نزهتي في (أبجدية محمد مسعود) للشاعر مشرق المظفر
(*)
هذه نزهتي الثانية مع الأستاذ الشاعر مشرق المظفر... الأولى كانت مع ديوانه الشعري الثالث (مدن سقطت سهوا) .. الديوان الأول للشاعر هو (مدينة هجرها الصندل) الفرق اللغوي بين عنوانيّ الديوان الأول والثالث: نقلة لغوية / شعرية من المفرد (مدينة) إلى الجمع (مدن).
(*)
محتوى العناوين يؤكد على المتغيرات التي تجرف جماليات الأمكنة، ورّكز الشاعر مشرق المظفر على التجريف في عنوان ديوانه الثاني(ظل شاحب) في ديوانه الرابع(أبجدية محمد مسعود) يوسع اشتغاله ضمن الدائرة التي أرادها فضاءً لتجربته الشعرية. وهنا اتوقفُ ليس مع كلمة تجربة، بل مع (التجربة) كمصطلح نقدي من منتوجات الحداثة. وهذا المصطلح يشمل المعنى الشعري والمعرفي لدى المبدع، والمصطلح معنيٌ بكل فكرة عقلية أثرت في رؤية الإنسان للكون والكائنات، فضلاً عن الأحداث المعاينة التي تدفع المبدع إلى التفكير. وهكذا تتوسع مديات مصطلح(التجربة) وتصبح أكبر وجوداً وأوسع عالما من الذوات، وإن كان مجال عملها ضمن هذه الذوات.، فمصطلح المكان لا يهمل الجانب الشخصي والعاطفي لتلك الذوات في الوقت نفسه
(*)
في ديوانه ِ الجديد(أبجدية محمد مسعود) يواصل تعميق وتوسيع علاقته مع موجهات مجموعاته السابقة، أقصد أن الشاعر مشرق المظفر، لا يكرر بل يستقصي ويستحضر أمكنةً جنوبيةً تماهت في شعرية ذاتهِ، و أصبحت الوظيفة الشعرية هي استعادة الجمالي الذي أفل من الأمكنة وصياغته ثانية بجمالية شعرية، للذين حرموا من العيش في تلك اللحظة التي تعتبر الآن يوتوبيا.. يرثيها جيل الخمسينات والستينات والسبعينات. إذن نحن أمام ثلث قرن من المحو.
(*)
يعترف لنا الشاعر، أنه مأمورٌ بالكتابة:
(أكتب قبل أن يستيقظ الكون مِن غفوتهِ)
(قبل أن تتعرى ظلمة الليل )
(قبل تلاشي خيط الومضة )
ثم في النسق الكتابي الرابع تنتقل الجهة من الموضوع إلى ذات الشاعر (أكتب عن وطن يبحث عنك يعاتبك)
(*)
في هذه المجوعة منشغلٌ الشاعر كعادته بالمكان وبالمكين (أطلُ على موائد الليل في بارات(الوطن) صارت أطلالا..) وحتى يخفف من وطأة الغياب يخبرنا(لو أن النادل أستبدل نشرة الأخبار.. بأغنية لسيد درويش) هنا الشاعر يرفض الراهن الرث ويستعين بالقديم البديع فنيا، مرموزا إليه بعبقرية سيد درويش.. ويكمل جملته الشعرية قائلا( ولا بأس أن نحلم بفيروز) .. وقفت أمامي مفردة (لابأس) لأنها مكتنزة المعنى
فهي تعني : عدم الممانعة. . لا حرج.. لا خوف، كما تعني لا داعي للقلق أو التخوف. ولا بأس في الغالب تعتبر مفردة موجبة الشحنة.. شخصيا كقارئ للمفردة أشعرني مستسلماً حين أقول: لا بأس.. كأنني أعلن أن الأمر لكم وليس لي..
(*)
الإنسان أحيانا، يُشار إليه بعلامة ٍ ما، كما في قول الشاعر
(سفن تبحث عمن يزيح وحشتها). لم يستعمل الشاعر فعل (تنتظر) بل (تبحث) والفرق بين الفعليين المضارعين، هو الفرق بين الحركة والسكون.
(*)
حين تتشوه الأمكنة، يبحث الشاعر عن المعادل الموضوعي لها
يصنع نسخةً ثانية ً منها بوسائل ٍ شعرية ٍ :
(انشأت ُ من أعواد الثقاب
وبعض حزني
خارطة ً لمدينة غادرتُها)
وهو يستقوي بغصن ذهبي لتحصين النسخة الثانية من المدينة :
(بعصا سحرية ٍ من شجرة السدر العتيقة
وتعويذة أمي
والحب المخبئ بين سعف النخيل)
وهذه المدينة الجديدة مفتحة الأبواب لأولئك الذين شكلوا للشاعر مشرق المظفر وعيه الوطني وسموه الأخلاقي الجميل
: الجدة رضية. العم حيدر. صبري هادي. الحاج جيتا. عباس السريح. صبري الوائلي. الحاج ياسر. سعدي يوسف. وفيقة السياب. حياوي الخيّاط. شجرة آدم. سواقي القرنة. بيت الآغا
و... شقيقي المناضل محمد مسعود.
(*)
الشاعر مشرق المظفر، مؤرخ برتبة ٍ شعرية، يتمازجان في قصائده: الشعري وتاريخ مدينة القرنة العريقة . التي اتسمت بالثورية و جمالية المكان ومازالت.
26/ 5/ 2025
البصرة/ محلة بريهه
- مقالتي هذه مقدمة (أبجدية محمد مسعود) للشاعر مشرق المظفر