في سياق التعرف على هوية البيت، لا بد وان يمرر البيت بتحولات، اجتماعية، اقول يمرر ولا أقول يمر، فثمة قصدية واضحة في أن يكون البيت مؤسسة فكرية اجتماعية فاعلة، لنرى قدرته على الصمود والاحتفاظ بخصائص ساكنيه، أولًا  ومن ثم ادماج هويته المكانية بالهوية الاجتماعية والإنسانية العامة. ولذلك يقال البيت العراقي، البيت السوري، البيت المصري، البيت الفلسطيني البيت الانجليزي...الخ، ما ان تسمي هذه البيوت بأسماء هوياتها القومية، حتى يتبادر الى أذهاننا ثمة خصائص اجتماعية تحملها عندئذ سنعثر عليها في هذا البيت وفي ذلك البيت، وسنفتقدها من هذا البيت أو ذاك، ومن خلال مجموع الخصائص والسمات تتكون مفاهيم  عن بنية البيوت. هذه المقدمة كانت تمهيدا للحديث عن البيت الفلسطيني خاصة، لأنه من أكثر البيوت العربية عرضة للتغيير والاختراق، واصبح وجوده لدى الفلسطينيين جزءا من الارتباط بالوطن.           

 ففي ندوة صالون جدل مساء يوم 8-8-18في عمان بمشاركة الدكتور عبد الله البياري عمر، تعرفت على شيء ما كنت أدركه من القراء العامة لارتباط البيوت بالوطن عبر الإنسان والكائنات الحية الأخرى، وهو أن الأمكنة تكتسب طباع ساكنيها، وتحملها شحنات موروثة تنتقل مع الإنسان أينما حلَّ . وبقدر ما يكون سكانوها مختلفين تكون شحنات  طباعهم ولغاتهم مختلفة، وبالتالي تولّد الأمكنة غير المستقرة، شحنات استجابة مختلفة. المكان الفلسطيني، وهو ميدان حوار معمق في اللقاء الذي كان جمهوره من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 -30 عاما، كان يُعبَّر عن العلاقة مع البيت بدرجات مختلفة من قبل الحضور، تبعا لاختلاف سكانه الذين كانوا بين سكنته أول الأمر، ثم هجرتهم عنه، ثم العودة إليه عبر الذاكرة، ليصبح البيت جزءا من ايديولوجية العودة، وسايكولوجية الثورة. هذه الدائرة لا تكرر حكاية صغرى خاصة بفلسطيني دون آخر، بقدر ما تولد انقطاعات في الحكاية الفلسطينية الكبرى، التي تترافق مع ديمومة الاحتلال، الأمر الذي يتحول السكن - البيت- إلى وطن لا يقف عن التشكل باستمرار، كما لا يقف عند أي شكل يفرضه الاحتلال. الوطن الفلسطيني مجموعة من المفاهيم والتعابير المشحونة، أي فلسطيني يسكن بلدانا مختلفة فالبلدان التي سكنها الفلسطينيون، غير فلسطين عبارة عن محطات مؤقتة، لأنها سكن غير مكتمل دون أن يتعمق حضوره بالبيت الفلسطيني الميثولوجي الذي بنى اسسه الآباء بأحجار اليد، البيت الذي كانوا فيه ثم هُجروا عنه، ثم يدافعون ويستشهدون من أجله الآن، هو الصورة التي يرسمها كل شاب فلسطيني وفق ما يراه هو في تصوره للغد. لذلك لا استقرار للبيت الفلسطيني خارج فلسطين مهما كانت أسباب العيش متوفرة فيه، احسست في ذلك اللقاء الممتع أن أي حديث ينطلق من بيت فلسطيني خارج فلسطين حديث ناقص لأنه لم يكتمل بعد إلا بالثورة المستمرة. وهذا ما اشعرني به الفلسطينيون الشباب الذين أثروا الحوار وعمقوا مخيلتنا نحن كبار السن في تصور يوتوبيا الفضاء الفلسطيني المقبل.

عرض مقالات: