حينما رأيت شخصا يشبهه، يقف قريباً مني في محطة انتظار الباصات المغادرة، فكرت سريعاً:

ــ  ماذا سأفعل إذا كان هذا الذي يقف قربي هو الذي دمر كل شيء ذات يوم  وكيف سأتصرف؟

قبل أن استوعب السؤال، رأيته ينظر إلي بترقب وريبة!

ــ هل هناك شبها الى هذا الحد؟

لكنه حينما ادار وجهه  مبتعدا عن المكان الذي كنت أقف فيه، تأكدت انه هو ذاته "الذي جعلني أدفع ثمناً غالياً" ولكن بحلة جديدة، أكثر بدانه، الوجه الثعلبي والعينان ذاتهما، لم تنفع النظارة المعتمة واللحية الكثة والكوفية  والعقال في اخفاء تفاصيل ذلك الشبح العملاق الذي كان يقف في باب بناية الكلية وهو يبث الذعر في الجميع، سنوات طويلة مرت على ذلك اليوم الذي سحبني من ياقتي واقترب "منها" ملوحا بإصبعه... ذات الأصابع الحقيرة التي تقلب المسبحة بارتباك واضح. وضع اصبعه في وجهها، قبل ان تهوي الكف القاسية عليه.. لم تستفق "هي" من الصدمة، سقطت على الارض.. تركها وسحبني الى الغرفة التي اوصدها خلفه.. وبدأت الركلات من آخرين، انشغل بالهاتف، كاد ان يغمى علي  قبل ان يفتح الباب، لتسحبني أذرع أخرى نحو سيارة كانت تقف قريبا من غرفته... وفيما انا وسطهم بحثت "عنها".. لم أجد لها اثرا.

تصاعد شيء حاد نحو رأسي، وبدأت ارتجف وانا اقترب منه فيما هو يحاول أن يخرج من جيبه شيئا ما! وبدأ ينظر إلى الأفق، لكني كنت واثقا ان كل احاسيسه كانت معي، إذ لمحت أنه ينظر إلي بطرف يحاول ان يخفيه.. تسمرت أمام واجهة مطعم وانا أراقب عامل المطعم وهو يقطع بسكين حادة  اجزاء من "فخذ لحم" عملاق بضربات دقيقة ومحسوبة... كنت من مكاني أرى بوضوح ارتعاش جسده، وهو يرى تركيزي على السكين التي بيد عامل المطعم فيكثر من الالتفات إلى جميع الاتجاهات.. الفخذ العملاق تهاوى وتحول إلى قطع صغيرة.. وبدأت القامة العملاقة تتضاءل خلف ظلال الباص الذي وصل... أنهى العامل تقطيع الفخذ بالسكين التي تركها وانشغل بتحريك الفحم في المنقلة وبدأ الدخان الابيض يتصاعد في المكان القريب من المكان الذي توقف فيه الباص، كانت السكين  في متناول يدي، وقف هو باستسلام غريب  لم يتحرك نحو الباص،  وبقيت أنا متسمرا في مكاني وعيناي دارتا دورة كبيرة وهما تمسحان الافق، كان باب الباص قريبا منه وقريبا مني، كأنه اراد أن يترك لنا فرصة الاختيار بين ركوب الباص او تنفيذ رسالة الدخان الابيض الذي تصاعد بكثافة اغلقت قليلا الرؤيا امامي وامامه،  فلم نتمكن من فعل شيء، تحرك اخيرا وبذات المنظر وببطء وضع قدما في الباص والاخرى على الارض.  حالما صعد جسده تماما في الباص،  رفع يده بتحية،  بقيت متسمرا في مكاني وأنا اتأمل رسالة الدخان الابيض وخيارات التقاط السكين او تركها، غادر الباص المحطة ببطء ثم بدأ يسرع.. كان باب الباص قريبا مني، والسكين قريبة مني، لكني لم أتحرك من مكاني.

عرض مقالات: