيللو.

موقف الأمم المتحدة من الصراع

قال الامين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس الاثنين الفائت، في تصريح للتلفزيون السويسري الناطق بالفرنسية، وارتباطا بالتهديدات الامريكية ضد فنزويلا: "ان زمن التدخلات العسكرية في أمريكا اللاتينية أصبح شيئا من الماضي"، وان تجربة أمريكا اللاتينية الطويلة مع الديمقراطية "لا تترك للأنظمة السلطوية فرصة".  وأضاف غوتيريس أن هذا التدخل "لا يمكن أن يتم إلا في إطار ميثاق الأمم المتحدة"، وانه "من السذاجة الاعتقاد بإمكانية التوصل إلى اتفاق في هذه الظروف".

الاتحاد الأوروبي يحذر من أي تدخل عسكري أجنبي

قالت المتحدثة باسم مفوضية الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية فيدريكا موغريني إن موقف الاتحاد الأوروبي بشأن فنزويلا واضح بأنه يجب تجنب التدخل العسكري هناك.

وقالت مايا كوسيانيتش الناطقة باسم رئاسة المفوضية الاوروبية، بعد اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، "نحن بحاجة إلى حل فنزويلي سلمي سياسي وديمقراطي لهذه الأزمة، وهذا بكل وضوح لا يشمل استخدام القوة".

وفي الإطار نفسه، حذّر وزير الخارجية الإسباني جوزيف بوريل الأحد من أي تدخل عسكري في فنزويلا، وقال "نحن لن نؤيد وسندين بشدّة أي تدخل عسكري أجنبي في فنزويلا".

التحذير الأوروبي جاء على خلفية التهديد الأميركي المستمر لفنزويلا بالتدخل العسكري لتثبيت زعيم المعارضة خوان غويدو كرئيس للبلاد بعد دعمه سياسياً للانقلاب على الرئيس نيكولاس مادورو.

عرض مقالات: