
مساء يوم الجمعة المصادف الحادي والثلاثين من تشرين الأول ٢٠٢٥ كان الجو في لندن ماطرًا والطرقات مزدحمة ووصلنا إلى الصالة التي يقدم فيها المقهى الثقافي العراقي محاضراته متأخرين على غير عادتنا، فتفاجئنا بحشد كبير وصل قبلنا، لم يمنعه هذا الطقس، ولا الزحام، من الحضور واتخاذه أماكنه بالصالة، متطلعًا إلى المنصة التي كان عليها ضيف الأمسية الناقد الفني والأدبي عدنان حسين أحمد والشاعرة دلال جويد التي ستدير الأمسية فأبتدأت، بعد ترحيبها بالحضور وبالضيف قائلة:" في كل سيرة ذاتية يكتبها المبدع، ثمة محاولة جريئة لترويض الذاكرة وتفكّيك الزمن، وكشف ما يختبئ بين سطور التجربة من ضوءٍ وظلال. فالسيرة ليست مجرد استعادةٍ لما كان، بل هي كتابة ثانية للحياة، تُعيد ترتيب العالم على مقياس الذات، وتحوّل الألم والمعرفة إلى نصٍّ إنسانيٍّ جديد".
وأشارت إلى طبيعة هذه الأمسية وقالت إنها:" تجمع بين النقد والإبداع، نقف عند أربع تجارب سيرية تشكّل فسيفساء من الوعي العراقي والعربي، حيث تتجاور الطفولة والمنفى، الوجع والمسرّة، الظلمة والنور. أربع حيوات تُعيد إلينا معنى أن يُكتب الإنسان ليبقى".
ومما يجدر ذكره أننا ، وكل من حضر الأمسية تعرّف مسبقًا على مضمون محاورها من خلال الإعلان الفيديوي القصير الذي درج المقهى على توزيعه على وسائل التواصل الاجتماعي، نضع رابطه هنا ليساعد قرّاءنا أيضًا :
https://www.facebook.com/reel/1615491545990472
وبإضاءة الناقد الأديب عدنان حسين أحمد، سنتعرف على سير كل من : بلقيس شرارة وهي تشارك زوجها رفعة الجادرجي في بحثهما عن المعنى بين «جدار بين ظلمتين»، وروناك شوقي في «رسائلها بين الوجع والمسرة»، وصلاح نيازي في «غصنه المطعّم بشجرة غريبة»، وزهير الجزائري في «موجاته المرتدّة» إلى الطفولة والنجف وبغداد الستينات.
وعرّفت الشاعرة دلال جويد السيرة الذاتية بإلإيجاز التالي:"هي رحلة في الذات العراقية وهي تُعيد اكتشاف نفسها بين المنفى والحنين، بين الذاكرة والكتابة، لعلّها تمنحنا في النهاية يقينًا واحدًا: أنّ من يكتب سيرته، إنما يكتب سيرة وطنٍ كاملٍ بلغة القلب والعقل معًا".
ثم ذكرت الشاعرة جويد أنها قبل أن تبدأ هذه الأمسية بهذه السير الأربع فلا بد من تناول سيرة عامرة بالعمل وبالإبداع هي سيرة الصديق الأستاذ عدنان حسين أحمد فهو قاص وناقد وسينمائي ومترجم وإعلامي، وهو:
"- من مواليد جلولاء / ديالى / العراق.
- خريج كلية الآداب، جامعة بغداد، قسم اللغة الإنكليزية عام 1981.
- حاصل على شهادة الماجستير في النقد الأدبي من الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية بلندن عام 2007 عن أطروحته الموسومة ( أدب السجون في العراق خلال سنوات الحكم الدكتاتوري من 1963 الى 2003).
-لديه أكثر من دبلوم في السيناريو، والصحافة الاستقصائية، والكتابة الإبداعية، والترجمة.
- عمل في الصحافة العربية لأكثر من أربعين عامًا في العراق والأردن وهولندا والمملكة المتحدة.
- عمل محررًا لقسم السينما في صحيفة (إيلاف) الإليكترونية لغاية 4 كانون الثاني 2010.
- رئيس تحرير مجلتيّ (أحداق) و (علامات) الثقافيتين في هولندا.
*صدرت له في القصة القصيرة:
1- جولة في مملكة السيدة هاء
2- أقواس المتاهة
3- كوابيس منتصف الليل (بالإنكليزية)
* في الترجمة الى العربية:
1- ترجم (دبلنيون) للكاتب جيمس جويس ونشرها في صحف ومجلات عراقية.
2- ترجم (هدية المجوس) للكاتب أو. هنري ونشرها في عدة صحف ومجلات عراقية.
* في النقد التشكيلي:
1- أطياف التعبيرية: غواية الحركة ورنين اللون في تجربة ستار كاووش الفنية.
* في النقد الروائي:
1- الرواية العراقية المُغترِبة الصادر عن المركز الثقافي العراقي في لندن ودار الحكمة عام 2014.
2- أدب السجون في العراق خلال سنوات الحكم الدكتاتوري من 1963 إلى 2003.
* في النقد السينمائي:
1-الفيلم الوثائقي العراقي في المنافى الأوروپية.
2- غواية القصة في الفيلم الوثائقي الجديد
3- فضاءات سينمائية جديدة
سيصدر له في السينما:
الفيلم الروائي الكوردي*
الفيلم الوثائقي الكوردي*
السينما التركية المستقلة*
4- الذاكرة المرئية العراقية (استفتاء لأكثر من ثلاثين مخرجاً وناقداً سينمائياً عراقياً).
*نشر مئات المقالات في النقد الأدبي والتشكيلي والسينمائي ويحاول جمعها وتبويبها بَغية إصدارها في كتب تخصصية. هناك أكثر من 1000 مقالة في موقع الحوار المتمدن وهي منشورة سلفًا في صحف عربية مثل الحياة والشرق الأوسط، والقدس العربي، والزمان، والعرب اللندنية، والصباح، والصباح الجديد، والمدى، والمثقف، والمنار.
* سيصدر له لاحقًا كتاب (تشكيليات عراقيات في المنفى)
الجوائز:
1- الجائزة الثانية في القصة القصيرة عن قصة "كوة الخلاص" عام 1993.
2- الجائزة الثانية عن أدب الاستذكارات من اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين عن ثلاثية " الأخيذ، الديماس، وأسير حرب" عام 1995.
3- الجائزة الأولى في القصة القصيرة من مؤسسة الهجرة في أمستردام عن قصة "خرقة سوداء" عام 1998.
4- الجائزة الأولى في القصة القصيرة في لندن عن قصة "كوابيس منتصف الليل" عام 2009 عن مؤسسة الكُتّاب المنفيين".
ثم طرحت مديرة الأمسية على ضيفها التساؤل التالي: " أتمنى أن يحدثنا الأستاذ عدنان عن الفرق بين السيرة الذاتية والأنماط النثرية الأخرى في الأشكال الأدبية الأخرى مثل الرواية ، وهل السيرة الذاتية تختلف عن السيرة الغيرية؟".
بعد ترحيبه بالحضور أجاب الضيف:" أن أمسيتنا لهذا اليوم عن (السيرة الذاتية ) وتسمى أيضًا أدب (الكتابة الحميمة) وذلك لأنها تتمركز على الذات الكاتبة. هناك نوعان من السيرة هما السيرة الذاتية التي يكتبها الأديب عن نفسه والسيرة الغيرية وهي سيرة يكتبها أديب أو صحفي عن شخص آخر كأن يكون فنانًا او عالمًا أو رياضيًا ..الخ ".
وجاء الضيف على استعراض السير التي سيتناولها في أمسيته وقال إنه اختارها لأن جميع كتابها من المقيمين بلندن وأنهم يتوفرون على ثقافة عميقة ويستطيعون رؤية المشهد بوضوح من دون تشويش والتباسات.
فالسيرة الأولى التي اختارها هي (رسائل في الوجع والمسرة) لكاتبتها روناك شوقي وهي ممثلة ومخرجة مسرحية والثانية هي (موجات مرتدة: النجف والطفولة، بغداد والستينات) للروائي والكاتب الصحفي زهير الجزائري .. أمّا (جدار بين ظلمتين) قال إنه اختارها لأنها سيرة مزدوجة وهي من السير النادرة التي يكتبها اثنان كتبتها السيدة الكاتبة بلقيس شرارة وزوجها الراحل المعماري رفعة الجادرجي، والسيرة الرابعة هي (غصن مطعم بشجرة غريبة) للدكتور والشاعر صلاح نيازي وهي سيرة نموذجية لكنها لا تتطابق تماما مع اشتراطات المُنظِر الفرنسي ( فيليب لوجون ). وقال إنّ دوافع اختياره لهذه السير كونها تشتمل على المذكرات واليوميات والمحاورات والشهادات والاعترافات والسيرة الذاتية الروائية. ومن الجدير بالذكر أنّ شخصيتين من كتّاب السيرة كانتا حاضرتين هذه الأمسية وهما السيدتان بلقيس وروناك.
وهنا سألت الشاعرة دلال الضيف عن تناوله لسيرة روناك شوقي التي كتبتها بصيغة رسائل:" فكيف نتعامل مع مصطلحين هما السيرة والرسائل ؟". فكانت إجابته إنّ هذه السيرة كانت "تجمع بين أدب الرسائل والسيرة، وحتى على غلاف كتابها ثبّتت كلمة (سيرة) فقط من دون أن تردفها بكلمة (ذاتية) وبرأيي كان يمكن لهذه الكتابة أن تكون سيرة ذاتية - روائية لو أنَّ الكاتبة، عدّلت بخطتها، فهي تناولت شخصيات عددها تسعة .. كلهم ينتمون إلى عائلتها؛ فالأب فنان معروف في المسرح والتلفزيون والسينما، ألا وهو الراحل خليل شوقي وكذلك والدتها ونصف الأولاد من الوسط الفني ففيهم الموسيقي والممثلة المعروفة والمصور والإعلامي فهذا الكم من المبدعين والمبدعات كان يمكن لسيرهم مجتمعين أن تتحول إلى صياغة سيرية - روائية".
وأضافت دلال أنها حضرت أمسية لروناك قدمت فيها سيرتها هذه ممسرحة وأنها أذهلتها طريقة التقديم وعلّق الضيف أنَّ هذه السير الأربع تصلح أيضًا لتكون أفلاما سينمائية .
ثم نقلت مديرة الأمسية الحديث إلى سيرة زهير الجزائري فسألت الناقد: لماذا سيتناول الجزء الثالث من هذه السيرة .. فكان تبرير الأستاذ عدنان لذلك لأن زهير تناول في هذا الجزء جيل الستينات وهو جيل غزير الإنتاج في الشعر والرواية والفن التشكيلي وغيرها من الحقول الإبداعية .. وبهذا الصدد ذكر عدد من أسماء ذلك الجيل وعلى الأخص أولئك الذين كانوا في النجف وتأسيسهم لمجلة ثقافية اسمها (الكلمة ) التي بدأت بالصدور في عام ١٩٦٧ وتوقفت في ١٩٧٤ بعد أن أصدروا ثلاثين عددًا وذكر أيضًا أهمية هذا الجزء هو سرد الجزائري لإنتمائه المبكر لليسار العراقي وعلاوة على ذلك عمله في الصحافة بمؤسستين متناقضتين الأولى بمجلة (الإذاعة والتلفزيون) الحكومية وانتقاله إلى جريدة ( طريق الشعب) الشيوعية وهذه كانت نقلة نوعية، حيث كان في هذه الجريدة مثقفون أثروا في المشهد الثقافي العراقي .. فغنى هذه الجريدة بتلك الكفاءات أثارت السلطة في حينها .. وعلق الناقد على الأجزاء الثلاثة من سيرة زهير قائلًا عنه:" إنه لم يتخلص من الجملة الصحفية إلّا في روايته آخر المدن".
وتطرقت دلال إلى السيرة الثالثة في هذه الأمسية وهي ( جدار بين ظلمتين ) فذكرت أنها انطوت على:" صوتين مختلفين .. صوت المرأة وصوت الرجل ..صوت السجين وصوت حبيبته وزوجته..فكيف يمكن التعامل مع هذه السيرة وهي متكونه من هذين الصوتين ؟".
أجاب الضيف أنَّ أدب السيرة المزدوجة في الأدبين العراقي والعربي قليل فالأزدواجية تتأتى من أنها كُتبت من قِبل شخصين هما السيدة بلقيس شرارة والراحل الجادرجي وأضاف :" أنها بعنوان (جدار بين ظلمتين) حيث الظلمة الداخلية هي ظلمة السجن، فرفعة سُجن في المخابرات أولًا ثم رُحِّل إلى سجن أبو غريب .. والظلمة الخارجية، هي خارج السجن، فالعراق تحول إلى سجن كبير" ثم سرد الضيف الأسباب الواهية التي أقدم النظام بسببها على اعتقال شخص مثل رفعة المعماري المهتم بالتصوير والفن التشكيلي وبالثقافة .. إنَّ قسوة الحياة لم تتح للكاتبين أن ينشرا هذه السيرة إلّا في عام ٢٠٠١ على الرغم من كتابتهما لها في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات. ونوّه الناقد إلى نقطة مهمة هي أنَّ السيدة بلقيس كانت تكتب من الخارج ورفعة يكتب داخل السجن والذي يقرأ ما كتبه الاثنان سيجد بأنَّ ايقاعهما واحد ولا يشعر بوجود المطبات أو الاختلافات بين ما يكتبه كل منهما .. بعد ذلك انتقلت الأمسية إلى السيرة الرابعة والأخيرة وهي للشاعر والمترجم صلاح نيازي في كتابه (غصن مطعم بشجرة غريبة ) والذي قالت عنه الشاعرة جويد :" أنا أشعر أنّ فيه اكتشاف وانبهار وجلد للذات .. حين جاء إلى المكان الغريب والجديد والمختلف". أمّا الضيف فقال :" قد تكون شهادتي مجروحة بحق الصديق الشاعر والناثر المهم صلاح نيازي ولكن سيرته هي واحدة من أبرز السير الذاتية العربية .. ربما توفرت له فرصة لم تتوفر إلى أناس آخرين .. فهو أول، على الأقل في المشهد الثقافي العراقي، من زاوج أو من كتب عن الثقافتين البريطانية والعراقية في آن واحد، وأول من قارن حتى بين الجملة العراقية والجملة البريطانية، وعبّر عنها بأنها (جملة مغرورة ) كما يقول و(معتدة بنفسها) وفعلًا أنا نفسي راجعت الكثير من الجمل الإنكليزية ووجدتها تتوفر على الكثير من خطوط الرجعة، علاوة على الجمل الإعتراضية ". وأضاف :" أنّ ثيمة هذه السيرة صنعها بعناية فائقة، هو يقول بما معناه لم يكن همّه السفر إلى أوروبا والعيش فيها وإنما كنت أبحث عن موت كريم ..فتخيلوا أنَّ شخصًا يترك الناصرية ويأتي إلى لندن ليموت موتًا كريمًا " وتمنّى الضيف على الحضور قراءة هذه السيرة أيضًا.
وأمتد الحديث عن السير الأربع وعن أمثلة لسير أخرى، عراقية وعربية وعالمية، وخاصة عندما شهدت الأمسية مداخلات عديدة بين الحضور ومن بينهم كتاب وروائيون وشعراء ومن الوسط الثقافي وتطرقت المداخلات إلى توفر بعض الخصائص في كتابة السيرة من بينها الوثائقية والمصداقية والتأرخة وتناول العام من خلال الخاص ومن هو الضمير الذي يروي السيرة؟ وهل ممكن اعتبار بعض السير مشاريع روائية؟ وهل ينبغي أن يعمد سارد السيرة على الاعتراف أو تشخيص سلبياته والإتيان على أخطائه؟ ..الخ.
.. لقد كانت بحق أمسية ثرية بتناولها لهذا الموضوع المتفرِّد والتي وعد الضيف الناقد عدنان حسين أحمد بمواصلته لأهميته .. ونحن لا نشعر أنَّ هذه التغطية قد أتت على كل مفاصل هذه الأمسية ونقترح على قرائنا الأعزاء متابعتها بالصوت والصورة حيث قام المقهى بتوثيقها تلفزيونًيا ونشرها على صفحته بالفيسبوك.. وبالمناسبة في هذه الصفحة ستجدون أرشيف كل آماسي المقهى الذي وضع أيضًا التسجيل الفيديوي لهذه الأمسية على اليوتيوب ونضع لكم أدناه رابطها التالي ونتمنى لكم مشاهدة ممتعة ومفيدة:
![]() |
![]() |
![]() |










